هند بنت خثيلة والتاريخ!
الخميس / 29 / ذو القعدة / 1445 هـ الخميس 06 يونيو 2024 00:01
محمد الساعد
عندما بدأت هند بنت خثيلة تروي حكايتها في لقائها الثري عبر برنامج السطر الأوسط الذي يقدمه الزميل مالك الروقي، ربما لم تكن تعرف أنها تفتح نافذة واسعة على تفاصيل اجتماعية وعلاقات إنسانية بعيدة في تاريخنا الحديث، ربما يتجنّب الكثير روايتها فيما يعرف غالباً بـ«التاريخ المسكوت عنه»، وأغلب الظن أنها لم تكن تعرف أنها بَنَت قصة ملهمة يمكن أن تكون أساساً لتدوين الرواية الاجتماعية السعودية كما كانت حقيقتها.
تاريخنا الاجتماعي الذي فضّل الكثير الالتزام عند الحديث عنه بثقافة الصمت، دفع الكثير من الثمن بسبب ذلك، وفقد جزءاً مهماً من ملامح من صنعوا أو ساهموا في نموذج فريد لدولة انعتقت من هيمنة 5000 آلاف عام من العزلة داخل صحاري وبوادي الجزيرة العربية.
لقد طوت ثقافة الصمت تحتها الكثير من الجمال والأحلام والتقاطعات الإنسانية، كان يمكن أن تروى بكل فخر، نعم هناك بعض من الروايات من غير المفيد إعادة نشرها إلا بعد شرح سياقها، لأنه لو رويت مقطوعة لأعطت ملمحاً آخر غير حقيقتها المجردة.
تروي هند بنت خثيلة كيف هي علاقة الملك عبدالعزيز مع رجالاته ومنهم والدها وأحد الذين أعفاهم القدر من قصاص محتوم إثر مشاركته الخاطئة في معركة السبلة، إلى أن أضحى من خاصته.
أهمية رواية هند بنت خثيلة عن التاريخ الاجتماعي السعودي في الفترة من 1953، أي بعد وفاة الملك عبدالعزيز حتى تاريخ اليوم، بدءاً بالعلاقة بين القيادة السياسية ورجالاتها، وبين الحلقات الأخرى من مشايخ ورجال دولة، ورجال ونساء، مروراً ببدايات التعليم والابتعاث وقيادة المرأة للسيارة وفصل النساء عن الحياة العامة، والصراع داخل أروقة الوظائف، هو ما جعل من بنت خثيلة جسراً بين عدة أجيال.
حكايات استثنائية عن جيل والدها الذي عاصر الملك عبدالعزيز، وإخوان من طاع الله، وجيلها هي الذي عاش في عهود الملوك سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، وسلمان، جيلٌ قدر له أن يلتقي ويتقاطع مع أهم «المشايخة» الذين كانوا فعّالين في الحياة السعودية وأثّروا فيها تأثيراً عميقاً، وخاصة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبدالعزيز بن باز.
وكيف انتقلت هند البنت الصغيرة التي نشأت في بيئة غارقة في المحافظة في أقل من عقدين -حينها- إلى بنت واثقة من نفسها من المجالس المحافظة رفقة والدها، إلى فتاة طموحة تبحث عن المعرفة والعلم من كتاتيب الرياض إلى جامعات أمريكا.
الفتاة النابهة الأقرب للمتمردة ليس على أعراف القبيلة أو الدين كما أكدت على ذلك في إجابتها على مالك الروقي مقدم اللقاء، ولكنه التمرد على سياق ثقافي كان يلزم -بعضه- الفتاة بالبقاء ضمن سياق (العزلة)، فإذا بوالدها -أحد أهم رموز الإخوان- هو من يحمي رغبتها في الاقتراب من محرمات ثقافية سادت في الأربعينات والخمسينات السعودية، فهي على سبيل المثال لم تكن تغشى مجالس «المشايخة» والأعيان في مجلس والدها رغم صغر سنها، بل كانت تتحدث وتسأل بجرأة كافية، ليس تحدياً، بل بحثاً عن عالم معرفي آخر.
تحكي هند كيف كانت ردود فعل رجال المجتمع الأشداء القادمين من معارك التوحيد على تواجدها بينهم، وكيف كان والدها يحمي تلك الانتقادات ويعالجها دون صدام، بكل لطف البدوي وحزمه.
