كتاب ومقالات

ما الفائدة من غزة ثانية وثالثة؟

بشرى فيصل السباعي

منذ بداية رد الفعل الإسرائيلي الانتقامي على عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حماس ضد إسرائيل ونتج عنها مقتل حوالي خمسين ألف فلسطيني غالبهم من النساء والأطفال وأضعافهم من المصابين والمعوقين والمشوهين وتدمير غزة بشكل كامل وحوالى مليوني مهجر؛ طرح التساؤل حول جدوى تلك العملية والتي بسببها اعتقلت إسرائيل أضعاف العدد الذي أرادت حماس إخراجهم من السجون الإسرائيلية، ويتجدد ذات التساؤل في لبنان بالنظر للدمار الواسع الذي أحدثته الهجمات الإسرائيلية وتهجير حوالى مليون لبناني ومقتل حوالى 2000 لبناني وحوالى 200 من اللاجئين السوريين، وسيتجدد ذات التساؤل مع تزايد الضربات على إسرائيل من الجماعات التابعة لإيران في العراق واليمن وسورية وردود الأفعال الإسرائيلية عليها، فما هي الجدوى من كل تلك الضربات إن كانت لم توقف العدوان على غزة بل صنعت غزة ثانية وثالثة في البلدان العربية، فمن لا يملك القدرة على الدفاع عن النفس عبر الطيران الحربي يجب أن لا يضرب إسرائيل لأنه سيتحول إلى غزة ثانية، والسؤال عن الجدوى الواقعية من تلك الضربات لإسرائيل هام لكي تكون هناك قيمة للدم العربي وعدم طرح السؤال عن الجدوى من الضربات ضد إسرائيل بالنظر إلى الثمن الغالي الذي يدفع من الدم العربي هو استرخاص لقيمة وحرمة هذا الدم وخيانة للضحايا، «عن عبدالله بن عمر قال رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه». وهذا السؤال عن الجدوى هام لإخراج المنطقة من دوامة الألاعيب السياسية للقوى المحلية والدولية التي لا ترى قيمة للدم العربي، والمحللون منشغلون بتحليل تلك الألاعيب ونسوا أنها ليست لعبة شطرنج بين إسرائيل وإيران إنما واقع أبرياء يعيشون منذ حوالى السنة مجازر يومية، وأيضاً السؤال حول جدوى الضربات ضد إسرائيل هام لإخراج الحالمين من فقاعات الشعارات الطوباوية والعنتريات إلى أرض الواقع الذي يدفع ثمنه الأبرياء من دمهم وشقاء عمرهم الذي تدمر، والجماعات كما أثبت الواقع وإن حكمت البلدان فهي تبقى تتصرف كجماعات وليس كدولة أي أنها تحسب حساب سلامة أتباعها فقط ولذا تؤمنهم بالأنفاق تحت الأرض وتترك المدنيين ليتلقوا رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي ولم تبنِ ملاجئ للمدنيين تحميهم من رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي رغم تاريخ المجازر الطويل بحق مواطنيها، ومهما كانت كثافة الصواريخ والمسيّرات التي ضربت إسرائيل من لبنان واليمن والعراق وإيران فهي لم تحدث أضرارا تذكر في إسرائيل ولم توقف الهجمة الإسرائيلية على غزة، فما هو جدواها إذاً؟ ويصدق فيها المثل القائل نجحت العملية لكن مات المريض، فعملية 7 أكتوبر تسببت بموت غزة، ولذا طالما لم يطرح التساؤل عن جدوى الضربات ضد إسرائيل ستبقى دورات الانتقام الإسرائيلي والدمار الشامل والمجازر المروعة تتكرر باستمرار بشكل عبثي عدمي، ومن يعارضون طرح التساؤل عن الجدوى هم الآمنون من عواقب عدم طرح هذا التساؤل ولذا لديهم رفاهية تبني الشعارات الطوباوية عن المقاومة فأبناؤهم وأمهاتهم ليسوا تحت القصف الإسرائيلي، ومن يحب الفلسطينيين واللبنانيين وبقية العرب بصدق لن يقبل بتعريضهم لأهوال رد الفعل الإسرائيلي الانتقامي على عمليات لا تحقق أي جدوى على أرض الواقع، آن الأوان لإيقاف استهانة الجماعات بقيمة دماء الشعوب ولن تتوقف هذه الاستهانة حتى يسود التيار العقلاني الواقعي بدل التيار الشعاراتي الذي يبني قصوراً بالهواء ويستجلب سفك الدماء والدمار والتهجير على الشعوب، ويمثل التيار العقلاني الواقعي رأي الشيخ الألباني المعارض لعمليات الجماعات والأفراد ضد إسرائيل.