عندما يكون المكان لغة الحديث عن الأوفياء
الأحد / 08 / جمادى الأولى / 1446 هـ الاحد 10 نوفمبر 2024 17:20
خالد بن سعد الحارثي *
كلمات التعبير دائماً تحمل على غزارة المعاني؛ لتشق طريقها عبر فضاء الوفاء الذي يصنعه أناسٌ بذلوا المعروف ليكون لهم رصيداً داخل قلوبهم، خاصة عندما تكون مثل هذه العينة مها بنت طاهر الزايدي المساعدة للشؤون التعليمية بالإدارة العامة للتعليم بمحافظة الطائف، التي قطعت ثلاثة عقود من الزمان في حمل أمانة بناء العقول وصناعة التربية في أبهى صوره؛ لتترك بعد ذلك فراغاً ومكاناً يكون لغة الحديث عن الأوفياء، مع ترجلها عن صهوة القيادة الفذة في أوج عطائها وقمة تفانيها المبهر.
لقد رحلت فارسة الميدان العلمي والتربوي في الطائف المأنوس، مخلفة إرثاً كبيراً من العطاء الذي لا ينضب.. حتى وإن بقي ما قدمته ذكرى جميلة تردده العقول التي قدمت من يديها في خدمة الوطن بشتى التخصصات.. فشكراً على عدد ما كتبتِ ودونتِ من فكر وعلم لطالباتك ممن شققن دروبهن في الحياة العلمية وصولاً لمستقبلهن الحافل بالعطاء إن شاء الله.
هذه الفارسة.. سيدة الإتقان والعمل الدؤوب السامق، الذي يقف شامخاً أمام من ينظر إلى طريق النجاح والعطاء أنه طويل.. الذي سرعان ما يتلاشى هذا الفكر أمام العزيمة الصادقة وقوة الإرادة في تقديم الإنجاز المبهر والعمل المتكامل.. فأي حروف يستحضرها التعبير والكتابة عن مثل هذه الشخصيات؟! وذلك في حقولنا التعليمية وبيئاتنا العربوية.
ولكن لا نقول في حق مها الزايدي إلا ما يخرج منا من إيجاز الأحرف وصدق العبارات التي نبوح بها من داخل قلوبنا.. والدعاء لها بالتوفيق في مسيرتها بعد مغادرة ميدان التعليم.. ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه النماذج الباذلة المعطاءة العاملة الوضاءة.. بنكهة الطموح الكبير والحس الجاد والبصيرة النافذة.. مجسدة الفكر المبني على أن النجاح لا يتأتى إلا بروح الفريق الواحد الذي يبدع ويترك للإبداع أن يتحدث عن نفسه ويظهر تفوقه لكل منصف، لا يعترف بتلك الزوايا الضيقة التي تهضم الحقوق وتصادر المنجزات.
لقد كانت مسيرتها التعليمية بارزة المعالم واثقة الخطى بينة الملامح في لين وحكمة ورفق مع كل من تعامل معها قريباً كان أو بعيداً صغيراً كان أو كبيراً.. إجماع عجيب من القاصي والداني على هذه الشخصية التي نبذت كل حظوظ النفس وحيثياتها والأنا ومعطياتها.
فلقد كان لتربيتها الدينية أثراً واضحاً وكبيراً في تعاملها الخلاق وأخلاقياتها السامية وقيمها العظيمة وأهدافها التربوية العالية..
كانت وما زالت تلك الإنسانة الوفية لدينها ومليكها ووطنها نموذجاً يزخر بكل ما من شأنه خدمة التعليم والسير به صعوداً، بل لو نظرنا للجانب الشخصي سنجدها تلك الابنة البارة التي لم تألو جهداً في برها العظيم بوالديها ورعايتهما والاهتمام بهما، بكل حب فائق وحس صادق وشعور مفعم بكل إيجابية.
ترجلت هذه الفارسة الأصيلة، وهي ما زالت قادرة على العطاء، قادرة على البذل..
ترجلت في وقت مبكر لتؤكد للجميع أنها بعيدة جدّاً عن أي مماحكات أو مهاترات..
ولا أبالغ إن قلت أن تقاعدها المبكر يعتبر خسارة فادحة لمسيرة التعليم في الطائف..
لكن هذه الروح المتوثبة والنفس الأبية تنأى بنفسها عن أن تخوض أمراً هي أكبر منه وأشرف من أن تنساق له.
ولو أني بليت بهاشمي
خؤولته بني عبد المداني
لهان علي ما ألقى ولكن
تعالوا وانظروا بمن ابتلاني
ترجلت هذه السيدة بهدوء وهي في قمة مجدها وسمو جهدها لتبقى لها الصدارة في تلك المسيرة التعليمية العامرة بكل خير.
وسيظل التعليم يذكر لهذه الشامخة تاريخها المتألق ومسيرتها المباركة.. وسترويه الأيام لليالي، وستبقى كل لحظة عاشتها في مسيرتها التعليمية علامة فارقة وشامة حسن على خد الزمن.
* المستشار القانوني