أخبار

«عودة الفهد الصياد».. قصة نجاح ملهمة للجهود البحثية في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية

عززتها الإستراتيجية الوطنية للحفاظ عليه وبرنامج إعادة توطينه..

«عكاظ» (جدة)

جاء الإعلان عن تسجيل الولادات الأربع لأشبال الفهد الصياد في مدينة الرياض، وهو الحيوان المنقرض بالجزيرة العربية منذ 50 عاماً، خلال الجلسة التعريفية بالفهد التي عقدها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، ليؤكد نجاح المركز في جهوده البحثية المكثفة ضمن حملة متكاملة لحماية التوازن البيئي للنظم البيئية الطبيعية والحفاظ على الحياة الفطرية وإعادة تأهيل الأنواع المنقرضة والأنواع المهددة بالانقراض وإطلاقها في بيئاتها الطبيعية.

لقد تزامن هذا الإعلان الاستثنائي للمركز خلال الجلسة مع إعلانه عن اكتمال الاستراتيجية الوطنية لإعادة توطين الفهد الصياد بما يعكس حجم الجهود التي يبذلها لاستعادة التوازن البيئي وإثراء التنوع الأحيائي من أجل نظم بيئية مستدامة ومزدهرة، وهو ما يجسد دور المملكة الريادي عالمياً ونجاحها في جهود تعزيز التوازن البيئي في ظل محدودية نسبة نجاح برامج إعادة تأهيل هذه الأنواع المنقرضة على المستوى العالمي التي لا تتجاوز 15%.

ويأتي ذلك النجاح الاستثنائي لجهود التنمية البيئية بالمملكة انطلاقاً من خارطة الطريق التي رسمتها رؤية المملكة 2030، ومبادرة السعودية الخضراء بما حملته من مستهدفات بيئية طموحة.

البداية في دحول الشمال

البداية كانت من أحد الدحول والكهوف في شمال المملكة، حيث اكتشف الفريق البحثي التابع للمركز 17 من مومياوات الفهد التي لم يتحلل بعضها، وكانت شبه محنطة، وتم إخضاعها لدراسات بحثية وجينية مكثفة حملت نتائج مثرية تم الإعلان عنها في ورشة العمل التي نظمها المركز، ودشن خلالها وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي برنامج «إعادة توطين الفهد الصياد» الذي أطلقه المركز.

وتضمنت الورشة التي شارك فيها خبراء ومختصون محليون ودوليون تفاصيل نتائج الدراسات والبحوث المتضمنة العمر الزمني للعينات تحت نوع الكائن، والأبعاد الثقافية والتاريخية للفهود في الجزيرة العربية، حيث تمكن الباحثون من تحديد زمن نفوقها واستخلاص تركيبها الوراثي وتحديد النوع ومقارنته بالتسلسل الجيني للفهود الموجودة في مراكز الإيواء التابعة للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، ومجموعات الفهود المنتشرة في العالم بما يدعم برنامج المركز لإكثارها وإعادة توطينها.

لقد شكّل هذا الاكتشاف منعطفاً مهماً في جهود المركز لإعادة تأهيل الأنواع المنقرضة والمهددة بالانقراض، حيث أسهم في تقديم معلومات غزيرة ذات قيمة عظيمة في برنامج الإكثار وإعادة التوطين وتصحيح الكثير من المعلومات، وكان حافزاً لدى الباحثين لإيجاد مزيد من الدلائل في هذا المجال.

الاستراتيجية الوطنية لإعادة توطين الفهد

جاءت الاستراتيجية الوطنية لإعادة توطين الفهد الصياد بهدف إعادة إدخال الفهود في المملكة العربية السعودية مع معالجة الجوانب البيئية والحيوانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية، من خلال إنشاء برامج ناجحة لإكثار الفهود والحفاظ على أعداد منها ضمن منظومة برية قابلة للحياة واختيار المواقع المناسبة لإعادة الإدخال إلى جانب إشراك المجتمعات المحلية في جهود الحفاظ عليه.

وتضمّنت الاستراتيجية خطة عمل تشمل: تقييم الظروف البيئية وأسباب انقراض الفهد، وإجراء تحليل مفصل لمواقع الإطلاق المحتملة، مع ضمان مشاركة المجتمعات المحلية والدولية.

كما وضعت توصيفاً للأهداف والأنشطة التي تشمل:

ـ الإكثار في الأسر من خلال إجراء تعداد للفهود الحالية في الأسر واختيار الأفراد لبرنامج الإكثار.

ـ اختيار المواقع من نطاق توزيع الفهود التاريخي، واستخدام الاستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية لتقييم الموائل وضمان تلبيتها للمتطلبات البيئية للفهود.

كما تطرقت الاستراتيجية إلى ضرورة مراقبة ما بعد الإطلاق، لضمان تكيف الفهود المطلقة وبقائها الناجح، مع معالجة أي مشكلات أو تحديات تطرأ أثناء عملية الإطلاق، مستندة إلى خطة زمنية من ثلاث مراحل تبدأ هذا العام 2024 وتنتهي خلال العام 2029، بما يعزز الآمال في إنشاء مجموعة تعزز النمو المستدام للفهد في المملكة.

وأخيراً.. شملت الاستراتيجية أهمية مراعاة الاعتبارات القانونية والدولية وضمان الامتثال لجميع القوانين والاتفاقيات الوطنية والدولية المتعلقة بالحفاظ على الحياة البرية.

خطوة نوعية

وجاءت الخطوة النوعية لاستعادة الفهد الصياد كجزء من برنامج طموح أطلقه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية لاكتشاف الحياة الفطرية التاريخية والحالية في دحول وكهوف المملكة.

فالفهد الصياد (Cheetah) هو نوع من القطط الكبيرة المعرضة للانقراض على مستوى العالم، وكان يعيش في أفريقيا وغرب وجنوب آسيا، ولكنه الآن محصور في 9% من مواطنه الأصلية، مع تقديرات تشير إلى وجود نحو 7100 فرد فقط في البرية.

وقد توصل الفريق البحثي للمركز إلى نتائج تشير إلى الأعمار التقديرية للعينات التي يقارب أعلاها 4223 عاماً وأدناها 127 عاماً، كما تشير النتائج الأولية إلى أن الفهود العربية قد تكون أصل الأنواع المنتشرة في أفريقيا.

ويجري العمل حالياً على استكمال الأبحاث العلمية لمعرفة التغيرات البيئية المرتبطة عبر الأزمنة وتأثيراتها في انقراض الفهد الصياد وحصر أفضل الممارسات العالمية المناسبة للفهد الصياد بهدف تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإعادة توطين الفهد الصياد في المملكة وفتح أبواب جديدة لفهم التطور البيئي في المملكة.

يذكر أن الفهد الصياد هو من الحيوانات آكلة اللحوم وهو أسرع حيوان بري في العالم، حيث تصل سرعته إلى 120كم/ ساعة، ويبلغ متوسط النطاق الرئيسي للفهد 1200 كم2.

وتعتبر الفهود من السنيوريات الاجتماعية، وتصل أعداد مجموعاتها إلى 19 فرداً، وتشكل الظلفيات الفرائس الرئيسية لها إضافة إلى بعض الثدييات الصغيرة.