هند التي تتكلم مع المشايخ وتجادلهم، هي أيضاً من تناقش وتحاور سيدات المجتمع النجدي الورعات المتواضعات داخل البيوت، وهي أيضاً الفتاة الطموحة التي تتحدث مع الأمير سلمان -الملك- وتطلب تسهيل سفرها لأمريكا -في وقت لم يكن تعليم الفتيات متوفراً بشكل كامل- رغم معارضة بعض أبناء عمومتها.
لنتخيل فقط هذه الصورة البانورامية، التي تبدأ من جوار قصر المربع مروراً بالسبلة وحالات الخصومة والقتال بين رفقاء ثم متمردين، وليس انتهاء بمكارم الأخلاق عند الملك عبدالعزيز وقدرته الاستثنائية لتحويل الأعداء إلى حلفاء، ونقل المخطئين في حقه وحق بلادهم من ضفة العقاب إلى ضفة المرافقين والجلساء والأصدقاء.
وكيف كان قدر أولئك الذين حظوا بالعفو، ومنهم والد بنت خثيلة، على التماهي مع التغييرات العميقة وعدم الصدام معها والإخلاص للبلاد وقيادتها، وقيادة الأعراف القبلية ومواجهتها دون صدام.
بنت خثيلة سلطت الضوء على التحولات الكبرى التي اجتاحت السعودية الناشئة ولتكن الرياض وقرية الغطغط، كنموذجين يحددان الخط الفارق بين المدينة الثابتة، والانتقال من حياة «عمود الخيمة» والفضاء المفتوح إلى نواة البلدات المستقرة، وصولاً إلى العالم الآخر وستكون ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية مثالاً لها.
هناك وقفات مهمة لا يجب أن تمر هكذا، منها: علاقة العفو قبل العقاب بين الملك وشعبه، لحظة الانتقال الحضري وإنشاء المجتمعات المستقرة، كذلك تعليم الفتيات النادر حينها، وكيف كان والدها يحضر حفلات التخرج بجانب الملك سعود وهي تغني مع قريناتها، وكأن هذا المشهد مسروق من تاريخنا أو لنقل صُمِتَ عنه ولم ينقل إلينا، أيضاً وقوف الشيخ ابن باز مُسلما على والدتها ثم مجيئه لتقديم واجب العزاء إثر وفاة والدها مشهد آخر لا يقل أهمية، ومشهد العزلة الذي دخلت إليه المرأة طوعاً لأكثر من خمسين سنة لاحقة، وكيف تغير اليوم بالقيادة المؤثرة والعادلة التي أسّسها الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
تاريخنا الاجتماعي الذي فضّل الكثير الالتزام عند الحديث عنه بثقافة الصمت، دفع الكثير من الثمن بسبب ذلك، وفقد جزءاً مهماً من ملامح من صنعوا أو ساهموا في نموذج فريد لدولة انعتقت من هيمنة 5000 آلاف عام من العزلة داخل صحاري وبوادي الجزيرة العربية.
لقد طوت ثقافة الصمت تحتها الكثير من الجمال والأحلام والتقاطعات الإنسانية، كان يمكن أن تروى بكل فخر، نعم هناك بعض من الروايات من غير المفيد إعادة نشرها إلا بعد شرح سياقها، لأنه لو رويت مقطوعة لأعطت ملمحاً آخر غير حقيقتها المجردة.
تروي هند بنت خثيلة كيف هي علاقة الملك عبدالعزيز مع رجالاته ومنهم والدها وأحد الذين أعفاهم القدر من قصاص محتوم إثر مشاركته الخاطئة في معركة السبلة، إلى أن أضحى من خاصته.
أهمية رواية هند بنت خثيلة عن التاريخ الاجتماعي السعودي في الفترة من 1953، أي بعد وفاة الملك عبدالعزيز حتى تاريخ اليوم، بدءاً بالعلاقة بين القيادة السياسية ورجالاتها، وبين الحلقات الأخرى من مشايخ ورجال دولة، ورجال ونساء، مروراً ببدايات التعليم والابتعاث وقيادة المرأة للسيارة وفصل النساء عن الحياة العامة، والصراع داخل أروقة الوظائف، هو ما جعل من بنت خثيلة جسراً بين عدة أجيال.
