كتاب ومقالات

الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق

هيا العيد A44Hay@

شهدت التسعينات تحولات ملحوظة في إنتاج المسلسلات الجديدة، أملتها اللحظات التاريخية الطارئة؛ إما على المستوى الدولي العام أو على المستوى العربي الإقليمي، وحتى على المستوى المحلي الخاص؛ فاتسمت بمحاولات التجديد والتجريب. ضمن هذا السياق ظهر مسلسل «طاش ما طاش» مقتحماً السباق الرمضاني بقوة، فاعْتُبِر من مظاهر التجريب بتسليطه الضوء من الناحية المضمونية على ما كان يعتبره المجتمع السعودي مسكوتاً عنه، وخلق التوتر الدرامي عبر آلية المفارقة في تجسيد الموقف الدرامي على صورة الموقف الساخر والكوميديا السوداء، ورغم هذا النجاح ظل يدور في فلك البطلين بتكثيف الأحداث وتركيزها عليهما دون الأدوار المساعدة، ما جعلها تبدو عارضة لا وظيفة لها إلا دعم الشخصيات الركيزية.

تلاه مسلسل «العولمة» عام ١٩٩٩ للكاتبة ليلى الهلالي، ثم مسلسل «نورة» في ٢٠٠٢ الذي يعد المفصل الذي حرك عنصر المفاجأة في كتابة النص الجيد، وساهم في كسر رتابة المواضيع المألوفة، وتوزيع الأدوار والشخصيات بطريقة وظيفية تتداول التركيز بما يخدم الحبكة وتقدمها خلال صيرورة العمل الدرامي خلافاً لما عهدناه في مسلسل «طاش ما طاش».

السنوات الأخيرة حملت غيثاً محملاً بالآمال بظهور مسلسل «العاصوف»، إذ حصد نسبة كبيرة من المشاهدات، وهذا النجاح له عدة أسباب منها: توفر النص الجيد، تعدد الشخصيات وتنوعها (شخصيات مرجعية، شخصيات إشارية، شخصيات استذكارية)، توزيع أدوار البطولة، الحبكة الدرامية، وكتابة العمل عن البيئة السعودية.

ليأتي مسلسل «خيوط المعازيب» للكاتب حسن العبدي الذي نجح في إجادة كتابة نص درامي على أكمل وجه، إذ رصد أحداثاً وقعت في ستينيات القرن الماضي، بالاعتماد على نجوم وممثلين جدد من أبناء المنطقة يجيدون لهجتها، وزخر بتصوير حياة شخصيات مترابطة بنفس رباط الدراما بمفهومها الحقيقي العام، إذ صوَّرت تجارب أناس وخبراتهم وقيمهم الاجتماعية وبنيتهم الأخلاقية، بحيث تتوزع الأهمية والفاعلية على جميع الشخصيات والأدوار، ولهذا العمل عدة أسباب ساهمت في نجاح متكامل له، منها: القصة الجيدة (النص)، إجادة الممثلين لأدوارهم، منتج وفر كل متطلبات العمل وأدواته لكي يصبح عملاً جيداً، والمخرج المناسب على رأس الطاقم المناسب، وباختصار؛ ما سبق نأنس إلى القول بأهمية ونجاح هذا النص في أن يصبح علامة ومثالاً يحتذى لاسترجاع الحكايات السعودية وجمهوره العاشق للذاكرة.

أخيراً..

كاستخلاص عام؛ نستطيع القول: إن الدراما السعودية وضعت عملياً وفعلياً أقدامها على الطريق الصحيح في مجال الصناعة الدرامية؛ أسوة بالدراما الخليجية والعربية؛ بعد محاولات تجريبية عبر سنوات طويلة تكللت بتبوئها موقعاً متميزاً قادراً على تحقيق الأعمق والأجمل.