كتاب ومقالات

الحرب العبثية في غزة

رامي الخليفة العلي

بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب المدمرة في قطاع غزة، لا يبدو أن هنالك أفقاً يمكن تحقيقه من خلال استمرار الحرب الإسرائيلية حتى وفقاً للمنطق الإسرائيلي أو وفقاً للشروط الإسرائيلية؛ التي تم إعلانها كأهداف لهذه الحرب مع بدايتها، فما كان معلناً هو القضاء على حركة حماس والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ومنع قطاع غزة من أن يكون تهديداً للجانب الإسرائيلي، والبعض ذهب أكثر من ذلك باعتبار أن إسرائيل كانت تريد تغيير ديموغرافيا عبر تهجير قسري لسكان القطاع، بل إن اليمين الإسرائيلي المتطرف وعلى رأسه بن غفير وسموترش أقاما مؤتمراً يدعو إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة. بعد هذه الأسابيع الطويلة يبدو أن هذه الأهداف بعيدة المنال وتكلفتها سوف تكون باهظة ليس فقط على الجانب الفلسطيني، بل على الجانب الإسرائيلي أيضاً، فإمكانية القضاء المبرم على حركة حماس تبدو صعبة للغاية وإذا ما تحقق ذلك فهذا يعني سقوط عشرات الآلاف وربما أكثر من ذلك من الضحايا المدنيين. نجحت إسرائيل في إحداث تدمير منهجي لقطاع غزة سواء للبنية التحتية أو للتركيبة الاقتصادية أو حتى بسقوط عادات كبيرة من المدنيين وصلوا حتى الآن إلى 35 ألف ضحية معظمهم من النساء والأطفال، ولكن ذلك لم يغير المعادلة كثيراً، رغم حديث بعض المحللين الإسرائيليين عن كيّ الوعي الفلسطيني عبر إحداث أكبر ضرر مادي وإنساني على الفلسطينيين من أجل منعه من تكرار أحداث السابع من أكتوبر، لكن الصراع الموجود في فلسطين سواء في الضفة أو في القطاع ليس مرتبطاً بطبيعة الرد الإسرائيلي، بل مرتبط بعدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية. الغرور الذي أصاب القيادات الإسرائيلية على امتداد العقود الماضية وأقنعها بأنها قادرة على فرض الحلول بالقوة وتجاهل وجود فلسطين والشعب الفلسطيني، ثبت بأن ذلك أمر متعذر. من الواضح أن الحرب على الأقل خلال الأربعة أشهر الأخيرة لم تكن تحقق أهدافاً عسكرية وكأن بنك الأهداف حتى تلك التي تستهدف المدنيين قد انتهت من أجندة (الذكاء الصناعي!) التي تدعيها إسرائيل، وبالتالي سؤال الحرب لم يعد موضعه في غزة وإنما في الواقع الداخلي الإسرائيلي ولخدمة حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو، فمن الواضح أن هذه الحكومة يحركها عاملان وهما تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمساءلة التي يتوقعها بعيد نهاية الحرب وكذلك توجهات اليمين المتطرف الذي بات يدرك بأن أي انتخابات قادمة في إسرائيل قد تكون نتيجتها ليست على هواه، وهذا جعل التحركات السياسية والدبلوماسية تسير على خطين؛ الأول هو إطالة أمد هذه الحرب إلى أطول فترة ممكنة، لعل ذلك يخرج إسرائيل منتصرة بنصر يمكن تسويقه في الداخل الإسرائيلي مما يغفر لنتنياهو كل السوءات التي ارتكبها خلال السنوات الماضية، أما الخط الآخر فهو ترجمة خطابات اليمين المتطرف إلى سياسات واقعية سواء في التضييق على الفلسطينيين في الضفة أو بمزيد من الإمعان في الغوص في وحول غزة الدموية، لذلك كان من الواضح أن هذه الحرب، على الأقل في الجانب الإسرائيلي، تحولت إلى حرب عبثية ومع ذلك فمأزق نتنياهو قد يدفعه إلى عرقلة الجهود من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار بغض النظر عن شروط هذا الاتفاق.