اللوائح والأنظمة في ظل نهضة قطاع البناء والتشييد في السعودية
الخميس / 29 / ذو القعدة / 1445 هـ الخميس 06 يونيو 2024 16:51
بقلم: ناصر الربيّع *
بينما تطمح المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية جاذبة للشركات، فإن مدى تكيف الشركات مع هذا المشهد سريع التطورغالبًا ما يكون مؤشرًا عما إذا كانت الشركة ستتمكن من تحقيق النجاح أم ستبوء مشاريعها بالفشل. لقد نجحت المشاريع الكبرى، مثل نيوم والدرعية والقدية ومشروع تطوير البحر الأحمر، في جذب انتباه المستثمرين الدوليين والشركات الرائدة في مختلف القطاعات، مما يشير إلى عصر من النمو والفرص غير المسبوقة.
ولكن في نهاية المطاف، فإن الدعم القانوني هو من أهم العناصر في هذا المشهد المتغير، فهو إما أن يساعدك على تحقيق طموحاتك التجارية في المملكة العربية السعودية إذا حصلت على المشورة الصحيحة أو قد يتسبّب في فشل مشروعك إذا كانت المشورة خاطئةً، وخاصةً في قطاع البناء والتشييد.
الامتثال للشريعة والأطر التنظيمية
في البداية، أود التوضيح أن النظام القانوني السعودي مستمد من الشريعة الإسلامية، والتي تتسق معها اللوائح التنظيمية في المملكة، ولا يُعد قطاع البناء والتشييد استثناءً. يجب أن يدرك المستثمرون الدوليون أن العقود وممارسات الأعمال وطرق حل النزاعات قد تخضع لأطر قانونية مستمدة من الشريعة الإسلامية، والتي قد تختلف عن الممارسات القانونية الغربية. وكما هو متوقع، فإن كل دولة ذات سيادة لديها أنظمتها التي قد تختلف عن الدول الأخرى.
علاوةً على ذلك، تلعب الحواجز اللغوية دورًا في التحديات المتعلقة بالامتثال، فنظرًا لأن اللغة العربية هي اللغة السائدة في ممارسة الأعمال التجارية، يجب تقديم العديد من الوثائق القانونية والمراسلات مع الجهات الحكومية باللغة العربية. وهذا يعني أنه يجب على المستثمرين الدوليين التعاقد مع مترجمين وخبراء قانونيين يتقنون اللغة والفروق الدقيقة للنظام السعودي.
الامتثال لإجراءات مكافحة الفساد
خطت المملكة في السنوات الأخيرة خطوات كبيرة في مكافحة الفساد. وفقًا لمراجعة أجراها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في عام 2021م، بلغ إجمالي الأموال التي استردتها خزينة الدولة نتيجة تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال سعودي في السنوات الثلاث الماضية، أي ما يعادل 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية.
علاوةً على ذلك، فإن إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) ودعمها هو دليل على التزام المملكة بالشفافية المالية والمساءلة، حيث تسعى الحكومة إلى ضمان تنفيذ مشاريع القطاعين العام والخاص تحت مظلة القانون. بالإضافة إلى ذلك، يجرّم نظام مكافحة الرشوة المعدل مؤخرًا الرشو (الأفعال التي تنطوي على الوعد بتقديم رشوة أو تقديمها بالفعل) والارتشاء (طلب أو تلقي رشوة)، إذ يحظر على أي موظف حكومي قبول أو تلقي أو طلب أي هدية أو مبلغ من أي نوع.
يجب على المستثمرين الدوليين أن يكونوا على دراية بلوائح مكافحة الفساد، والتأكد من أن ممارساتهم التجارية تتوافق مع عمليات العناية الواجبة الشاملة، بما في ذلك وضع ضوابط داخلية قوية والاحتفاظ بسجلات واضحة للمعاملات والعقود.
تطوير نظام العمل
شهد نظام العمل السعودي وما يتعلق به من لوائح كذلك تغييرات كبيرة، وأبرزها الإصلاحات المتعلقة بإجراءات الكفالة - التي كان بعضها مثيرًا للجدل في السابق. ركَّزت التغييرات الأخيرة أيضًا على تحسين ظروف العمل لجميع الموظفين، بما في ذلك تحسين معايير الصحة والسلامة وإجازة الأمومة، إلى جانب مزايا أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، خصصت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خطوطًا ساخنةً وآليات أخرى للعمال لتمكينهم من الإبلاغ عن الانتهاكات العمالية، مما يدل على الالتزام بإنفاذ أنظمة العمل وحماية حقوق الموظفين.
