«الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !
الأحد / 25 / ذو القعدة / 1445 هـ الاحد 02 يونيو 2024 00:02
صدقة يحيى فاضل
في البدء، اسمحوا لي بالتنويه بأن مقال الأسبوع الماضي كان بعنوان: إسرائيل.. «مكيدة» صليبية- استعمارية حاقدة؟ لكنه نشر بعنوان: إسرائيل... استعمارية حاقدة؟ ربما لخطأ مطبعي. فالدين حاضر بقوة في العدوان الصهيوني، كما سنوضح اليوم. ظهر الدين اليهودي عام 1275 ق.م. تقريباً، على يد سيدنا موسى (عليه السلام)؛ أي بتاريخ رحيل سيدنا موسى (عليه السلام) من مصر. ومن ثم تبلور صدور كتاب «التوراة»، بأسفاره الخمسة الأولى. بينما ظهر الدين المسيحي، وكتابه «الإنجيل»، على يد سيدنا عيسى (عليه السلام) في حوالي سنة 32 ميلادية. وذلك كان قبل ستة قرون من بعثة خاتم الأنبياء الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم. التوراة يسمى بـ«العهد القديم»، والإنجيل بـ«العهد الجديد». ومعروف، أن المسيحية تنقسم الآن لعدة مذاهب؛ أهمها الكاثوليك، والبروتستانت. اليهود لا يؤمنون إطلاقاً بالإنجيل، بينما على المسيحي أن يؤمن بالكتابين؛ العهد القديم، والعهد الجديد.
من الضروري للعرب والمسلمين بخاصة، أن يفهموا العلاقة البالغة الخطورة بين ما يسمى بـ«المسيحية الصهيونية»، والحركة الصهيونية (اليهودية) الإجرامية، بسبب ما تنزله هذه العلاقة، وهذا التعاون المرعب المشترك، من جراح ونكبات بالعالمين العربي والإسلامي. فما الذي يربط هذين الطرفين، ويجعل منهما تحالفاً واحداً، ضد المصالح العربية والإسلامية العليا؟! هذا ما سوف نوجزه فيما يلي:
إن العلاقة (الدينية والسياسية) بين هذين الطرفين (الصهاينة والمسيحيين البروتستانت بخاصة) معقدة، ومتشعبة، ناجمة من إيمان معظم البروتستانت بما جاء في التوراة من «نبوءات»؛ منها إعادة بناء الهيكل، وعودة المسيح إلى فلسطين، حيث بعث أصلاً، ولا يؤمن كثير من المسيحيين الكاثوليك بذلك، وكانت علاقاتهم باليهود متوترة، لكنها تحسنت عندما برأ زعيمهم البابا بولس السادس اليهود من تهمة قتل اليسوع، صلباً. ومعروف، أن اليهود إن لم يقتلوا عيسى (عليه السلام) فقد حرضوا على قتله.
ولكن التوتر بين إسرائيل والطائفة الكاثوليكية بدأ يتصاعد، عندما عقدت الكنيسة الكاثوليكية (برئاسة بابا الفاتيكان) في نهاية شهر أبريل 2024م، اجتماعاً بشأن ما يجري في غزة من حرب إبادة جماعية صهيونية، ضد الفلسطينيين العُزَّل، ودعت فيه إسرائيل لإنهاء احتلالها لفلسطين، والتوقف عن استخدام الكتاب المقدس، لتبرير احتلال اليهود لفلسطين، وطرد أهلها من ديارهم. وجاء في البيان: «إن ما يجري بفلسطين هو احتلال سياسي، لا يمكن أن يتم باستخدام الإنجيل، لتبريره. حيث يُطرد الفلسطينيون من بلادهم، التي عاشوا فيها منذ 1400- 1600 سنة. إذ طرد وشرد حوالي 4- 5 مليون فلسطيني من أرضه، وجيء بحوالي خمسة ملايين يهودي، من مختلف الأصقاع، ليحلوا مكانهم»...؟!
