كتاب ومقالات

وقف «الإسلاموفوبيا».. !

صدقة يحيى فاضل

معروف، أنه قد نتج عن الهجمات الإرهابية التي شنت على الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر 2001م، الكثير من التطورات السياسية الكبرى، وعلى أغلب المستويات. وطالت هذه النتائج جزءاً واسعاً من عالم اليوم، وبخاصة العالمين العربي والإسلامي. وهذه الهجمات أدت لحدوث تحولات سياسية كبيرة في سياسات أمريكا والغرب (بصفة عامة) تجاه العرب والمسلمين، وغيرهم. يقول المحللون المحايدون: إن هناك بعض النتائج الإيجابية، وكثير جدا من التداعيات السلبية لهذه الهجمات، بالنسبة لقضية (السلام والأمن) الدوليين. ويؤكدون أن: النتائج السلبية لهذه الأحداث فاقت -حتى الآن- معظم التوقعات.

وبالنسبة للعرب والمسلمين، لا شك أن النتائج السلبية لهذه الهجمات تفوق كثيراً ما قد كان لهذا الفعل من تداعيات إيجابية. ونذكر أن من أبرز النتائج السلبية هي: تقوية الموقف الإسرائيلي تجاه العرب، غزو واحتلال وتدمير العراق، الإمعان في ظلم الفلسطينيين، غزو واحتلال أفغانستان، تواصل الدعم الغربي للصهيونية، التخطيط لتمزيق العالم العربي أكثر مما هو عليه الآن، التضييق أكثر على العالمين العربي والإسلامي في ما يتعلق بامتلاك الأسلحة الإستراتيجية، تنامي ظاهرة (الإسلاموفوبيا)... إلخ.

****

ولنقف قليلاً عند ظاهرة (الإسلاموفوبيا)؛ التي تعني: تسفيه وكراهية المسلمين (بصفة عامة) من قبل غيرهم، واتخاذ إجراءات وأفعال ضدهم على أصعدة تواجدهم، والتمييز ضدهم، ومعاملتهم -دون سواهم- معاملة سيئة... فيها حط من الكرامة، وقدر من الإهانة المتعمدة؛ باعتبارهم «أصحاب عقيدة عنف وتخلف وكراهية للآخرين (حاشا دين الله القيم)، والحض على استخدام العنف ضدهم...»...!

وهذه الظاهرة كانت -وما زالت- منتشرة في كثير من أنحاء العالم، وبخاصة الغربي... وكانت درجة حدتها -وما زالت- تتفاوت من مستوى منخفض، وغير معلن، إلى مستويات حادة، وسافرة. كان من نتائج أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أن ارتفعت حدة الإسلاموفوبيا لدرجات عالية غير مسبوقة، وبخاصة في الغرب (بصفة عامة) وفي أمريكا على وجه الخصوص. وكان لهذه الظاهرة آثار سلبية كبيرة على العرب والمسلمين، وخاصة أولئك الذين اضطرتهم ظروف العيش للإقامة بالغرب، بشكل دائم أو مؤقت. ولهذا، اهتم بها مؤتمر القمة الإسلامية الطارئ، الذي عقد بمكة المكرمة عام 1426هـ (2005م) واعتبرها أحد أكبر الموضوعات التي تشغل العالم الإسلامي برمته، لما لها من تداعيات خطيرة، في الوقت الحاضر.

ولا شك أن هذه الظاهرة، وكل ما يتعلق بها من أحداث وأفعال خطيرة، تندرج ضمن (المواضيع) التي تعتبر من صميم مسائل العلاقات العربية – الغربية، في الماضي والحاضر، وصولاً إلى المستقبل. ويعتقد أن (المسؤول) عن قيام ونمو وتنامي ظاهرة (الإسلاموفوبيا) هو تصرفات بعض العرب والمسلمين المتشددين (ظاهرة «الغربوفوبيا» – إن صح الوصف) من جهة، وتحامل وحقد المتشددين في الغرب على العرب والمسلمين، من جهة أخرى؛ أي أن سببها يعود -في الواقع- إلى طرفي العلاقة... وإن كان هناك تفاوت في مدى القوة، ومدى الحقد والكيد، والكيد المضاد.

****

لكل هذا، رحب العرب والمسلمون بقرار مجلس النواب الأمريكي: «الاعتراف بأن الدين الإسلامي أحد أعظم أديان العالم»، الذي صدر عن هذا المجلس، يوم 12 أكتوبر 2007م، بأغلبية جيدة. ومما جاء في هذا القرار ما يلي: «وحيث إن الاحتفال بشهر رمضان (1428هـ) بدأ يوم 13 سبتمبر 2007م، ويستمر شهراً كاملاً، فالآن، وعليه يتقرر أن مجلس النواب:

1 – يعترف بأن الدين الإسلامي أحد أعظم أديان العالم (لم يقولوا ديناً سماوياً).

2 – يعبر عن الصداقة والدعم للمسلمين في الولايات المتحدة والعالم.

3 – يرفض الكراهية والتعصب والعنف الموجه ضد المسلمين في الولايات المتحدة، وحول العالم.

4 – يشيد بالمسلمين في الولايات المتحدة، وحول العالم، الذين رفضوا التفسيرات للإسلام، والحركات الإسلامية، التي تبرر وتشجع الكراهية والعنف والإرهاب». أ.هـ.

****

ومؤخراً، في مارس 2024م، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن «تدابير مكافحة كراهية الإسلام»، وتعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة لمكافحة (الإسلاموفوبيا). وقد رحّب المسلمون، بصفة عامة، بهذا القرار. وأشادت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بهذا القرار، وبأهميته في هذه الظروف الدولية التي يشهد فيها العالم تصعيداً لخطاب الكراهية، وشعاراتها وأساليبها، مما يهدد السلم العالمي، ووئام مجتمعاته الوطنية. كما أعلنت وزارة الخارجية السعودية ترحيب المملكة باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا القرار.

والمهم، أن يتم على الأرض «تفعيل» عدم الكراهية، وعدم التفرقة، وتحقيق العدالة والإنصاف، دون تمييز على أساس هذا الدين، أو ذاك. ما زال العالمان العربي والإسلامي ينتظران أن «تغير» أمريكا، وبقية دول الغرب بخاصة، سياساتها تجاههما... وتكف عن إنزال الأضرار السياسية الفادحة المعروفة لسياساتها بهم. وذلك عبر «تعديل» تلك السياسات، بما يخدم المصالح المشتركة، ويحقق العدالة (والحرية والمساواة) لجميع المعنيين، والموجوعين من سلبيات السياسة الغربية المعروفة، نحو العرب والمسلمين. إن إقلاع أمريكا عن الإمبريالية والميكافيللية، ودعم الصهيونية، ستنتج عنه (دون شك) صداقة حقيقية، وسلام وارف. ومن دون ذلك، ستظل الكراهية تتنامى، رغم ما يتخذ من قرارات مضادة لها... تلك الكراهية التي غالبا ما تتجسد في: أفعال، وردود أفعال، بالغة الضرر (في المدى الطويل) وبالنسبة لكل أطراف العلاقة.