أخبار

«التفكير الناقد» صناعة فلاسفة بالتلقين

من أبرز قرارات التعليم.. وتنقصه كوادر متخصصة

حمد الراشد

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

يعد قرار إدراج مادة (التفكير الناقد)، ضمن مقررات التعليم العام خطوةً متقدمة، ويصفه البعض بالقرار الجريء والقويّ والأبرز لوزارة التعليم، إلا أنّ التحديات التي تحفّ القرار لا يمكن إغفالها، ومنها المُعلّم المُتخصص، أو المؤهل، وبما أنه لا تتوفر أقسام أو كليات تدرّس الفلسفة في الجامعات، فلن تتوفر الكوادر القادرة على تحقيق المستهدفات إلا بمخرجات مواكبة.

ومن خلال فتح «عكاظ»، مساحة نقاش مع عدد من المعلمين، كشف بعضهم دون موافقة على (إيراد أسمائهم) أنهم سيعتمدون التلقين، وقراءة الموضوعات الواردة في الكتب دون أي إضافة لما هو مدوّن، خصوصاً أن النجاح يعتمد على آلية (التقويم المستمر).

فيما تحفّظ متخصصون على فكرة (التفاؤل) بتدريس مادة دون اكتمال عناصر التغذية الراجعة، بدءاً من إيمان المعلمين والمعلمات بأهمية وقيمة المُقرر، واشتغالهم على أنفسهم بدورات تأهيلية، ولو من خلال المتاح على قنوات (يوتيوب)، وذلك لبلوغ الغايات من تدريس المنهج؛ متمثلةً في تعزيز (التساؤل الإيجابي والفعّال، والتشكيك في صحة الدعاوى المختلفة، وعدم قبولها على ظاهرها، واتخاذ القرارات بشكل موزون بعيداً عن العاطفة، والتصدي للأفكار والشائعات، وتنمية مواهب المناقشة والحوار وتفهم وجهات نظر الآخرين، بعيداً عن التعصب والانقياد العاطفي والتطرف في الآراء والأحكام.

المطيري: توفير المعلمين إشكالية جوهرية

أكد رئيس جمعية الفلسفة الدكتور عبدالله المطيري، لـ«عكاظ» أنه اطّلَعَ على كتاب (التفكير الناقد) المعتمد للتدريس هذا العام، وعدّه من منظور معرفي «ممتازاً» ومدخلاً جيّداً للمنطق الصوري، والمنطق الحياتي «وهو المنطق الذي يسمى عادة بالتفكير الناقد وهو المتعلق بالخطاب المتداول يومياً في شؤون السياسة والإعلام والاقتصاد والثقافة والتسويق وغيرها». ويرى المطيري أن اعتماد هذا المقرر خطوة سليمة في سبيل تطوير التعليم، ورفع مستوى إعداد الطلاب، إلا أن الإشكالية الجوهرية تتمثل في إعداد المعلمين الموكل إليهم مسؤولية تدريس المقرر، موضحاً أن المشكلة لا تقتصر على التأهيل المعرفي في مجال المنطق، بل في اتجاهات المعلم تجاه هذا النوع من المعرفة، لافتاً إلى أنه إذا كان لدى المعلم اشتباه في هذه المعرفة فإنه ستكون عقبة في طريق الوصول للمعرفة ناهيك عن نقلها لغيره، مشيراً إلى أن وزارة التعليم، تكتفي ببرنامج الاستثمار الأمثل، من خلال إعادة تأهيل معلمي الدين واللغة العربية وغيرهما، لتدريس هذا المقرر، ويرى أن عدم توفير الجامعات؛ متخصصين في الفلسفة والمنطق سيدفع لإسناد المهمة لمن لديه نصاب منخفض من المعلمين والمعلمات، بغض النظر عن التأهيل، وتطلّع المطيري، لافتتاح أقسام للفلسفة تسهم في تأهيل متخصصين في مجال المنطق والتفكير الناقد.

الراشد: خطوة جيدة وتحتاج المراجعة والتقييم

عدّ الباحث في الفلسفة المهندس حمد الراشد، اعتماد مقرر التفكير الناقد في عدد من مراحل التعليم خطوة جيّدة باتجاه تصحيح وعي الطلاب والمجتمع، ويرى أنّ التدريس القائم على منهج سليم، وطرق علمية ومنطقية، مؤشر على صدق النوايا وإرهاصات التوجه الفكري نحو الفلسفة، مؤكداً أن الأكثر أهمية من المقرر، هم الكوادر والكفاءات التي ستعلم وتدرّس المقرر، وتساءل: هل لدى من سيتولى تدريس (التفكير الناقد) حسّ نقدي وثقافة فلسفية؟ ويجيب: هذه هي المشكلة مع ضرورة التقييم والتطوير للمقرر كل عام عقب خوض التجربة.

السحيمي: المقرر لم ينجُ من الإملاءات والوصايا

عبّر الكاتب التربوي محمد السحيمي، عن قلقه من عدم تحقيق مقرر التفكير الناقد للمستهدفات، موضحاً أن مقدمة مقرر (التفكير الناقد للصف الثالث المتوسط)؛ مليء بعبارات الوصاية والإملاء، على شاكلة (من منطلق إيماننا/‏‏‏ ونحن نريد لك) ما يشعر بفجوة بين النظرية والتطبيق، وعدّ بعض العناوين (كليشات) ومنها: الحراك الاجتماعي المتسارع نحو «مهارات القرن الحادي والعشرين».

ويرى السحيمي أن الواقع الميداني يؤكد أن الغالبية من تلاميذ المرحلة المتوسطة لا يحسنون القراءة والكتابة باللغة العربية التي هي أم التفكير الناقد حسب فلسفة الأفكار العملية الديكارتية والظاهراتية، بل والوجودية بجناحيها المؤمن وغيره على حد سواء!! مشيراً إلى اعتراف الوزارة بالمستوى الضعيف في اللغة العربية لدى المعلمين والمشرفين، واكتفت بالتعاميم التي تعتقد أنها تخلي مسؤوليتها التاريخية عن هذه المشكلة، وكأنها تغطي الشمس بالغربال كما قال!!

وعدّ السحيمي تقرير الكتاب ضرورة قصوى على مستوى المبدأ والفكرة، إلا أن الوزارة لم تدرس الواقع الميداني جيداً، ولم تولِ كبير اهتمام لتوفير الظروف العملية لتحقيق أهداف المقرر، وفي مقدمتها إسناد التدريس إلى معلمات ومعلمين أكفاء، فليس كل من حصل على دورة في (مبادئ التفكير) أصبح مفكِّراً.

ودعا السحيمي لتركيز الجهود على الارتقاء بمستوى القراءة والكتابة؛ كونها تحمل بذور مهارات التفكير الناقد الصحيح، ولأن علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة هي الفلسفة التي نحتاجها اليوم؛ لأنها نابعة من ثقافتنا الإسلامية وتمثل هويتنا المستقبلية الطموحة، وتعكس ذائقتنا الراقية التي لا تستسيغ تناول الملح مباشرة، إلا أنها لا تستغني عنه في كل وجبة.