في الماضي، أعتبر اليهود، في رأي المسيحيين، «فئة ملعونة»... لأن منهم من قتل السيد المسيح. وكانوا يعامَلون بازدراء. إذ تسببوا في حصول مشاكل لا حصر لها في البلدان التي تواجدوا فيها، خاصة في أوروبا. وقد طردوا من كل البلاد التي أقاموا فيها، بسبب خبثهم، وجشعهم. ولم يقبلوا إلا في بعض البلاد العربية. وبمجيء القرن الخامس عشر، وبعد حركة الإصلاح الديني في أوروبا، التي تزعمها «مارتن لوثر»، ظهرت طائفة مسيحية جديدة، هي طائفة البروتستانت، التي تقدّس التوراة، كما تقدّس الإنجيل؛ الأمر الذي جعل صورة اليهود تتحسن قليلاً لدى هذه الطائفة بخاصة. فتحول اليهود، في نظر البروتستانت، من «فئة ملعونة» إلى «أبناء الرب». ولكن الكاثوليك تحفظوا على هذا التحول. أما الأرثوذكس (معظمهم في أوروبا الشرقية) فما زالوا على نظرتهم السابقة لليهود واليهودية.
****
أما مصطلح «المسيحية الصهيونية»، فنشأ في القرن العشرين، بقيادة الجماعات البروتستانتية الإنجيلية بأميركا. ويمكن تعريفها بأنها: المسيحية التي تدعم الحركة الصهيونية؛ ممثلةً في إسرائيل. وترى ضرورة تقديم أقصى ما يمكنها تقديمه من مساعدة، لتحقيق قيام إسرائيل، و«عودة اليهود» إلى فلسطين «أرض الميعاد»، لإعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم فيه الآن المسجد الأقصى؟! وهم يرون أن ذلك لا يمكن عمله، إلا بالسيطرة الكاملة على كل فلسطين. ويعتقدون أن القيام بذلك «واجب ديني، يجلب البركة للجميع، يهوداً ومسيحيين». وإتمام هذا العمل (رغم ما فيه من أضرار فادحة بالآخرين) يعجّل بالعودة الثانية للمسيح، الذي يعود، ويقيم مملكة له، تستمر ألف عام، قبل نهاية العالم...؟!
ويعد «ثيودور هيرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، أول من استخدم مصطلح «المسيحية الصهيونية»، على نطاق واسع، رغم أن دوافعه لم تكن دينية. فقد كان قومياً علمانياً. ولذلك، كان مستعداً لقبول استيطان اليهود في أوغندا، أو كندا، أو الأرجنتين. أما المسيحيون الصهاينة في أمريكا، وغيرها، فقد نادوا منذ البداية، بكون فلسطين وطناً لليهود، واعتبروا ذلك شرطاً لـ«عودة المسيح»، وحولوا «المسألة اليهودية» من إطارها السياسي الى الإطار العقائدي. لذلك، انتقدوا موقف «هيرتزل»، وبعض ما جاء في المؤتمر الصهيوني المنعقد في بازل، سنة 1897م.
****
ياله من تحالف مرعب، يسمونه «التحالف المقدس». ورغم عدم إيمان اليهود الصهاينة بالإنجيل، وما ورد فيه، إلا أنهم وجدوا في هذه الطائفة المسيحية (البروتستانت)، من يؤيد إجرامهم، ويمدهم بكل ما يحتاجونه لتنفيذ مشروعهم الاستيطاني الاستعماري الغاصب، وعلى حساب شعبٍ بأكمله. إننا هنا أمام جريمة كبرى، البعض يعتبرها «جريمة العصر»، تُرتكب أمام مرأى العالم ومسمعه، بغطاء ديني مصطنع، فلا يوجد أي دين يقبل أن ترتكب باسمه هذه المظالم، ناهيك عن دينٍ يحض عليها.
