من حكايات سائقي الشاحنات
كابينات القيادة غرف نومهم.. محطات الوقود ملتقاهم
الجمعة / 01 / ربيع الثاني / 1446 هـ الجمعة 04 أكتوبر 2024 03:22
فليح ملاك الصخيل (رفحاء) flaih102@
بحثاً عن لقمة العيش، يعيش سائقو الشاحنات حياة شاقة في ظل ظروف عملهم الصعبة وغير المستقرة، إذ يقضونها بالتنقل بين المحافظات ومدن السعودية المترامية الأطراف ودول الخليج وبلاد الشام، كل ذلك في سبيل إيصال البضائع من المصانع والموانئ وغيرها. تجدهم في كل مكان، يعشقون دائماً الطرق السريعة والطويلة كل همهم إيصال ما كلفوا به. تختصر أحلام كثير من هذه الفئة، الذين يجلسون خلف المقود لأيام، في حياة هادئة مستقرة يغيبون عن أحبائهم وعائلاتهم بالشهور؛ سعياً لمقابلة تكاليف الحياة وتحقيق أمنياتهم في تعليم أبنائهم وتجنيبهم سؤال الناس والعودة إلى بلدانهم سالمين.. هم على سفر دائم ولا توجد لهم مواقع إقامة ثابتة.
عمل الشاحنات يتلخص في نقل البضائع والخيرات من مدينة إلى أخرى، ومن وطن إلى آخر، وفي الوقت نفسه تحمل الشاحنات الخطر بين مقدمتها وخلفها مع أنها حلقة الوصل وناقلة الخير ولا يستطيع الناس الاستغناء عنها، فهي ناقلات الخير لكنها أيضاً هي مسببات الهلاك، إذ إن البعض يرهق نفسه في القيادة يكون همه متى يصل إلى بلد التنزيل والتحميل ويسابق الزمن على حساب صحته، ما يسبب لبعضهم الأرق والتعب فيكون عرضة للحوادث المرورية.
«عكاظ» التقت العديد من سائقي الشاحنات على الطريق الدولي الذي يربط بين المملكة ودول الخليج وبلاد الشام.
شاحنتي غرفة نومي!
عبدالله السمير (58عاما)، حياته على الطرق السريعة بين الجبيل ونيوم، يقول:
أعمل سائقاً للشاحنات، ولي في هذا المجال أكثر من 27 عاماً، ومازلت أمارس المهنة وكلي شرف واعتزاز أن أكون جندياً أساهم في خدمة وطني في أي مجال، هي مهنة شريفة أستطيع أن أكسب منها الرزق الطيب والحلال دون أن أمد يدي لغيري والحمد لله على كل شيء. والآن أقوم بنقل الحديد الصلب من الجبيل إلى مدينة نيوم، وأعيش أغلب أيامي في الطرق السريعة.
أما الأردني موسى (سائق الترانزيت) فيقول لـ«عكاظ»: إنه يمتهن المهنة منذ ثلاثة عقود، ويعيش خلف مقود الشاحنة سائقاً، متخذا المكان المعد للنوم بمثابة غرفته الأثيرة، فحياته مؤرقة ويكدح لإعاشة أسرته وعائلته. وعن تغير الحياة والعمل خلال الـ30 عاماً ذكر أنه قديماً كانت المدة المطلوبة لنقل البضائع ستة أيام، وتكون أمورهم فيها سعة التنقل والراحة، أما الآن فقد تم تقليص مدة إيصال البضائع من المورد إلى المستقبل أربعة أيام، وهي مرهقة، إذ يأخذ الوقت المحدد قسطه من الراحة ومعالجة الأعطال التي تصادفه بالطريق، فالشاحنة أضحت رفيقه في الحياة عوضاً عن عائلته، فمهنة قيادة الشاحنات صعبة، وأصعب أوقات القيادة تكون في الأعياد وفي رمضان، إذ يكون السائق مضطراً للبعد عن أسرته.
