كتاب ومقالات

ما أصبر هؤلاء

خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@

•• «لم يعد شيء يؤرقني في الحياة غير أنني أصبحت أسيراً لآلامي»؛ قالها الرجل الذي نسج عش أبنائه بأصابع مشلولة.. على مسمعي حكى كابوساً حط على كاهله لم يجد دواءه في الصيدليات.. غصة دخلت قلبه فأخذته إلى ما وراء الوقت والأيام.. بكاؤه أمامي لم ينقطع وكأن حزنه كظلال الخريف.. إنها حكاية عقوق كادت أن تدمر أباً وتدخله في حالة اكتئاب.

•• من استماع طويل لحكاية ذلك الأب أعلنت عليه اللوم، فحالته التي يمر بها ليست مستغربة على من مثله.. فحين أدخل أولاده إلى أنفسهم وأغلق عليهم الباب؛ غردت طيوره خارج سربه تنشد الانعتاق من جلبابه.. ومع أن «العقوق» كلمة بغيضة يكرهها الأبوان ويتعوذان منها؛ إلا أن ما لم يعرفاه أنها كشعور وإحساس تبدأ قبل سنوات من اللحظة الفعلية لمغادرة الابن طاعتهما.

•• هذا الأب جعل حياة ابنه دون قيمة فانبرى الابن ليعق والده.. هزم ابنه وكسره بطريقة «القتل الرحيم»، فتوارى الابن خلف هزائم مترصدة مطارداً شمس أبيه الغائبة وراء التلال ولم تعد.. شعر بخفوت قاده إلى التلاشي كقطعة سكر ذابت في ماء ساخن.. فما أجمل صباح ابن يتماهى بوجه أبيه أو أمه بكلمة «أحبك» تشعره بالانتعاش فيتبختر بها بين زملائه وأصدقائه.

•• فوق ذلك كله أتساءل: أما لمثل أولئك الآباء من فرح ينسيهم سأم حياة أبناء مشحونين بالجحود؟.. أما لقلوبهم من لحظة إشراق ما دامت أرواحهم حية؟.. أليس حقهم أن تضاء لهم عتمة غابات عقوق لم يحدها نهر ولا صحراء؟.. ألم يأنِ لأولئك الآدميين المتضجرين من حاضرة ضوء تنسيهم تعب الحياة؟.. فما أصبر هؤلاء المساكين وهم يتحدثون إلى عقول مقفولة من البشر.