زوايا متخصصة

محاسبة المقصرين

سلامة الغذاء ليست مجرد مطلب قانوني.. بل مسؤولية أخلاقية

طرفة الشمري

إبراهيم العلوي (جدة) i_waleeed22@

تبذل الدولة جهوداً كبيرة لضمان السلامة والصحة العامة لكل مواطن وكل مقيم على أراضيها، ولعل متابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، باهتمام بالغ التسمّم الغذائي الذي حدث في أحد مطاعم مدينة الرياض، يؤكد حرص القيادة على سلامة المواطن والمقيم، كما أن التوجيهات الكريمة التي صدرت إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أكدت أن الحدث لن يمضي دون محاسبة كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو تهاونه بالسلامة أو الصحة العامة، فسلامة الأغذية ملف لا تنازل عنه، فالنظافة والجودة هما العنصران المُهمّان في المطاعم والكافتيريات، وهما حاسمان في صناعة الخدمات الغذائية، والامتثال للوائح سلامة الأغذية للوقاية من الأمراض، خصوصاً بعد الإعلان عن حالات تسمم نتجت عنها وفاة في الرياض. وأكدت وزارة الصحة أن حالات التسمم نابعة من مصدر واحد، موضحةً أن بعض الأشخاص من المصابين تأكد تشخيص حالاتهم بالتسمم الغذائي (الوشيجي)، وأن الحالات جميعها ارتبطت بتفشي تسمم غذائي يعود لمصدر واحد، ودعت «الصحة» إلى ضرورة أخذ الإرشادات والمعلومات من مصادرها الرسمية وعدم تداول الشائعات والمعلومات الخاطئة.

وتسجيل حالات التسمم الغذائي، لا يقلل من حرص المطاعم ومحلات بيع الوجبات الغذائية على سلامة وجباتهم المباعة، وفي نفس الوقت لا يقلل من الجهود المبذولة من جهات الاختصاص في تطبيق لوائح سلامة الغذاء للمطاعم والمنشآت الغذائية، وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال انتهاكات سلامة الغذاء لدى البعض مصدر قلق كبير.

لا تجميد بعد التسييح!

شددت خبيرة التغذية العامة طرفة الشمري، على ضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية للمواد الغذائية؛ التي اهتمت بجودة جميع المواد الغذائية المستخدمة في تحضير الوجبات الغذائية؛ سواء أكانت طازجة أو مطهوة نظيفة، وأن تكون خالية من علامات التلف والفساد وصالحة للاستهلاك البشري ومطابقة للمواصفات القياسية السعودية. وأكدت على طريقة حفظ تلك المواد الغذائية؛ سواء الأولية أو المعدة للتقديم على درجات الحرارة المناسبة لكل نوع بالتبريد أو التجميد أو على درجة حرارة الغرفة، وأن تستخدم المواد الغذائية المحفوظة بالتجميد مباشرة فور إتمام عملية التسييح، ولا يجوز إعادة تجميدها مرة أخرى، ويجب أن تتم عملية التسييح داخل ثلاجات التبريد، مع الاهتمام بترتيب المواد الغذائية داخل الثلاجات لحمايتها من التلوث ومنعاً لإتلاف بعضها البعض، مع عدم ملامسة اللحوم والدواجن والأسماك النيئة للأغذية المطهوة أو التي تؤكل طازجة.

ونبهت خبيرة التغذية الشمري، على الاشتراطات الصحية الواجب توافرها بالعاملين في المنشآت الخاصة بخدمات الطعام؛ ومنها اشتراطات العاملين؛ التي تلزم العاملين في تلك المنشآت بالحصول على شهادات صحية سارية المفعول تثبت خلوهم من الأمراض المعدية، والعناية بتحصينهم ضد بعض الأمراض.

التحكم في حرارة الأطباق

قالت الأخصائية طرفة الشمري، إن صناعة الغذاء تتطلب اهتماما دقيقا بكافة الجوانب بدءاً من تخزين المكونات الخام وحتى التحكم في درجة حرارة الأطباق المعدة ووصولاً إلى نظافة العاملين، وعدم الامتثال لهذه القواعد الصحية يشكل خطراً صحياً على المستخدمين، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة الإنسان. وأكدت أن عدم الالتزام بقوانين سلامة الأغذية المحلية في بعض المنشآت الغذائية يشكل خطراً على الصحة العامة، ويؤدي الطعام الملوث أو ممارسات النظافة غير السليمة إلى الإصابة بالأمراض المنقولة، مما يعرض صحة المستفيدين للخطر.

ونبهت إلى كيفية التعامل مع الغذاء والأطعمة النيئة والمطبوخة، لذا يجب التعامل الصحيح والسليم مع المواد الغذائية وكيفية الفصل بينها داخل الثلاجة وبين اللحوم النيئة والأطعمة المطبوخة، مما يقلل من خطر التلوث وبالتالي حدوث حالات التسمم. ولمنع انتقال التلوث بين الأطعمة النيئة والمطبوخة، من الضروري فصلها بشكل صحيح، ويجب تخزين اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية النيئة بشكل منفصل عن الأطعمة الجاهزة للأكل لتجنب انتقال التلوث، وينطبق هذا أيضاً على الأواني وألواح التقطيع والأسطح. كما يجب أن تكون للمطاعم والمقاهي مناطق مخصصة لإعداد الأطعمة النيئة والتأكد من تنظيفها وتعقيمها جيداً بعد الاستخدام.