لقاءات محطات الوقود
أشرف حيدر، ذكر أنه يعمل في المهنة منذ ست سنوات، فالغربة مؤلمة، لكن ظروف المعيشة أجبرته على العمل في هذا النشاط، فهو متزوج ولديه طفل لا يعرفه إلا من خلال وسائل التواصل، عام كامل لم يرَ طفله الوليد. أما أخطر محمد، الذي يعمل بين الرياض والقريات وأحياناً إلى مناطق جنوب السعودية، فإنه يرى أن مكان اللقاء المفضل مع أصدقائه السائقين هو محطات التزود بالوقود يتناولون فيها وجباتهم. ويرى زميله شكير، أنه من الأفضل له شخصياً تناول طعامه في كابينة الشاحنة خصوصاً في الشتاء، فالبرد على الطرق السريعة لا يطاق. أما حسام فيقول: إن رائحة عوادم الشاحنات ومئات السيارات العابرة تفقده لذة الطعام «بسبب حرصي على سرعة الوصول يكون إفطاري (السندويتش)، فالغربة ثمنها غالٍ، لكن هذه هي ظروف الحياة أحياناً أتوقف للراحة لتجهيز وجبة الغداء، وإذا صادفت أحداً من أبناء جلدتي أقاسمه الوجبة لتخفيف ضغوط الغربة».
السعيد والبعد عن شريكة حياته!
محمود العايد (55 عاماً)، ما إن سئل عن حياته في غياب أسرته، تجرع الكلمات وخنقته العبرات، مشيراً إلى أن الغربة وبعده عن أطفاله أكثر شيء يشعره بالحزن، خصوصاً في الأعياد ورمضان، لافتاً إلى أن بعده عنهم يشعرهم بالألم لفقده، إذ أمضى 15 عاماً بعيداً عنهم إلا بما يحصل عليه من إجازات متقطعة، وبالقدر ذاته من الحزن يشعر إرياش (37 سنة) بالحنين لأطفاله الثلاثة، متمنياً أن يقضي مزيداً من الوقت بينهم «لكن هي ظروف الحياة وكسب الأرزاق». ولا ينسى ارياش عندما علم بمرض والده ووالدته وقلقه عليهما وهو بعيد عنهما، وعجزه عن مواجهة بعض الأزمات الأسرية التي تحدث في غيبته .
أما أحمد السعيد، حديث العهد بالزواج فيعيش حياته خلف المقود ويشعر بتقصيره تجاه زوجته، لكن الظروف أجبرته على الابتعاد عنها، ويستعيض عن ذلك باستخدام وسائل التواصل والبرامج التي تساهم على التواصل بالصوت والصورة بأقل التكاليف مع أسرته. مؤكداً أنه يستعمل السماعة أثناء القيادة خشية المخالفات المرورية، ويقطع المسافات يتحدث مع والديه وأهله وأصحابه. أما أبو راكان المحمد (سعودي الجنسية)، الذي يعمل سائقاً لشاحنة، فيقول العمل الشاق يقتل فرحة العيد والجلوس بين الأهل والأقارب «أحيانا أجاهد نفسي ولا أنام إلا قليلاً كي أقضي لو جزءاً بسيطاً من العيد بين أبنائي».
غياب الأب.. الثغرات والمعالجات
الأخصائي الاجتماعي مسفر محمد آل عوض، يرى أن ما يتعرض له سائقو الشاحنات من متاعب في السفر ومشاق الطرقات الطويلة المحلية أو الدولية والبعد الاجتماعي والغياب في التواصل مع عائلاتهم ومع المجتمع يسبب لهم كل ذلك ضغوطات نفسية وعزلة فيه نتيجة السفر؛ فضلاً عن إحساسهم بعدم متابعة أسرهم وأطفالهم ما يضعهم تحت ضغط نفسي حاد لاعتقادهم أن أطفالهم قد يتعرضون للانحراف السلوكي والتفكك. ومن الضغوطات أيضاً النظرة القاصرة من البعض للمهنة فأخلاق الإنسان وسلوكه هو المعيار الأخير في كل عمل وزمان ومكان.
