كتاب ومقالات

اغتيال الديمقراطية بين كينيدي وبايدن..!

محمد الساعد

في العام 1963 اغتيل الرئيس الأمريكي جون كينيدي بعد ثلاثة أعوام فقط من توليه الرئاسة، لقد كان حدثاً ضخماً وصاخباً بحجم الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القنبلتين النوويتين وإحدى القوتين العظميين، وبحجم الأزمات الكبرى التي خاضها جون كينيدي نفسه وعلى رأسها (خليج الخنازير)، الأزمة التي تفجّرت وكادت أن تتحوّل لحرب نووية مدمرة بين الأمريكان والسوفييت.

لم تكن كوبا التي تسللت إليها الشيوعية قبيل وصول كينيدي بعامين 1959، إلا عنواناً صغيراً في الأزمة الطاحنة التي عاثت في أروقة السياسة الأمريكية حينها، فقد كان الصراع مريراً بين الشيوعية الحمراء القادمة من الاتحاد السوفيتي، التي انتشرت في العالم انتشار النار في الهشيم، وبين أمريكا التي ورثت الإمبريالية الغربية وتتحالف مع رموز الاستعمار «بريطانيا وفرنسا».

كان خوف المؤسسات الامريكية واضحاً ومبرراً خشية تسلل الشيوعية إلى الشارع الأمريكي، لدرجة الشك والارتياب وصلت إلى الرئيس -الديموقراطي- كينيدي نفسه الذي اتهم بأن هواه يساري، وبالتالي فإن معالجته للأزمة الكوبية - الشيوعية - مقيدة بإيمانه بما يطلق عليها حركات التحرر حول العالم، التي تتبنى إما خطاباً شيوعياً أو خطاباً يسارياً بحتاً.

كان بلا أدنى شك مأزقاً أمريكياً خالصاً بين تيار يساري أمريكي كان في بداية صعوده، وبين معاقل السياسة الأمريكية البيضاء التي حاربت بضراوة الشيوعية وكل من يدور في فلكها، ولم تكن لتسمح بأي تسلل إلى بنيتها السياسية والثقافية.

جاء وصول كينيدي وزوجته الشابين الأنيقين إلى البيت الأبيض معززاً لفكرة الحلم الأمريكي ويدعم صعود النموذج الأمريكي في العالم من الكوكاكولا والماكدونالدز وأغاني الروك، وليس انتهاءً بأفلام هوليود.

لم يستطع كينيدي التنصل من تهم التعاطف مع اليسارية، ولم يقدر على إقناع قواعده الشعبية ولا زملائه بأنه أمريكي خالص، فما كان إلا أن يقول الشارع كلمته لينهي الجدال برصاصة مدوّية.

وسواء كان اغتيال كينيدي تصرفاً فردياً أو بمؤامرة داخلية، إلا أن إزاحته كانت ضرورة قبل أن يتحطم «النموذج» الأمريكي على يديه، خصوصاً أن احتمالات عودته ليكمل فترة انتخابية أخرى عالية جدّاً.

اليوم وبعد مرور أكثر من 60 عاماً على اغتيال كينيدي، نكاد نكون شهوداً على اغتيال لرئيس ديموقراطي آخر، هو جو بايدن، ولكن من غير دماء، لقد تحوّل بايدن -بين ليلة وضحاها- من بطل يتغنى به اليسار الأمريكي بسبب هزيمته لعدوهم اللدود دونالد ترمب؟ إلى رئيس مهزوز يجب إزاحته فوراً من خط المواجهة مع الجمهوريين.

عملية الاغتيال الواضحة لم تستدعِ مهاجراً غير معروف ليأخذ بندقية ويترصد في نافذة منزوية ليغتاله، بل استخدم اليساريون أدواتهم ومكينتهم الإعلامية الكبرى لاغتيال بايدن معنوياً والحط من شأنه وتسليط الضوء على عيوب كانت فيه قبيل المناظرة، فبايدن لم يصبح هرماً بعد المناظرة، ولم يكن يتعثر في خطواته بعد المناظرة، ولا طريقته في الحديث تغيرت، وما كان سهوه وتوهانه جديدين، فمنذ وصوله البيت الأبيض وهو هكذا. ما تغير هو هزيمته أمام ترمب، وهو ما لا يسمح به اليسار الأمريكي.

لقد تغاضى الديموقراطيون وإعلام اليسار عن طوام بايدن وأسرته منذ الحملة الانتخابية الأولى قبل أربع سنوات، وكان ذلك تمهيداً لطريق شاق استطاع معه الوصول إلى سدة الرئاسة وإزاحة ترمب.

والحقيقة التي لا يريد اليسار الأمريكي أن يقولها هي أنه يرى نفسه شريكاً في الحكم؛ لأنهم مقتنعون أنهم من أوصلوا بايدن وليس قدراته السياسية.

من المؤكد أن سنوات العسل بين بايدن وبين اليسار المتطرف والإباحية المفرطة، والمهيمن على الإعلام ومراكز النفوذ والضغط في أمريكا انتهت، وأصبح الهجوم الممزوج بالسخرية والكراهية يصب غضبه عليه، إنها كرة ثلج سياسية بدأت من استديوهات المناظرة ولن تتوقف إلا بعد قبر بايدن سياسياً والإتيان بمرشح يضمن لليسار العودة إلى البيت الأبيض والهيمنة على مفاصل التشريع والحياة في أمريكا وربما العام.