من الجدير بالذكر أن إطلاق نظام نطاقات يهدف إلى زيادة معدلات توظيف المواطنين السعوديين، وهو ما يعني بالنسبة لشركات الإنشاءات ضرورة توظيف عدد معين من المواطنين السعوديين للحد من معدلات البطالة. يصنف نظام نطاقات الشركات إلى فئات مختلفة بناءً على مدى امتثالها، ويشير تصنيف الشركات ضمن النطاق «الأحمر» إلى فرض بعض العقوبات عليها.
يجب أن يكون المستثمرون الدوليون على استعداد للالتزام بمتطلبات نظام العمل واللوائح المتعلقة به، بما في ذلك العمل على توفير برامج تدريبية للموظفين السعوديين، والاحتفاظ بسجلات دقيقة لإثبات الامتثال لمتطلبات برنامج نطاقات.
الامتثال للوائح البيئية ومتطلبات الاستدامة
أطلقت المملكة مبادرة السعودية الخضراء في عام 2021م، وتهدف من خلالها إلى مكافحة تغير المناخ وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2060م. ووفقًا للرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، فقد خصصت المملكة العربية السعودية 18.1% من مساحتها البرية و6.48% من موائلها البحرية كمناطق محمية.
ومن هذا المنطلق، تقود المشاريع الكبرى المسيرة لتعزيز ممارسات التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، حصلت شركة البحر الأحمر الدولية وشركة زين السعودية على جائزة «أفضل تقنية خضراء» لإطلاقهما شبكة جيل خامس خالية من الانبعاثات الكربونية. بالإضافة إلى ذلك، حصلت المرحلة الأولى من الخطة الرئيسية لهيئة تطوير بوابة الدرعية على الشهادة التأهيلية البلاتينية للريادة في تصميمات الطاقة والبيئة المعتمدة من مجلس المباني الخضراء الأمريكي (USGBC) - وهي المرة الأولى التي يحصل فيها مشروع في منطقة الشرق الأوسط على هذه الجائزة. وفي هذا السياق، ستعتمد مدينة نيوم بشكل كبير على مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كما لديها خطط للنقل الأخضر والحد من النفايات والتقنيات المبتكرة لضمان حماية البيئة.
ومع دخول اللوائح البيئية حيز التنفيذ، سيتعين على شركات الإنشاءات أيضًا الامتثال للوائح الجديدة واتباع ممارسات مراعية المناخ في استخدام المواد والتخلص من النفايات، لا سيما وأن عدم الامتثال للوائح البيئية قد يترتب عليه غرامات كبيرة - أو ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن تواجه تأخيرات طويلة في إنجاز المشاريع.
الحاجة إلى دعم قانوني من «شركات عالمية على دراية بالمشهد المحلي»
ستواصل المملكة العربية السعودية تحديث الأنظمة في ظل استمرار تطور المشهد الاقتصادي بالمملكة. لقد قدمنا المشورة لبعض أبرز الكيانات في المنطقة بشأن عقود البناء والمشتريات المتعلقة بأكبر مشاريع البنية التحتية في المملكة - من بينها مشاريع في قطاعات الضيافة والطاقة والمعالم الاجتماعية البارزة والنقل. ولذلك، فنحن ندرك أن الحصول على الدعم القانوني المناسب يمكن أن يكون العامل الحاسم الذي يحدد ما إذا كانت الشركة ستقدر على تحقيق أهدافها المنشودة أم ستظل في مكانها دون إحراز أي تقدم.
وللمساعدة في سد هذه الفجوة، يجب على المستثمرين الدوليين طلب المشورة من أفضل شركات المحاماة التي تتمتع بدراية واسعة بالمشهد التجاري في المملكة العربية السعودية وخبرات دولية مثبتة في بعض أكثر النزاعات التجارية تعقيدًا في العالم.
* الشريك المدير (المملكة العربية السعودية)، الرئيس المشارك لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كوين إيمانويل أوركهارت آند سوليفان إل إل بي