أما الأخصائي النفسي الدكتور محمد بحل التومي، فيقول: إن العمل في مهنة قيادة الحافلات مؤثر جداً في حياة الإنسان وفي التربية، فحضور الأم مهم إلا أن حضور الأب جزء لا يتجزأ من مؤسسة الأسرة أيضاً، فالأب قدوة يجب أن يقلدها الأبناء، إذ يرشدهم وينصحهم ثم يوجههم ويصحح الأخطاء وغيرها، إن مسؤولية الأب هي الاهتمام بالنمو النفسي لأطفاله، وتوجيههم في الاتجاه الصحيح، ومساعدتهم على أن يصبحوا أكثر توافقاً وانسجاماً مع أنفسهم ومع الآخرين، والإحساس بالشعور العاطفي المتبادل بين الأب والأبناء يشعرهم بقرب والدهم منهم، وبالتالي تحسين شخصيتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، فيتشكل ضمير الأبناء ومثلهم العليا. ويضيف التومي، أن الأبحاث العلمية تشير إلى أن غياب الأب له تأثيرات سلبية كثيرة على الأبناء، فحرمان الطفل من حنان أبيه يؤثر على نموه الثقافي والشخصي، ويعاني الطفل من عدم التوازن العاطفي في الأسرة، وينتج عن ذلك صراعات نفسية، يمكن أن يؤدي الحرمان أيضاً إلى الاضطرابات السلوكية والمسلكية وضعف الثقة بالنفس وضعف الانضباط وقلة التركيز وضعف الأداء الدراسي وانخفاض معدلات التفاعل الاجتماعي.
تعزيز عواطف الولد والبنت
يضيف الأخصائي التومي قائلاً: إن الأطفال يحتاجون إلى وجود وتكوين شخصية أب واضحة لإشباع كافة الحاجات الداخلية النفسية والمادية والثقافية، وتشكل الحاجات أساساً جيداً لتشكيل الشخصية بما في ذلك احتياجات التفاهم والحب والأمان وتوكيد الذات والقدرات المتبلورة، واكتساب الشعور بالانتماء. ولا يمكن أن تحدث أي من الحالات المذكورة في غياب الأب عن الأسرة، إذ يعد الغياب أحد العوامل التي تؤدي إلى اضطرابات النمو الفكرية والنفسية والجسدية، خصوصاً في الفئة العمرية من سنتين إلى ست سنوات. وفي غياب الأب يصعب على الأطفال رؤية الحياة من حيث جنسهم؛ لذلك وجدنا أن الأطفال البعيدين عن آبائهم لديهم مشاعر أكثر حساسية، ويترددون في سلوكهم، كما يتعلم الأبناء والبنات دورهما، إذ يكتسب الأولاد الصفات الذكورية من طريقة والدهم في ارتداء الملابس والتحدث ومعاملة الآخرين، بينما يعمل الأب على تعميق إحساس الفتاة بالدور الأنثوي من خلال معاملتها اللطيفة، ما يعزز عواطفها الأنثوية ويدعم قبولها لذاتها ونجاحها في تحقيق الانسجام النفسي والاجتماعي.
عمل الشاحنات يتلخص في نقل البضائع والخيرات من مدينة إلى أخرى، ومن وطن إلى آخر، وفي الوقت نفسه تحمل الشاحنات الخطر بين مقدمتها وخلفها مع أنها حلقة الوصل وناقلة الخير ولا يستطيع الناس الاستغناء عنها، فهي ناقلات الخير لكنها أيضاً هي مسببات الهلاك، إذ إن البعض يرهق نفسه في القيادة يكون همه متى يصل إلى بلد التنزيل والتحميل ويسابق الزمن على حساب صحته، ما يسبب لبعضهم الأرق والتعب فيكون عرضة للحوادث المرورية.
«عكاظ» التقت العديد من سائقي الشاحنات على الطريق الدولي الذي يربط بين المملكة ودول الخليج وبلاد الشام.
شاحنتي غرفة نومي!
عبدالله السمير (58عاما)، حياته على الطرق السريعة بين الجبيل ونيوم، يقول:
أعمل سائقاً للشاحنات، ولي في هذا المجال أكثر من 27 عاماً، ومازلت أمارس المهنة وكلي شرف واعتزاز أن أكون جندياً أساهم في خدمة وطني في أي مجال، هي مهنة شريفة أستطيع أن أكسب منها الرزق الطيب والحلال دون أن أمد يدي لغيري والحمد لله على كل شيء. والآن أقوم بنقل الحديد الصلب من الجبيل إلى مدينة نيوم، وأعيش أغلب أيامي في الطرق السريعة.