حكايات استثنائية عن جيل والدها الذي عاصر الملك عبدالعزيز، وإخوان من طاع الله، وجيلها هي الذي عاش في عهود الملوك سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، وسلمان، جيلٌ قدر له أن يلتقي ويتقاطع مع أهم «المشايخة» الذين كانوا فعّالين في الحياة السعودية وأثّروا فيها تأثيراً عميقاً، وخاصة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبدالعزيز بن باز.
وكيف انتقلت هند البنت الصغيرة التي نشأت في بيئة غارقة في المحافظة في أقل من عقدين -حينها- إلى بنت واثقة من نفسها من المجالس المحافظة رفقة والدها، إلى فتاة طموحة تبحث عن المعرفة والعلم من كتاتيب الرياض إلى جامعات أمريكا.
الفتاة النابهة الأقرب للمتمردة ليس على أعراف القبيلة أو الدين كما أكدت على ذلك في إجابتها على مالك الروقي مقدم اللقاء، ولكنه التمرد على سياق ثقافي كان يلزم -بعضه- الفتاة بالبقاء ضمن سياق (العزلة)، فإذا بوالدها -أحد أهم رموز الإخوان- هو من يحمي رغبتها في الاقتراب من محرمات ثقافية سادت في الأربعينات والخمسينات السعودية، فهي على سبيل المثال لم تكن تغشى مجالس «المشايخة» والأعيان في مجلس والدها رغم صغر سنها، بل كانت تتحدث وتسأل بجرأة كافية، ليس تحدياً، بل بحثاً عن عالم معرفي آخر.
تحكي هند كيف كانت ردود فعل رجال المجتمع الأشداء القادمين من معارك التوحيد على تواجدها بينهم، وكيف كان والدها يحمي تلك الانتقادات ويعالجها دون صدام، بكل لطف البدوي وحزمه.
هند التي تتكلم مع المشايخ وتجادلهم، هي أيضاً من تناقش وتحاور سيدات المجتمع النجدي الورعات المتواضعات داخل البيوت، وهي أيضاً الفتاة الطموحة التي تتحدث مع الأمير سلمان -الملك- وتطلب تسهيل سفرها لأمريكا -في وقت لم يكن تعليم الفتيات متوفراً بشكل كامل- رغم معارضة بعض أبناء عمومتها.
لنتخيل فقط هذه الصورة البانورامية، التي تبدأ من جوار قصر المربع مروراً بالسبلة وحالات الخصومة والقتال بين رفقاء ثم متمردين، وليس انتهاء بمكارم الأخلاق عند الملك عبدالعزيز وقدرته الاستثنائية لتحويل الأعداء إلى حلفاء، ونقل المخطئين في حقه وحق بلادهم من ضفة العقاب إلى ضفة المرافقين والجلساء والأصدقاء.
وكيف كان قدر أولئك الذين حظوا بالعفو، ومنهم والد بنت خثيلة، على التماهي مع التغييرات العميقة وعدم الصدام معها والإخلاص للبلاد وقيادتها، وقيادة الأعراف القبلية ومواجهتها دون صدام.
بنت خثيلة سلطت الضوء على التحولات الكبرى التي اجتاحت السعودية الناشئة ولتكن الرياض وقرية الغطغط، كنموذجين يحددان الخط الفارق بين المدينة الثابتة، والانتقال من حياة «عمود الخيمة» والفضاء المفتوح إلى نواة البلدات المستقرة، وصولاً إلى العالم الآخر وستكون ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية مثالاً لها.
هناك وقفات مهمة لا يجب أن تمر هكذا، منها: علاقة العفو قبل العقاب بين الملك وشعبه، لحظة الانتقال الحضري وإنشاء المجتمعات المستقرة، كذلك تعليم الفتيات النادر حينها، وكيف كان والدها يحضر حفلات التخرج بجانب الملك سعود وهي تغني مع قريناتها، وكأن هذا المشهد مسروق من تاريخنا أو لنقل صُمِتَ عنه ولم ينقل إلينا، أيضاً وقوف الشيخ ابن باز مُسلما على والدتها ثم مجيئه لتقديم واجب العزاء إثر وفاة والدها مشهد آخر لا يقل أهمية، ومشهد العزلة الذي دخلت إليه المرأة طوعاً لأكثر من خمسين سنة لاحقة، وكيف تغير اليوم بالقيادة المؤثرة والعادلة التي أسّسها الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.