إن الكيان الصهيوني الذي أقاموه بفلسطين لم يبن على أي حق، أو أساس صحيح وصلب، مهما حاولوا إبقاءه حياً، متربصاً. ويمكن وصفه -مرة أخرى- بالصفات الرئيسة التي يستحقها فعلا، فهو كيان: غازٍ، سارق، محتل، معتد، ظالم، متآمر، قاعدة استعمارية غربية، توسعي، مؤذٍ لمن حوله، إرهابي، عنصري، مرتكب للمجازر وحروب الإبادة الجماعية... إلخ. ويعمل كل ذلك باسم الدين، والدين منه براء، خاصة إذا سلمنا بأن ما جاء في التوراة، إن صح، يقصد به يهود ذلك الزمان. وليس «الأشكناز»، ويهود الغرب. وسلوك إسرائيل، منذ قيامها، يثبت كل صفة من هذه الصفات الفظيعة، التي توصف بها، من قبل المنصفين في العالم.
من الضروري للعرب والمسلمين بخاصة، أن يفهموا العلاقة البالغة الخطورة بين ما يسمى بـ«المسيحية الصهيونية»، والحركة الصهيونية (اليهودية) الإجرامية، بسبب ما تنزله هذه العلاقة، وهذا التعاون المرعب المشترك، من جراح ونكبات بالعالمين العربي والإسلامي. فما الذي يربط هذين الطرفين، ويجعل منهما تحالفاً واحداً، ضد المصالح العربية والإسلامية العليا؟! هذا ما سوف نوجزه فيما يلي:
إن العلاقة (الدينية والسياسية) بين هذين الطرفين (الصهاينة والمسيحيين البروتستانت بخاصة) معقدة، ومتشعبة، ناجمة من إيمان معظم البروتستانت بما جاء في التوراة من «نبوءات»؛ منها إعادة بناء الهيكل، وعودة المسيح إلى فلسطين، حيث بعث أصلاً، ولا يؤمن كثير من المسيحيين الكاثوليك بذلك، وكانت علاقاتهم باليهود متوترة، لكنها تحسنت عندما برأ زعيمهم البابا بولس السادس اليهود من تهمة قتل اليسوع، صلباً. ومعروف، أن اليهود إن لم يقتلوا عيسى (عليه السلام) فقد حرضوا على قتله.
ولكن التوتر بين إسرائيل والطائفة الكاثوليكية بدأ يتصاعد، عندما عقدت الكنيسة الكاثوليكية (برئاسة بابا الفاتيكان) في نهاية شهر أبريل 2024م، اجتماعاً بشأن ما يجري في غزة من حرب إبادة جماعية صهيونية، ضد الفلسطينيين العُزَّل، ودعت فيه إسرائيل لإنهاء احتلالها لفلسطين، والتوقف عن استخدام الكتاب المقدس، لتبرير احتلال اليهود لفلسطين، وطرد أهلها من ديارهم. وجاء في البيان: «إن ما يجري بفلسطين هو احتلال سياسي، لا يمكن أن يتم باستخدام الإنجيل، لتبريره. حيث يُطرد الفلسطينيون من بلادهم، التي عاشوا فيها منذ 1400- 1600 سنة. إذ طرد وشرد حوالي 4- 5 مليون فلسطيني من أرضه، وجيء بحوالي خمسة ملايين يهودي، من مختلف الأصقاع، ليحلوا مكانهم»...؟!
في الماضي، أعتبر اليهود، في رأي المسيحيين، «فئة ملعونة»... لأن منهم من قتل السيد المسيح. وكانوا يعامَلون بازدراء. إذ تسببوا في حصول مشاكل لا حصر لها في البلدان التي تواجدوا فيها، خاصة في أوروبا. وقد طردوا من كل البلاد التي أقاموا فيها، بسبب خبثهم، وجشعهم. ولم يقبلوا إلا في بعض البلاد العربية. وبمجيء القرن الخامس عشر، وبعد حركة الإصلاح الديني في أوروبا، التي تزعمها «مارتن لوثر»، ظهرت طائفة مسيحية جديدة، هي طائفة البروتستانت، التي تقدّس التوراة، كما تقدّس الإنجيل؛ الأمر الذي جعل صورة اليهود تتحسن قليلاً لدى هذه الطائفة بخاصة. فتحول اليهود، في نظر البروتستانت، من «فئة ملعونة» إلى «أبناء الرب». ولكن الكاثوليك تحفظوا على هذا التحول. أما الأرثوذكس (معظمهم في أوروبا الشرقية) فما زالوا على نظرتهم السابقة لليهود واليهودية.
