كتاب ومقالات

مساحات ثمينة

محمد مفتي

لطالما مثلت الصحافة والعمل الإعلامي، بكافة صوره وأشكاله ومنابره، سلطة رابعة من المفترض ألا تُعطَى إلا لمن يستحقها، فهي المعبرة عن نبض الشارع والناقلة لهموم المواطنين إلى القيادة والوزارات المعنية، ويقع على عاتق الإعلام إلقاء الضوء على بعض السلبيات داخل أي مجتمع وتوضيح مخاطرها، كما يضطلع الإعلام بدور كبير ومهم في القضاء على الشائعات المغرضة وعلى الإسهام في توحيد الصف لأبناء الشعب، ومن خلال الإعلام وعبر كافة وسائله تستطيع الشعوب النهوض وبناء حضارتها بأيدي أبنائها، بفضل قوة وعي أبناء الوطن وإدراكهم لما يحيط بهم من أحداث حول العالم.

اكتسب الإعلام في عصرنا الحديث قوة وزخماً غير مسبوقين، فثورة الاتصالات الحديثة تختص بصورة عميقة وجذرية بتطوير العمل الإعلامي، فالحدث الآن يمكن نقله وبثه فور حدوثه إلى كافة أرجاء العالم، كما أن انتشار أدوات التواصل مثل الكاميرات والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وغيرها أسهم بصورة جذرية في تسجيل الأحداث بدقة ووضوح فور حدوثها ونقلها إلى الجميع، وهو ما توازى مع انتشار تطبيقات وسائل التواصل الحديثة والمحادثة الفورية، التي زادت من قدرة الأفراد على متابعة مجريات الأمور التي تحدث من حولهم، مما أسهم في نهاية الأمر في تطوير المجال الإعلامي ومواكبته لما يستجد حوله من تطورات.

الأدوار التي يتعين على القطاع الإعلامي القيام بها كثيرة ومتعددة، منها ضرورة قيامه بتثقيف المواطنين وإطلاعهم على أحدث المستجدات طول الوقت، مع مدهم بالتحليلات والأفكار الصحيحة وعدم اجتزائها أو إخراجها من سياقها، مع التركيز على صد الغثاء المنهمر من العديد من المنابر والمواقع العامرة بالشائعات والأفكار الخاطئة والمضللة، فالإعلام مصدر معرفة دائم وقوة ناعمة لا يستهان بها، قادرة على تشكيل الوعي وتربية الأجيال ومقاومة الأفكار المضادة، ولا شك أن الإعلام يستمد أهميته من قوة تأثيره في وعي المواطن الذي يعد اللبنة الأولى التي من شأنها تشكيل أجيال عظيمة.

في التاريخ الحديث هناك العديد من النماذج التي عبرت بقوة عن مدى سطوة القطاع الإعلامي وقدرته على التأثير في الأحداث، والإعلام ليس منبراً لكل هاوٍ يرغب في فرض رؤيته الخاصة التي قد تتعارض مع الأمن القومي لبلده، وهو أيضاً ليس مجالاً لمن لا يملك سوى ثقافة سطحية قد يكون ضررها أكثر من نفعها، لذلك غالباً ما نجد الإعلاميين في أي مجتمع متقدم هم الأكثر ثقافة والأكثر علماً وخبرة وقدرة على تحليل الأحداث، كما نجد تلك المجتمعات هي الأكثر امتلاكاً للمؤسسات الإعلامية العريقة الموثوق في حيادها.

من غير المقبول أن يتم إسناد المهام الإعلامية في بعض الصحف العربية بل والغربية أيضاً لقلة من الكتاب الذين لا يحترمون العمل الصحفي، فقد يكون بعضهم لامعاً في مجال معين غير أنه غير مميز في عمله الصحفي أو الإعلامي، وقد تقوم صحيفة ما بتخصيص مساحة ثمينة من صفحتها لمن يسيء استخدامها ولا يحسن توفير محتوى نافع ومفيد للقراء، أو تسمح بها لقلة من الكتاب المأجورين الذين لا يهمهم سوى ما تغدق به عليهم الصحيفة من مزايا، فنجدهم وهم يتعاملون مع مساحتهم التي وفرتها لهم الصحيفة وكأنها ملك خاص لهم يتناولون فيها ما يشاؤون ومتى يشاؤون، وقد يقوم بعضهم باستغلال السطور الممنوحة له في كتابة تحليل خاطئ لا يمت للحقيقة بصلة.

العمل الإعلامي المميز هو خلاصة الكثير من الجهود المتكاتفة معاً، فهو يعتمد بصورة أساسية على خبرات الكاتب المعرفية المتراكمة وعلى قراءاته الموسعة في أكثر من مجال، كما يرتكز على قدرته على شرحها وتبسيطها للقراء دون الإخلال بمحتواها المعرفي القيم، كما يتطلب الأمر جهوداً مكثفة من الكاتب لمتابعة كل ما يدور بالعالم من أحداث وتحليلها بشكل معمق، فالكتابة الصحفية مهنة لا يجب أن يمارسها إلا من هم أجدر بالتميز فيها، فمن خلالهم يتم تأسيس أجيال تفهم تاريخها وتعي حاضرها.