كتاب ومقالات

جوّي وجوّك!

مريم العصيمي MahaAlo02542542@

من عجائب العصر الحديث التطرُّف في كل شيء، والتناقض في كل مكان.. نجد شديد التديُّن وشديد الانفتاح.. نجد كثير العمل والمهمل.. نجد الأكول والمهووس بالرياضة ومتناول الأكل الصحي.. نجد من يفني حياته في الدراسة ومن يرى الشهادة بلا قيمة.. نجد الصارم الملتزم وشديد التفاهة!

الناس، سابقاً، كانوا على سمة واحدة؛ الوسطية أو ما نسميه (العاديين)، بينما اليوم جلَّ ما نراه: التطرف في كل شيء، أصبح ميزة وكلٌ مفتخر بتميزه أو تطرفه، والأشد غرابة هو عدم تقبلهم لبعض.

الفراغ وسرعة التغيرات ودخول وسائل التواصل في حياتنا أحد الأسباب.. اليوم يجب أن تكون لك سمة معينة حتى يتابعك الناس، ومتابعتهم وإعجابهم أو حتى نفورهم قد يكون سبباً في شهرتك ومن ثم ثرائك، وهذا أحد أسباب التطرف، فحين يتابعك الناس لسبب أو صفة ما، ستحاول بشدة التركيز عليها وإبرازها أكثر، والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، والدفاع عنها بشكل مستميت ضد كل ناقد، لأنها أصبحت بوابتك إلى الشهرة.

لذلك؛ نجد الناس شديدي الانشغال في أمر ما ومتطرفين فيه، رغم فراغهم في نواحٍ أخرى وخصوصاً الفراغ الاجتماعي، أمر قد يكون محزناً بعض الشيء لكنه أصبح واقعاً، وبدأنا نتقبله ونقسم الناس بناءً عليه، فعندما يذكر أمامنا أسم ما سيتبادر إلى أذهاننا تلقائياً «ما سبب شهرته؟» ثم نصنفه؛ إما يستحق المتابعة أو لا، وحتى في التعرف على الناس سنبدأ بالسؤال «ما اهتماماته؟» ثم نصنفه إن كان مناسباً للصداقة أم لا، بعكس ما كان سابقاً، حيث في كل مجموعة أفراد مختلفين بأفكارهم وتوجهاتهم وتميزهم، ما يجعل منها تناغماً فريداً يفتح أبواباً لتجارب مدهشة وذكريات لا تنسى.

كف عن الانشغال بما هو فارغ.. لا تبحث عن أشباهك في كل أمر.. لا تتطرف في أمورك.. تقبل الناس في حياتك، لأنك حتماً ستتعلم منهم حتى لو كانوا بلا تصنيف وكانوا مجرد ناس عاديين.. استبعد من حياتك عبارة «فلان ما هو على جويّ»!