فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها
الجمعة / 01 / ذو الحجة / 1445 هـ الجمعة 07 يونيو 2024 00:10
بشرى فيصل السباعي
لو كانت هناك مجموعة طلاب في فصل ناجحين في كل المجالات وبأعلى الدرجات، ويقابلهم مجموعة من الطلاب فاشلين وساقطين بكل المجالات ولهم أدنى الدرجات لكن ملابسهم نظيفة هل سيصح أن يعتبروا أنفسهم أفضل من المجموعة المتفوقة فقط بسبب أن ملابسهم نظيفة؟ هذا الحاصل لدى العرب والمسلمين بسبب حصرهم مفهوم الفضائل في فضيلة العفة الجنسية التي يفتقر إليها الغرب، فالحقيقة التي تثبتها لغة الأرقام والواقع أن الدول الصناعية ناجحة في جميع المجالات وتشهد بهذا قوائم المؤشرات الدولية المختلفة مثل قوائم الدول الأقل في الفساد والأفضل في الإنتاج العلمي والصناعي والنزاهة والشفافية والسعادة وجودة الحياة والخدمات والمساواة، فالدول الصناعية هي المجموعة المتفوقة بالفصل التي يجدر على بقية الفصل وبخاصة المجموعة التي سقطت في كل المجالات أن تسأل المجموعة الناجحة في كل المجالات عن فضائلهم الفكرية والنفسية والسلوكية والأخلاقية التي جعلتهم يحققون ذلك النجاح لأنهم بدون تلك الفضائل المتعددة الأوجه ما كان يمكنهم أن ينجحوا في كل المجالات، وافتقار بقية العالم غير الصناعي لتلك الفضائل هو سبب فشله في أن يصبح من فريق الناجحين المتفوقين أي من فريق الدول الصناعية المنتجة للعلوم والتكنولوجيا والصناعات، فالعالم الصناعي عموماً وإن كانوا يفتقرون لفضيلة العفة الجنسية فهم يتمتعون بفضائل أخرى في جميع المجالات يجب على بقية العالم التواضع وتعلمها منهم والتوقف عن مخادعة الذات بالخطاب النرجسي الذي يطري الذات لجعلها تتوهم أنها أفضل من الفريق المتفوق فقط بعنصر واحد هو نظافة الثياب أي العفة الجنسية، وخطاب مخادعة الذات هو جزء من المشكلة لأن الإنسان طالما لم يقر بمشكلته ويعترف بها لن يطلب العلاج المناسب لها، وكل أنواع المعالجات التي صبت على العالم غير الصناعي سواء من الهيئات الدولية أو الجماعات والحركات والأحزاب المختلفة لم تجد نفعا في تحسين حالة العالم غير الصناعي بل زادتها سوءاً، فاشتراطات وإصلاحات مؤسستي النقد الدولي والتجارة العالمية سبب رئيسي للثورات، بالإضافة لإرهاب الجماعات، لأنه جوهرياً ليس هناك إقرار بأصل العلة وهو الافتقار للفضائل الفكرية والثقافية والنفسية والسلوكية التي يتمتع بها العالم الصناعي وأبرز من نجح بتسليط الضوء على هذه الحقيقة برنامج الإعلامي القدير أحمد الشقيري، والمفكر السعودي «إبراهيم البليهي»، والطلاب المبتعثون كانت لهم تجربة مباشرة في التعرّف على تلك الفضائل لكن لماذا عند عودتهم لا يطبقونها؟ هل البيئة غير قابلة لها؟ أم هل هم ليس لديهم وعي بأهميتها؟ أم هل هناك عدم وعي من المحيط بأن تطبيقها العملي هو جزء من إنجاح أي منظومة؟ فوضع محرك جديد حديث متفوق في آلة قديمة بدائية يجعل المحرك يفقد ميزاته وفاعليته؛ لأن الآلة غير موافقة له، فالهياكل العامة المادية والمعنوية يجب أن تكون موافقة للعلوم التي يجلبها المبتعثون لكي يمكنهم النجاح في تطبيق ما تعلموه في دول العالم الصناعي، ويجب أن يكون هناك مجال آخر للابتعاث غير الابتعاث للدراسة الأكاديمية وهو الابتعاث للحصول على خبرات عملية بالعمل في شركات ومؤسسات العالم الصناعي، لأن العالم غير الصناعي لا ينقصه التعليم الأكاديمي إنما ينقصه التطبيق العملي، ولذا هناك حاجة ماسة للابتعاث للحصول على الخبرات العملية متضمنة معها الفضائل الفكرية والنفسية والسلوكية والأخلاقية التي تؤدي للتفوق، وأبرز من يحتاج مثل هذا الأمر بشكل ماس المجتمعات التي وصل فشلها إلى درجة الصراعات الطائفية العنيفة والحروب الأهلية والإرهاب وانعدم فيها الأمان والسلام والاستقرار ووصلت لدرجة العجز عن القيام بمهام الدولة الأساسية كما هو الحال في لبنان والعراق واليمن وغيرها.