كتاب ومقالات

البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية

فراس طرابلسي

شهد قطاع التطوير العقاري في المملكة العربية السعودية تطورًا كبيرًا بفضل الأنظمة والتشريعات التي تهدف إلى حماية حقوق المشترين وتعزيز الشفافية في السوق العقارية. نظام البيع على الخارطة يُعد واحدًا من الأدوات المهمة التي ساهمت في تمكين المطورين من تنفيذ مشاريعهم عبر توفير تمويل مسبق، مما فتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة. ورغم أهمية هذا النظام ودوره الكبير في تحفيز السوق العقارية، فإن بعض التجاوزات من قبل بعض مقاولي البناء والمطورين غير الملتزمين ألقت بظلالها السلبية على ثقة المشترين في هذا القطاع.

يعتمد نظام البيع على الخارطة على التزام المطورين بشروط وضوابط تضعها الجهات المختصة لضمان جودة المشاريع وحماية حقوق المشترين. ولكن ظهرت بعض الحالات التي يقوم فيها المقاولون بالتسويق لمشاريعهم دون الحصول على التراخيص اللازمة مثل شهادة «وافي» أو إنشاء حساب ضمان مخصص للمشروع. هؤلاء المقاولون يستغلون رغبة المشترين في الاستثمار ويستخدمون وسائل تسويقية جذابة لإقناعهم بالدفع المسبق، ثم يتضح لاحقًا أن المشروع يعاني من مشاكل كبيرة مثل العشوائية، التأخير، أو حتى التوقف التام.

برنامج «وافي»، الذي أطلقته وزارة البلديات والإسكان، جاء كحل لضبط سوق البيع على الخارطة وتعزيز الثقة في المشاريع العقارية. شهادة «وافي» تُعد أحد أهم متطلبات النظام، حيث تضمن أن المطور العقاري يتمتع بالكفاءة المالية والتنظيمية اللازمة لتنفيذ المشروع. كما يُلزم النظام بإنشاء حساب ضمان يتم فيه إيداع أموال المشترين، مما يضمن استخدامها فقط لتطوير المشروع. هذه الآلية ساهمت في حماية حقوق المشترين وتقليل المخاطر المرتبطة بالمشاريع غير الموثوقة.

ولتفادي التجاوزات وضمان الالتزام بالأنظمة، وضعت الجهات المختصة عقوبات صارمة تشمل فرض غرامات مالية تصل إلى مليوني ريال، إيقاف نشاط المطور أو المشروع المخالف، إلغاء المشروع وإعادة الأموال للمشترين، وإحالة المخالفين للجهات القضائية في حال ثبوت التحايل أو التلاعب. هذه الإجراءات تعكس حرص المملكة على تنظيم السوق العقارية وتحقيق التوازن بين حقوق المشترين ودعم المطورين الملتزمين.

على الجانب الإيجابي، هناك العديد من المطورين الذين التزموا بالأنظمة وحققوا نجاحات بارزة في مشاريعهم. هذه النجاحات تعكس كيف يمكن لنظام البيع على الخارطة أن يكون أداة فعّالة لتطوير السوق إذا ما تم الالتزام بالضوابط والشروط. على سبيل المثال، بعض المشاريع المرخصة تحت برنامج «وافي» حققت نسب رضا عالية بين المشترين بفضل الشفافية وجودة التنفيذ. بعض هذه المشاريع أصبحت نموذجًا يُحتذى به لتطوير العقارات في المملكة.

لحماية حقوقهم، يجب على المشترين أن يكونوا أكثر وعيًا عند اتخاذ قرارات الاستثمار. التحقق من وجود شهادة «وافي» وحساب الضمان هما خطوتان أساسيتان قبل دفع أي مبالغ. كما يُنصح بالتأكد من سمعة المطور العقاري والاطلاع على قائمة المشاريع المرخصة من الجهات المختصة. هذه الخطوات لا تضمن فقط سلامة الاستثمار، بل تسهم في تعزيز الثقة العامة بالسوق العقارية ككل.

مع تطور السوق العقارية في المملكة، يُتوقع أن يساهم برنامج «وافي» بشكل أكبر في تحقيق رؤية 2030 من خلال تعزيز استدامة القطاع العقاري وتوفير بيئة استثمارية آمنة. كما أن استمرار الجهود الرقابية وتوعية المشترين يمثلان عنصرين أساسيين في تعزيز الشفافية وضمان الالتزام. ومع الالتزام المشترك بين الجهات التنظيمية والمطورين والمشترين، يمكن أن يصبح نظام البيع على الخارطة نموذجًا يُحتذى به في تنظيم السوق العقارية وتعزيز الثقة بين جميع الأطراف.

إجمالاً، يمثل البيع على الخارطة فرصة كبيرة لدفع عجلة التنمية العقارية، بشرط الالتزام بالمعايير والضوابط التي وضعتها الجهات التنظيمية. التوازن بين دعم المطورين وحماية حقوق المشترين سيظل الركيزة الأساسية لتطوير هذا القطاع الواعد، الذي يحمل الكثير من الفرص لتلبية الاحتياجات السكنية وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى.