كتاب ومقالات

الأفراد يمثلون أنفسهم وليس قومهم

بشرى فيصل السباعي

هل من الصائب تحميل الأهل جريرة قيام فرد منهم بجرم ما ومعاقبتهم جماعياً على هذا الجرم الفردي؟ بالطبع ليس صائباً وكل إنسان يلام على عمله فقط وليس وزر غيره، ولذا تكرر في القرآن قانون (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وفي عصرنا الحالي الذي صار متاحاً لكل فرد التعبير عن نفسه بشكل يصل إلى أعداد كبيرة من الناس هناك من أساء استخدام مواقع التواصل للترويج لخطاب كراهية. وللأسف أن التجاوب الشائع مع مثل هذا الخطاب هو تعميمه على قوم المسيء كما ولو أنه الناطق الرسمي باسمهم، وبالطبع فقط الأخبار السيئة تنتشر بسرعة، ولذا يتم تداول خطاب الكراهية على نطاق واسع، بينما أصحاب الخطاب الأخوي المحب لا أحد يبالي بتداول تصريحاتهم، وهذا يخلق الانطباع الخاطئ كما ولو أن كل قوم المسيء هم أمثاله، بينما الصواب هو العكس، أي تداول تصريحات أصحاب الخطاب الأخوي المحب وإماتة الباطل بالسكوت عنه، كما قال الخليفة عمر بن الخطاب، أي عدم تداول خطاب الكراهية الذي ينشر الحزازيات بين أبناء الوطن العربي، لكن للأسف أن تيار الشعبوية الذي يسود مواقع التواصل يفعل العكس، ولذا هو ينشر الكراهية والتحريض ويسمّم الفضاء العام ويفسد العلاقات الأخوية ويفسد قلوب وعقول الناس، ولذا هناك حاجة لمن يمثلون صوت الفكر الراقي والوعي الناضج لترشيد توجهات الناس في مواقع التواصل الذين يطفئ خطابهم المتوازن نيران الفتنة، بينما غير الناضجين يصبون الزيت على النار ويشجعون على التطرف في خطاب العداء والكراهية ويشوهون بهذا أي شعارات مثالية يدَّعون أنهم يدافعون عنها، لأن الشعارات المثالية لا يخدمها بحق سوى خطاب الفكر الراقي والوعي الناضج، أما خطاب الكراهية والتحريض والعداء فهو علامة العقلية البدائية غير الناضجة، وفي الغرب والهند أدركوا متأخراً أضرار مثل هذا الخطاب عندما تحوّل لأعمال عنف وشغب وإرهاب ضد من يتم التحريض ضدهم عبر مواقع التواصل كما هو حاصل في بريطانيا حالياً، وأيضاً هناك دول بات يتعرّض السيّاح فيها لاعتداءات وعنصرية بسبب حملات الكراهية عبر مواقع التواصل فعزف عنها السيّاح، وهذا أضر باقتصاداتها التي تحتاج لعائدات السياحة، كما أنه نتج عن خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل انتشار سوء معاملة من تم التحريض ضدهم سواء على المستوى الشخصي أو العملي، لذا يجب عدم التساهل مع خطاب الكراهية والتحريض أياً كانت الشعارات المثالية التي يزعم الدفاع عنها فهو سلبي العواقب، ودائماً هناك شعارات مثالية يزعم المفسدون في الأرض أنهم يدافعون عنها لتبرير فسادهم، وللأسف في فضاء مواقع التواصل العربية غاب صوت الفكر الراقي والوعي الناضج النصير الحقيقي للشعارات المثالية ربما تخوفاً من ردة الفعل العدوانية، ولأن طبع الفكر الراقي هو المسالمة وتجنّب الصراع، وأياً كانت النشوة التي تحصل للأشخاص من خطاب الكراهية فنشوة خطاب الأخوة والمحبة أعظم ويدلل عليه موقف السعودية التاريخي بقطع النفط عن الغرب تضامناً مع الإخوة العرب، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عندما انقطع البث الإذاعي المصري وتوقفت برامج الإذاعة المصرية قام المذيع السوري عبدالهادي بكار بقطع بث الإذاعة السورية قائلاً: «من دمشق، هنا القاهرة»، وغيرها من مواقف الأخوة والمحبة بين أبناء الوطن العربي التي يجب التذكير بها باستمرار في مقابل تيار الكراهية والشعبوية الهدامة التي لا يستفيد منها إلا أعداء الوطن العربي، وبالصحيحين «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (الألد الخصم: المولع بالخصومة والصراع)، وقال «من ترك المراء وهو محق بني له في وسطها -الجنة-»، والمراء: الجدل العقيم غير البناء؛ لأنه يهيج العداوة والبغضاء.