كتاب ومقالات

التشهير بالمتحرشين.. «الداخلية» تعلّق الجرس !

أحمد الجميعة

بدأت الجهات الأمنية في المملكة الأسبوع الماضي التشهير بأسماء المقبوض عليهم في تهم التحرش - والاكتفاء بنشر الاسم دون صورة الوجه في بياناتها الصحفية - وإحالتهم للنيابة العامة لاستكمال الإجراءات النظامية بحقهم؛ وفق نظام مكافحة جريمة التحرش، وذلك في خطوة مهمة مقرونة بالأدلة والشواهد التي تثبت صحة الوقائع، وسلامة الإجراءات، وتحقيق الردع لكل من يمارس أي قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر منه تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة.

وعلى الرغم من أن عقوبة التحرش المنصوص عليها في النظام بالسجن والغرامة تحد من تداعيات الجريمة على المجتمع، وتحمي المجني عليه، وتصون خصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، إلا أن عقوبة التشهير تمثّل رادعاً أكبر للمتحرش وغيره؛ فالسجن والغرامة تنقضي في وقت ما، ولكن التشهير هو أكبر وقعاً على النفس، وأكثر تأثيراً في ضبط السلوك، وزاجر نفسياً وحسياً من التحرش بالآخرين.

لقد جاءت بيانات الجهات الأمنية بالتشهير بالمتحرشين كوسيلة لغاية أكبر وهو الحفاظ على الأمن الاجتماعي، والتعبير عن التزامها بحماية المجتمع من أي تجاوزات مرفوضة، ودورها كجهات ضبط في التصدي لها، كما فعلت ذلك مع مروجي ومهربي المخدرات، ومخالفي الأمن البيئي وغيرها من الحالات الأمنية التي كانت فيها وزارة الداخلية وأجهزتها المتعددة؛ هي عين المجتمع، وما تحمله من ثقة مطلقة من أفراده في كل ما تقوم به لتحقيق هذه الغاية، وأكثر من ذلك في الاستجابة للمتغيرات والتحولات المجتمعية والاقتصادية، وقراءة السلوك المجتمعي والتفاعل معه، من خلال قرارات وإجراءات؛ تعبّر عن وضوح الرؤية، وعمق الرسالة، وسلامة الهدف بالشراكة مع الجميع.

اليوم مع هذه الجهود الأمنية المميّزة التي تعلق فيها وزارة الداخلية الجرس عالياً بالضرب بيد من حديد على كل متحرش، والتشهير به؛ نحتاج معها إلى جهود تكاملية أخرى من بقية مؤسسات المجتمع في التعليم والإعلام والشؤون الإسلامية وغيرها؛ للتوعية بخطر التحرش، وخاصة بين فئات المراهقين من الجنسين، والتأكيد على أن المتحرش يبقى إنساناً مريضاً، وهو يمارس سلوكاً جنسياً غير مقبول بالتعدي على شخص آخر من دون وجه حق.

مهم جداً أن تتواصل الحملات الإعلامية التوعوية في المجتمع، وتحديداً في المدارس والجامعات، ووسائل الإعلام، وعلى منابر خطب الجمعة، وداخل بيئات العمل؛ ليس لأن التحرش ظاهرة في المجتمع، أو من يمارسها حكراً على مواطنين دون مقيمين أيضاً، ولكن حتى لا يصل التحرش إلى ظاهرة مجتمعية مزعجة، أو تخلق صورة غير واقعية عن مجتمع لا يزال متمسكاً بقيمه وعاداته وتقاليده، وقبل ذلك دينه الذي يلتزم به معرفة وسلوكاً.