هيئة الغذاء تتلقى البلاغات

كشفت الهيئة العامة للغذاء والدواء، وجود خدمة تلقيها بلاغات التسمم الغذائي عبر موقعها الإلكتروني، إذ تشرف الهيئة على نظام الغذاء؛ الذي يهدف إلى ضمان سلامة الغذاء، والعمل على تحسين جودته، وحماية الصحة العامة للمستهلك من خلال تقليل المخاطر المرتبطة بالغذاء، ونشر التوعية الغذائية السليمة، وحماية المستهلك من الغذاء الضار أو المغشوش أو المضلل أو غير الصالح للاستهلاك، وعدم إعاقة حركة تجارة الغذاء. وأكدت المحامية المستشارة القانونية هناء عبدالله الجميل، أن الالتزام بسلامة الغذاء ليس مجرد مطلب قانوني ولكنه مسؤولية أخلاقية، يجب تطبيقها واستيفاء كافة معايير سلامة الأغذية التي وضعتها الجهات المختصة لحماية الصحة. ونبهت الجميل أنه إذا كانت المخالفة تتمثل في التسبب عمداً بتداول مادة غذائية ضارة بالصحة أو مغشوشة أو ممنوعة؛ فتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على 10 سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 10 ملايين ريال، أو بهما معاً، إضافة إلى تطبيق أيٍّ من العقوبات المنصوص عليها في هذه المادة. وشددت على أنه إذا كانت المخالفة تستوجب عقوبة السجن، فتحال إلى جهة الاختصاص؛ للتحقيق فيها، وإحالتها إلى المحكمة المختصة إذا رأت ذلك، وقد يتم نشر الحكم أو القرار المكتسب للقطعية على نفقة المخالف في ثلاث صحف محلية، يراعى في تحديدها مقر المنشأة الغذائية، ومكان وقوع المخالفة. وأضافت أن تطبيق العقوبات في لائحة الغذاء لا يعفي من المسؤولية القانونية تجاه المتضرر من المخالفة، خصوصاً في حالات التسمم أو أي مخالفة أخرى تخص سلامة الغذاء، إذ إنه وفق المادة الـ37 للمتضرر من أي مخالفة لأحكام هذا النظام، الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تسببت بها تلك المخالفة.

التسمم السجقي

يعد التسمم السجقي أحد أنواع التسمم النادرة ويمكن أن يهدد حياة الفرد، ويحدث نتيجة السموم التي تنتجها بكتيريا تهاجم مختلف أجزاء الجهاز العصبي وتسبب شللاً وضعفاً في عضلات الجسم، وتتم تسمية هذا النوع من التسمم الغذائي بالتسمم الوشيقي.

وتنتقل سموم بكتيريا إلى داخل الجسم عن طريق تناول طعام ملوث، ولهذا فإن هذه الحالة، تعتبر من الأمراض المنقولة عبر الغذاء، ويتعافى معظم المرضى المصابين بالتسمم الوشيقي بشكل كامل بعد تلقيهم العلاج المناسب في الوقت المناسب، لكنه من الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم علاجه بسرعة؛ وذلك لإمكانية انتشار الشلل إلى العضلات التي تتحكم في التنفس.

احذر المعلبات

وفقا للمتخصصين، عادةً ما تنمو بكتيريا المطثية الوشيقية في الأطعمة التي لم يتم تعليبها، أو حفظها، أو طهوها بشكل صحيح. فمثلًا يمكن أن تصل هذه البكتيريا إلى المواد الغذائية المعلبة من خلال انبعاج أو شق أو ثقب صغير في العلبة. وتنمو بكتيريا المطثية الوشيقية في ظروف معينة، وهي مستويات الأكسجين المنخفضة أو المعدومة، والطبخ على درجات الحرارة المنخفضة، والتخزين في درجات حرارة دافئة، والبيئات قليلة الحموضة، أو السكر، أو الملح. وبالتالي، إن الأطعمة التي تشكل أكبر خطر للإصابة بالتسمم الوشيقي يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر، اعتماداً على ممارسات إعداد الطعام وتخزينه. وتعد الأطعمة المعلبة الأكثر تسبباً بالتسمم السجقي ومنها نبات الهليون، البنجر، حبوب الذرة، الفاصوليا الخضراء، البطاطا.

ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإنه تم العثور على السموم المسببة للتسمم الوشيقي في الخضروات المحفوظة في محتوى منخفض الحموضة، مثل: البنجر، والسبانخ، والفطر، والفاصوليا الخضراء، أسماك التونة المعلبة، الأسماك المخمرة، والمدخنة، والمملحة، منتجات اللحوم، مثل: النقانق.

وتشمل أعراض التسمم السجقي الذي ينتقل عن طريق الغذاء والغثيان والقيء، الإسهال، يليه الإمساك، انتفاخ البطن، ضعف وصعوبة في التنفس، وتظهر أعراض التسمم الوشيقي عادة خلال 18 - 36 ساعة بعد تناول الطعام الملوث، ولكن هذا الأمر يمكن أن يختلف من حالة لأخرى، فمن الممكن أن تظهر الأعراض بوقت أبكر من 18 ساعة، وتصل حتى ثلاث ساعات أو بشكل متأخر عن 36 ساعة، ومن الممكن أن تظهر الأعراض بعد مدة تصل إلى ثمانية أيام.