****
أما مصطلح «المسيحية الصهيونية»، فنشأ في القرن العشرين، بقيادة الجماعات البروتستانتية الإنجيلية بأميركا. ويمكن تعريفها بأنها: المسيحية التي تدعم الحركة الصهيونية؛ ممثلةً في إسرائيل. وترى ضرورة تقديم أقصى ما يمكنها تقديمه من مساعدة، لتحقيق قيام إسرائيل، و«عودة اليهود» إلى فلسطين «أرض الميعاد»، لإعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم فيه الآن المسجد الأقصى؟! وهم يرون أن ذلك لا يمكن عمله، إلا بالسيطرة الكاملة على كل فلسطين. ويعتقدون أن القيام بذلك «واجب ديني، يجلب البركة للجميع، يهوداً ومسيحيين». وإتمام هذا العمل (رغم ما فيه من أضرار فادحة بالآخرين) يعجّل بالعودة الثانية للمسيح، الذي يعود، ويقيم مملكة له، تستمر ألف عام، قبل نهاية العالم...؟!
ويعد «ثيودور هيرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، أول من استخدم مصطلح «المسيحية الصهيونية»، على نطاق واسع، رغم أن دوافعه لم تكن دينية. فقد كان قومياً علمانياً. ولذلك، كان مستعداً لقبول استيطان اليهود في أوغندا، أو كندا، أو الأرجنتين. أما المسيحيون الصهاينة في أمريكا، وغيرها، فقد نادوا منذ البداية، بكون فلسطين وطناً لليهود، واعتبروا ذلك شرطاً لـ«عودة المسيح»، وحولوا «المسألة اليهودية» من إطارها السياسي الى الإطار العقائدي. لذلك، انتقدوا موقف «هيرتزل»، وبعض ما جاء في المؤتمر الصهيوني المنعقد في بازل، سنة 1897م.
****
ياله من تحالف مرعب، يسمونه «التحالف المقدس». ورغم عدم إيمان اليهود الصهاينة بالإنجيل، وما ورد فيه، إلا أنهم وجدوا في هذه الطائفة المسيحية (البروتستانت)، من يؤيد إجرامهم، ويمدهم بكل ما يحتاجونه لتنفيذ مشروعهم الاستيطاني الاستعماري الغاصب، وعلى حساب شعبٍ بأكمله. إننا هنا أمام جريمة كبرى، البعض يعتبرها «جريمة العصر»، تُرتكب أمام مرأى العالم ومسمعه، بغطاء ديني مصطنع، فلا يوجد أي دين يقبل أن ترتكب باسمه هذه المظالم، ناهيك عن دينٍ يحض عليها.
إن الكيان الصهيوني الذي أقاموه بفلسطين لم يبن على أي حق، أو أساس صحيح وصلب، مهما حاولوا إبقاءه حياً، متربصاً. ويمكن وصفه -مرة أخرى- بالصفات الرئيسة التي يستحقها فعلا، فهو كيان: غازٍ، سارق، محتل، معتد، ظالم، متآمر، قاعدة استعمارية غربية، توسعي، مؤذٍ لمن حوله، إرهابي، عنصري، مرتكب للمجازر وحروب الإبادة الجماعية... إلخ. ويعمل كل ذلك باسم الدين، والدين منه براء، خاصة إذا سلمنا بأن ما جاء في التوراة، إن صح، يقصد به يهود ذلك الزمان. وليس «الأشكناز»، ويهود الغرب. وسلوك إسرائيل، منذ قيامها، يثبت كل صفة من هذه الصفات الفظيعة، التي توصف بها، من قبل المنصفين في العالم.