أما الأردني موسى (سائق الترانزيت) فيقول لـ«عكاظ»: إنه يمتهن المهنة منذ ثلاثة عقود، ويعيش خلف مقود الشاحنة سائقاً، متخذا المكان المعد للنوم بمثابة غرفته الأثيرة، فحياته مؤرقة ويكدح لإعاشة أسرته وعائلته. وعن تغير الحياة والعمل خلال الـ30 عاماً ذكر أنه قديماً كانت المدة المطلوبة لنقل البضائع ستة أيام، وتكون أمورهم فيها سعة التنقل والراحة، أما الآن فقد تم تقليص مدة إيصال البضائع من المورد إلى المستقبل أربعة أيام، وهي مرهقة، إذ يأخذ الوقت المحدد قسطه من الراحة ومعالجة الأعطال التي تصادفه بالطريق، فالشاحنة أضحت رفيقه في الحياة عوضاً عن عائلته، فمهنة قيادة الشاحنات صعبة، وأصعب أوقات القيادة تكون في الأعياد وفي رمضان، إذ يكون السائق مضطراً للبعد عن أسرته.
لقاءات محطات الوقود
أشرف حيدر، ذكر أنه يعمل في المهنة منذ ست سنوات، فالغربة مؤلمة، لكن ظروف المعيشة أجبرته على العمل في هذا النشاط، فهو متزوج ولديه طفل لا يعرفه إلا من خلال وسائل التواصل، عام كامل لم يرَ طفله الوليد. أما أخطر محمد، الذي يعمل بين الرياض والقريات وأحياناً إلى مناطق جنوب السعودية، فإنه يرى أن مكان اللقاء المفضل مع أصدقائه السائقين هو محطات التزود بالوقود يتناولون فيها وجباتهم. ويرى زميله شكير، أنه من الأفضل له شخصياً تناول طعامه في كابينة الشاحنة خصوصاً في الشتاء، فالبرد على الطرق السريعة لا يطاق. أما حسام فيقول: إن رائحة عوادم الشاحنات ومئات السيارات العابرة تفقده لذة الطعام «بسبب حرصي على سرعة الوصول يكون إفطاري (السندويتش)، فالغربة ثمنها غالٍ، لكن هذه هي ظروف الحياة أحياناً أتوقف للراحة لتجهيز وجبة الغداء، وإذا صادفت أحداً من أبناء جلدتي أقاسمه الوجبة لتخفيف ضغوط الغربة».
السعيد والبعد عن شريكة حياته!
محمود العايد (55 عاماً)، ما إن سئل عن حياته في غياب أسرته، تجرع الكلمات وخنقته العبرات، مشيراً إلى أن الغربة وبعده عن أطفاله أكثر شيء يشعره بالحزن، خصوصاً في الأعياد ورمضان، لافتاً إلى أن بعده عنهم يشعرهم بالألم لفقده، إذ أمضى 15 عاماً بعيداً عنهم إلا بما يحصل عليه من إجازات متقطعة، وبالقدر ذاته من الحزن يشعر إرياش (37 سنة) بالحنين لأطفاله الثلاثة، متمنياً أن يقضي مزيداً من الوقت بينهم «لكن هي ظروف الحياة وكسب الأرزاق». ولا ينسى ارياش عندما علم بمرض والده ووالدته وقلقه عليهما وهو بعيد عنهما، وعجزه عن مواجهة بعض الأزمات الأسرية التي تحدث في غيبته .
أما أحمد السعيد، حديث العهد بالزواج فيعيش حياته خلف المقود ويشعر بتقصيره تجاه زوجته، لكن الظروف أجبرته على الابتعاد عنها، ويستعيض عن ذلك باستخدام وسائل التواصل والبرامج التي تساهم على التواصل بالصوت والصورة بأقل التكاليف مع أسرته. مؤكداً أنه يستعمل السماعة أثناء القيادة خشية المخالفات المرورية، ويقطع المسافات يتحدث مع والديه وأهله وأصحابه. أما أبو راكان المحمد (سعودي الجنسية)، الذي يعمل سائقاً لشاحنة، فيقول العمل الشاق يقتل فرحة العيد والجلوس بين الأهل والأقارب «أحيانا أجاهد نفسي ولا أنام إلا قليلاً كي أقضي لو جزءاً بسيطاً من العيد بين أبنائي».
