كتاب ومقالات

هجوم مسرحي على هامش الأحداث

رامي الخليفة العلي

بعد انتظار وإثارة كان الهجوم الإيراني على إسرائيل رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، إلا أن المسؤولين في طهران كانوا حريصين على غياب عنصر المفاجأة، لذلك تم إبلاغ عدد من الدول بالهجوم وطبيعته كما تم تمرير معلومات استخباراتية عن السلاح الذي سوف تستخدمه قوات الحرس الثوري، ثم بدأ الهجوم في مساء الثالث عشر من شهر نيسان الجاري، مع الحرص على استخدام طائرات مسيرة بطيئة الحركة تحتاج إلى ساعات للوصول إلى الأهداف الإسرائيلية، بحيث أعطي مجال واسع سواء للدفاعات الجوية الإسرائيلية أو لسلاح الطيران وكذلك للقوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية من أجل أن تأخذ استعداداتها وتهاجم هذه الطائرات والصواريخ قبل أن تصل إلى المجال الجوي الإسرائيلي، وعلى ذلك فمن المؤكد أن طهران لم تكن تريد إلحاق أي ضرر عسكري أو مدني بالجانب الإسرائيلي، وإنما كان الهدف هو إعادة الروح إلى الخطوط الحمر الإيرانية التي تم احترامها من قبل إسرائيل على امتداد سنوات مضت، وهي باختصار عدم ضرب الأراضي الإيرانية بشكل مباشر وبشكل علني، مع أن الموساد الإسرائيلي استهدف كثيراً من العلماء والقادة في إيران خصوصاً أولئك المسؤولين عن المشروع النووي. وبذلك كرست طهران نوعاً جديداً من الحروب أو الهجمات العسكرية، وهي التي يتفق عليها كافة الخصوم بحيث يكون لها تأثير سياسي أكثر منه أي تأثير عسكري وهذه ليست المرة الأولى، فهكذا حدث عقب استهداف قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

عملياً قبل الهجوم الإيراني كما بعده لم تتغير الكثير من المعطيات، فما تزال كافة الأطراف لحسن الحظ لا تريد أي مواجهة مفتوحة في المنطقة، ومن الواضح أن هنالك الكثير من الخطابات الدوغمائية عالية النبرة، وهي في الغالب الأعم من أجل الاستهلاك المحلي ولا تعكس سياسة هذه الأطراف، الهجوم الأخير أعطى ذخيرة لتلك الدعاية السياسية، فالجانب الإيراني وأذرعه الإعلامية يتحدث عن استهداف إسرائيل وتحقيق الأهداف بغض النظر عن واقعية ذلك ومدى جديته، كما أن الجانب الإسرائيلي بات يتفاخر بسلاح الطيران والتقنيات الحديثة، وكأنه يريد أن يستعيد قدراً من الثقة بعد الإخفاق الكبير في هجوم السابع من أكتوبر، كما أن إدارة بايدن الديمقراطية تفاخرت بحماية إسرائيل وبقدراتها العسكرية الكبيرة الموجودة في المنطقة، وهذا يتناسب مع الخطاب السياسي للإدارة وخصوصاً في ظل الحملات الانتخابية، وبالتالي كل طرف أعلن أنه منتصر في هذه المواجهة، لكن في حقيقة الأمر لم ينتصر أي طرف، ولم تتغير القواعد، فإسرائيل كما إيران ليستا معنيتين بالدخول في مواجهة مباشرة، وهذا عنصر أساسي في سياسة واشنطن الشرق أوسطية ودفعت به طوال السنوات الماضية. لتبقى المواجهة بين تل أبيب وطهران للأسف الشديد بدماء عربية وعلى أرض عربية، وكأن هذا الأمر مريح للأطراف الدولية الفاعلة وعلى رأسها واشنطن، بل يمكن القول، إن الهجمات الأخيرة أثبتت أن التنسيق والتفاهم من تحت الطاولة بين الأطراف التي تعلن العداء هو أكبر بكثير مما نتخيل أو نتصور.