كتاب ومقالات

نحو سينما سعودية مبهرة

نجيب يماني

بقدر ما سرّني حدّ الاغتباط، تصريح سمو الأمير بدر بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة الأفلام لموقع «سوليود» السينمائي، من أن المملكة العربية السعودية تمتلك كل المقومات لتصبح مركزاً إقليمياً ودولياً لصناعة الأفلام، وأنّ الهدف الجوهري لهذه الصناعة من المنظور السعودي هو وصول القصص والأفلام السعودية إلى أبرز المهرجانات والمحافل السينمائية العالمية.

بقدر ما سرني ذلك، ساءني في المقابل شعوري بغصة وحزن على وقت ثمين أضعناه في جدل فقهي عقيم حول هذه الصناعة المهمة، والتحريم المغلظ من قبل جلاوزة «الصحوة»، في زمن التيه والغفلة، بما أضاع علينا مواهب عديدة، ومقدرات كبيرة، كان من الممكن أن تكون النواة لهذا الفن الراقي، والمنطلق منذ زمن بعيد، لنكتسب مع الأيام التجربة، والقدرة على إنتاج سينما سعودية بمواصفات وميزات خصوصية وفريدة، تقدم الإضافة المهمة في المشهد السينمائي العالمي دون اجترار، أو تقليد ممسوخ، فقد كنا قادرين على ذلك، بما نملكه من موروث ثقافي وحضاري وتاريخي واجتماعي قادر على تقديم جديد يبهر العالم..

وبعيداً عن البكاء على اللبن المسكوب؛ فإن في تصريح وزير الثقافة نافذة أمل ينهض بالعزائم لتلحق بالركب، وهو عزم تتجه أنظار التطلّع فيه إلى المبدعين من الكُتّاب في بلادي، وبخاصة المختصين في الدراما والسيناريو، ليمتحوا من معين ثر وبكر، لم تصل إليه خواطر النظر الفاحص، والإبداع الخلاق لتحركه من أضابير الذاكرة والتاريخ، ليشخص في واقعنا عبر سينما سعودية ذات خصوصية، وقدرة على المنافسة، بعيداً عن صور التنميط، وتوسل الأضواء بالمحاكاة والتقليد الذي لا يفيد.

ليعلم كتابنا علم اليقين أن المنجم الثقافي والحضاري السعودي في هذا المجال ثرٌّ وزاخر وبكر، فعلى ثرى هذه الأرض الطيبة المباركة، وفي كافة ربوعها جرت أحداث تاريخية تضرب بجذورها عميقاً في الحضارة الإنسانية، وهي قمينة وجديرة بأن تبعث في مشهد الإبداع الموجب للدهشة والمتابعة متى ما أحسنّا تقديمه عبر السينما السعودية، ولن يتأتّى ذلك إلا إذا جوّدنا هذه الصناعة السينمائية بكل جوانبها، وأصبحت كوادرنا السعودية قادرة على تقديم رؤيتها دون ظلال من تأثير خارجي، أو مؤثرات تشوّه الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الفيلم السعودي، وأول العتبات تكون بإحكام كتابة السيناريو المنضبط والموثّق والموثوق، وقدرة التنقيب لاختيار القصص التي تمثّل علامة فارقة في تاريخ الإنسانية، وتتصل بأطياف حاضرنا على وجه من وجوه الاتصال الثقافي والإنساني، فعلى أرض هذه البلاد وتحت ظلال سمائها الرحيمة عاش أبطال من الأفذاذ في كافة المجالات، من الشعراء والأدباء والعشاق، والفرسان، والعلماء، والصعاليك، والمغامرين، وغيرهم كثير..

نحتاج بحق أن تنهض في ذواكرنا من جديد سيرة أصحاب الحب العذري، وقد عرفت قصصهم هذه الأرض، نحتاج أن تبعث فينا سيرة الممالك التاريخية القديمة مثل مملكة كندة، التي قامت في وسط إقليم نجد بين القرنين الرابع قبل الميلاد والخامس الميلادي، وغيرها من الممالك الأخرى.. نحتاج أن نقرأ بصورة مغايرة وجديدة سيرة الشعراء وارتباطهم بأماكن ما زالت شاخصة في حياتنا اليوم؛ ومن ذلك سيرة امرئ القيس، ذلك الملك الضليل، وسيرة طرفة بن العبد البكري في يبرين، وفي القصيم تتعالى سير زهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد العبسي، وعبيد بن الأبرص الأسدي، ومالك بن الريب.. نحتاج أن نتعقب مسيرة لبيد بن ربيعة العامري في عالية نجد الجنوبية، والحارث بن عباد الفارس في حرب البسوس من الخرج، وعمرو بن كلثوم الذي عاش في حفر العتش، وصناجة العرب أعشى قيس في منفوحة، والنابغة الذبياني من عقلة الصقور، والشاعر الجاهلي علقمة الفحل من ثرمداء، والمتلمس الضبعي في حريملاء، وغيرهم كثير. فكل سيرة من هؤلاء تتبعها سيرة للمكان والزمان، والطبيعة، والأحداث الفوّارة في زمنه، بما يفتح خيالاً خصباً لمادة سينمائية سعودية ذات طعم ومذاق ومختلف، متى ما ترافق ذلك مع الإعداد الجيد والحرص على جودة مماثلة تتعلق بالأمور الفنية من حيث إعداد الممثلين بصورة تطابق الواقع، وتحذر أن تقع في شراك التقليد والمحاكاة، ثم اختيار مواقع التصوير الباهرة والمنسجمة مع روح السيناريو، التي تعمل كذلك من جانب آخر للترويج لمفهوم السياحة في المملكة، كل هذه العناصر وغيرها، جديرة بأن تمنحنا سينما سعودية نفاخر بها، ونحث الخطى شوقاً مع أسرنا لمتابعتها، وقضاء وقت ممتع في ظل «جودة الحياة»، المنبعثة فرحاً وضياء من مشكاة «الرؤية» الباذخة.