غياب الأب.. الثغرات والمعالجات
الأخصائي الاجتماعي مسفر محمد آل عوض، يرى أن ما يتعرض له سائقو الشاحنات من متاعب في السفر ومشاق الطرقات الطويلة المحلية أو الدولية والبعد الاجتماعي والغياب في التواصل مع عائلاتهم ومع المجتمع يسبب لهم كل ذلك ضغوطات نفسية وعزلة فيه نتيجة السفر؛ فضلاً عن إحساسهم بعدم متابعة أسرهم وأطفالهم ما يضعهم تحت ضغط نفسي حاد لاعتقادهم أن أطفالهم قد يتعرضون للانحراف السلوكي والتفكك. ومن الضغوطات أيضاً النظرة القاصرة من البعض للمهنة فأخلاق الإنسان وسلوكه هو المعيار الأخير في كل عمل وزمان ومكان.
أما الأخصائي النفسي الدكتور محمد بحل التومي، فيقول: إن العمل في مهنة قيادة الحافلات مؤثر جداً في حياة الإنسان وفي التربية، فحضور الأم مهم إلا أن حضور الأب جزء لا يتجزأ من مؤسسة الأسرة أيضاً، فالأب قدوة يجب أن يقلدها الأبناء، إذ يرشدهم وينصحهم ثم يوجههم ويصحح الأخطاء وغيرها، إن مسؤولية الأب هي الاهتمام بالنمو النفسي لأطفاله، وتوجيههم في الاتجاه الصحيح، ومساعدتهم على أن يصبحوا أكثر توافقاً وانسجاماً مع أنفسهم ومع الآخرين، والإحساس بالشعور العاطفي المتبادل بين الأب والأبناء يشعرهم بقرب والدهم منهم، وبالتالي تحسين شخصيتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، فيتشكل ضمير الأبناء ومثلهم العليا. ويضيف التومي، أن الأبحاث العلمية تشير إلى أن غياب الأب له تأثيرات سلبية كثيرة على الأبناء، فحرمان الطفل من حنان أبيه يؤثر على نموه الثقافي والشخصي، ويعاني الطفل من عدم التوازن العاطفي في الأسرة، وينتج عن ذلك صراعات نفسية، يمكن أن يؤدي الحرمان أيضاً إلى الاضطرابات السلوكية والمسلكية وضعف الثقة بالنفس وضعف الانضباط وقلة التركيز وضعف الأداء الدراسي وانخفاض معدلات التفاعل الاجتماعي.
تعزيز عواطف الولد والبنت
يضيف الأخصائي التومي قائلاً: إن الأطفال يحتاجون إلى وجود وتكوين شخصية أب واضحة لإشباع كافة الحاجات الداخلية النفسية والمادية والثقافية، وتشكل الحاجات أساساً جيداً لتشكيل الشخصية بما في ذلك احتياجات التفاهم والحب والأمان وتوكيد الذات والقدرات المتبلورة، واكتساب الشعور بالانتماء. ولا يمكن أن تحدث أي من الحالات المذكورة في غياب الأب عن الأسرة، إذ يعد الغياب أحد العوامل التي تؤدي إلى اضطرابات النمو الفكرية والنفسية والجسدية، خصوصاً في الفئة العمرية من سنتين إلى ست سنوات. وفي غياب الأب يصعب على الأطفال رؤية الحياة من حيث جنسهم؛ لذلك وجدنا أن الأطفال البعيدين عن آبائهم لديهم مشاعر أكثر حساسية، ويترددون في سلوكهم، كما يتعلم الأبناء والبنات دورهما، إذ يكتسب الأولاد الصفات الذكورية من طريقة والدهم في ارتداء الملابس والتحدث ومعاملة الآخرين، بينما يعمل الأب على تعميق إحساس الفتاة بالدور الأنثوي من خلال معاملتها اللطيفة، ما يعزز عواطفها الأنثوية ويدعم قبولها لذاتها ونجاحها في تحقيق الانسجام النفسي والاجتماعي.