كتاب ومقالات

إنفاقك على الآخرين يسعدك أكثر من الاحتفاظ بالمال

بشرى فيصل السباعي

من أكثر الدراسات التي كانت لها نتائج مفاجئة لأنها تعاكس المنظور التقليدي عن الإنسان، هي الدراسات التي أثبتت أن التبرع بالمال حقق سعادة للناس أكثر من الاحتفاظ به لأنفسهم، مثل هذه الدراسة «أن تعطي أو تأخذ المال، تأثيرات الاختيار على إنفاق التكافل الاجتماعي والسعادة- To give or to take money? The effects of choice on prosocial spending and happiness»، لذا ونحن في أكثر مناسبة هناك إغراء فيها لكي يحتفظ الإنسان بالمال لنفسه بعد الحصول عليه في صورة العيديات، يجب التذكير بأهمية العطاء ومشاركة الآخرين ليس فقط من أهل ومعارف، إنما أيضاً الفئات التي لا يتذكر الناس أهمية إدخال السعادة على قلوبهم؛ مثل العمالة ونزلاء دور الرعاية والفقراء، وسعادة الإنسان تتضاعف بقدر تسببه في إسعاد الآخرين، وكلما كان الإنسان محروماً كانت سعادته أكبر بما يمنح له، وبالتالي تكون سعادة المعطي أكبر، وبما أن العيد هو موسم حصول الأطفال على أكبر قدر من المال يجب تعليمهم وتعويدهم عادة اقتصاص جزء من مالهم للتبرع للمحتاجين وجعلهم يستشعرون سعادة إسعاد الآخرين بالعطاء المادي، ويكون ذلك طواعية وبالترغيب والتشجيع وليس بالإكراه والإجبار، ومن الأمور الجميلة لدى بعض العوائل أن لديهم في البيت حصالة للتبرعات ويتم تعويد الأطفال على التبرع فيها باستمرار حتى يصبح التبرع عادة راسخة يحافظ عليها الإنسان بقية حياته ويشعر بتأنيب الضمير إن قصر فيها، ومن أوجه العطاء أيضاً مسامحة الآخرين في الديون المتعسر عليهم الوفاء بها أو مسامحتهم في جزء منها، أو تمديد مهلة سدادها، فسعادة العيد تزيد بقدر السعادة التي يدخلها الإنسان على الآخرين، ولذا يجب تكريس أن العيد هو مناسبة لمنح الآخرين السعادة وليس السعي لإسعاد النفس بالإسراف عليها كما في حالة من يسرفون في المشتريات الشخصية، ويسرفون في المأكولات، ودائماً كل إسراف يقابله تقصير، ولذا الإسراف على النفس يقابله تقصير في حقوق الخلق، ولذا في القرآن (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، ولذا حتى لجانب الرغبة في السعادة الدراسات العلمية أثبتت أن الإنسان سيكون أكثر سعادة في إنفاقه على الآخرين من إسرافه على نفسه، وكما يقال «من ذاق عرف» ومن يتذوق سعادة إسعاد الآخرين سيدمنها ويندم على ما ضاع من عمره وماله في سراب السعي للسعادة عبر الأنانية والشح، ولذا من المفارقات التي لا يفهمها من لم يعشها أن من يباشرون التعامل مع الحالات الإنسانية الصعبة والتعيسة مثل العاملين في مجال الخير والإغاثة رغم معايشتهم اليومية لمآسي الناس، لكنهم يشعرون بالسعادة أكثر من الذي يعيش لنفسه ويسرف عليها لأنهم يعيشون سعادة إسعاد الناس بقضاء حوائجهم، بينما كل أسباب السعادة الأنانية يتعود الإنسان عليها ويفقد الإحساس بها ويملها ولا تعود تجلب له السعادة وهذا سبب انتحار المشاهير والأثرياء ولو كانوا اكتشفوا سعادة إسعاد الآخرين لما وصلوا إلى درجة من التعاسة تجعلهم يقتلون أنفسهم، فعيش الإنسان لأجل إسعاد الآخرين يخرجه من صندوق حالته النفسية والاكتئاب والسوداوية الشخصية ويجعله أكثر إيجابية، ولذا القرآن كرر ذكر أن الأنانية والإسراف على النفس ظلم من الإنسان لنفسه، بينما إحسانه للآخرين هو إحسان لنفسه، ومن لا يملك السعة المالية للإنفاق المالي على الآخرين يمكنه التطوع لمساعدتهم بوقته وعلمه وجهده وقدرته، ومن لا يستطيع حتى ذلك فيكفي أن يسعد الناس بحسن معاملتهم، والله يعامل الناس كما يعاملون بعضهم (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) لذا سيسعده الله كما أنه أسعد خلقه.