كتاب ومقالات

الأفكار لا تموت

عبده خال

يبدو أن كثيراً من الأفكار يتم طرقها إعلامياً في زمن بعينه ثم تترك، ويهاجر الإعلام والإعلاميون لقضايا أخرى، وهكذا إذا لم تحدث متابعة متواصلة، وهذا ما يجعل الإعلام في حالة استهلاكية متواصلة، وهي الفلسفة الراهنة التي تسود العالم، وهذا ما يذكرني بكتاب الدكتور آلان دونو «نظام التفاهة»، وهي الفلسفة التي تأسست قواعدها منذ السبعينات، ويذهب البعض أنها المفسرة لكل التفاهات التي تجوب العالم حالياً.

لنعد إلى معضلة عدم متابعة القضايا الجوهرية التي تمس المجتمعات مجتمعة، ولنتخذ من تجديد الخطاب الديني مثالاً على الترك، وعدم المتابعة، وهو المصطلح الذي شاع في كل ركن حين اجتاح الإرهاب الديني العالم، في تلك الفترة تحركت العجلة الإعلامية تدندن على ذلك المصطلح، ولأن التشدد قائم في كل الديانات، حين يتم استلهام مرويات تاريخية، وتجذيرها على أنها أصل في الدين، فيحدث لها تراكم لتتحول الى بؤرة تضخ التشدد ومن تلك النقطة ينبع ويتنوع الإرهاب، ونشأ التشدد في الدول الإسلامية من خلال مرويات التراث (مثله مثل بقية الديانات)، حينما تتسلل مرويات عبر الزمن، وترسخ في أذهان الناس أن تلك المرويات هي الدين.

وفي فترة احتدام الإرهاب، كان لزاماً المناداة بالمراجعة، وتحدث الساسة بضرورة تلك المراجعة، واستجابت المؤسسات الدينية، وعقدت المؤتمرات، وتحدث الجميع، وأصدرت التوصيات من قبل المجامع الفقهية، إلا أن الخطاب ظل على حاله من غير أن يتزحزح من مكانه، إذ بقيت المرويات على ما هي عليه، وبهت الإرهاب والتشدد إلى حين، بسبب قوة القرار السياسي واتخاذ الإجراءات الصارمة لأي باعث لتلك المرويات الداعية للقتل.. وهذا إجراء مؤقت، وإذا مر الزمن ستعاد أفكار العنف والتشدد لأن مصدر تلك الأفكار لم يتم جلي ما ران عليه من أكاذيب، وستعاد الكرة مرة أخرى، في زمن آخر.

وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى موقف مختلف أو إلى درجة متقدمة من العزم للتجديد، فما يحدثه السياسي من تأثير يفوق ما تحدثه توصيات مؤتمر إسلامي.

وكما يجتمعون في مؤتمرات: سياسية، واقتصادية، وبيئية، إلخ..

لماذا لا يجتمعون من أجل تنقية المستقبل من خطاب الكره، الذي أقصده ليس إلقاء الكلمات بل تكون لجنة لتنقية الأحكام الفقهية مما ترسب فيها من أحكام لا تمت للإسلام بصلة.

ومن الملاحظ أن جميع المذاهب الإسلامية تأسس جذرها المعرفي على صياغة سابقة حتى لم يعد بالإمكان تشذيب ذلك، فلكل فريق مروياته الخاصة به، ولذا أصبح الجذر المعرفي، والمرويات هما من يتحكمان في وضعية فكر كل منا، وغالباً يكون واحد من عنصري التحكم (الجذر المعرفي، والمرويات) حائلاً من الانفتاح على الآخر، ولأن العنصرين المتحكمين في ثقافة الفرد أو الجماعة يحجبان التلاقي، ومن هنا ينشأ وهم الحقيقة المطلقة لدى كل الأطراف، وهذا ما يفسر الاختلاف المؤدي إلى النبذ، وأحياناً إلى فكرة التصفية الجسدية، أو الفكرية.

وما لم تنهض المؤسسات المستنيرة لغربلة المرويات ستظل حالة التنابذ قائمة، تختفي فترة، وتظهر على فترات متعاقبة.