كتاب ومقالات

فيلم أمريكي.. هل يُعاد إخراجه ؟

حمود أبو طالب

من الطبيعي أن يتابع سكان كوكب الأرض ما يحدث في أمريكا في مثل هذه الفترة كل أربع سنوات؛ لأنها تمثل بداية الفترة الحاسمة التي تحدد في نهايتها من سيكون سيد البيت الأبيض، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأعظم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وهذا ما حدث مساء الخميس الماضي في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، في استوديو قناة CNN، التي حددت ضوابط وآلية المناظرة الأعجب والأغرب في تأريخ الانتخابات الأمريكية بين رئيس يريد الاستمرار لدورة ثانية، ورئيس سابق يريد العودة إلى الحكم، وكلاهما مثقلان بالمتاعب، الأول نهش جسده وذهنه تقدم العمر، والثاني تحاصره مجموعة قضايا خطيرة وغير مسبوقة لرئيس مرشح.

الحزب الديموقراطي اختار استمرار ترشيح بايدن لتدني فرصة أي بديل آخر غير جاهز لديه، وعلى أمل أن تكون الظروف السيئة المحيطة بترمب هي التي تتيح فرصة تقدم بايدن عليه، بينما اختار الحزب الجمهوري الإثارة التي تكتنف ترمب وحماسته الشديدة لخوض المعركة وجرأته كرهان محتمل للكسب أمام بايدن. وقد كانت المناظرة الفقيرة في كل مضامينها من الطرفين مؤشراً على ارتباك المشهد الذي تعيشه أمريكا الآن ويخشاه العالم. هذه هي الحقيقة، فقرارات البيت الأبيض، والكونغرس والبنتاغون وCIA، والمكينة الاقتصادية الجبارة للشركات الأيقونية العملاقة، والرصيد الهائل من المعلوماتية «الداتا»، وأسرار الذكاء الاصطناعي، وغيرها من الميزات التي تنفرد بها أمريكا، يجعلها المؤثر الأكبر والأهم عالمياً مهما نافسها الآخرون، إلى الآن على الأقل.

المجتمع الأمريكي شهد تغيرات بنيوية عميقة منذ بداية الألفية الجديدة، تغير معها سلوكه الانتخابي، فلم يعد مهتماً بفكر وثقافة وحنكة وكاريزما المرشح الرئاسي، بقدر ما هو يبحث عن الذي يقترب من مشاكله الحقيقية المتفاقمة، التضخم والبطالة والغلاء والصحة والتعليم والسكن والأمن الداخلي والضمان المجتمعي، وكل ذلك لم يناقشه بايدن ولا ترمب بشكل جيد لأن المناظرة كانت نزالاً شخصياً بين غريمين وصلا حد التجريح في اتهاماتهما لبعضهما، وليس مرشحين يدركان مسؤولية أن تكون رئيساً لأمريكا في هذه المرحلة الحساسة من تأريخها وتأريخ العالم.

لقد دفعت المناظرة الإعلام الأمريكي إلى الاعتراف والتسليم بخيبة الأمل، حتى الإعلام المنحاز إلى الديموقراطيين لم يكن قادراً على تجميل أداء بايدن، ووصل الأمر إلى مطالبته بالانسحاب من السباق الرئاسي، بينما لم يقل مناصرو الحزب الجمهوري أن أداء ترمب كان جيداً، وإنما أشاروا إلى أنه كان أفضل من بايدن. وهنا يكون السؤال الكبير: هل ستمضي الأمور بهذا الشكل من الآن إلى نوفمبر القادم، وهل ستتحمل الدولة العميقة المخاطرة بأمريكا على يدي مرشحين، أحدهما شبه عاجز والآخر انفعالي مشحون بشهية انتقام شخصي؟ من المرجح أن شيئاً ما قد يحدث لضبط المسار الانتخابي وضمان أربع سنوات قادمة بأقل الأضرار. نحن نتحدث عن الإدارة الأمريكية ودولة المؤسسات الراسخة وليس عن شخصين يتعاركان للفوز بالرئاسة.