كتاب ومقالات

كيف سقطت حلب؟!

رامي الخليفة العلي

كانت مدينة حلب في العام 2016 مسرحًا لصراعات متعددة الأبعاد، تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، حيث انخرطت أطراف عديدة في محاولة لرسم مستقبل هذه المدينة التي كانت يومًا ما قلبًا نابضًا للتجارة والثقافة في سوريا. في ذلك العام، خرجت المعارضة السورية من أحياء حلب الشرقية بعد عمليات عسكرية قاسية استمرت لما يقارب ثلاث سنوات، وشهدت خلالها المدينة دمارًا واسعًا وتشريدًا للسكان. اليوم، تعود هيئة تحرير الشام، المصنفة منظمة إرهابية في كثير من الدول، والفصائل المتحالفة معها للسيطرة على المدينة بشكل كامل، مما يجعل عودة قوات الحكومة إلى حلب أمرًا بالغ الصعوبة في ظل المتغيرات الحالية. تبدو هذه المرة مختلفة عن السابقة؛ فسيطرة هيئة تحرير الشام ليست مجرد احتلال لأحياء معزولة، بل هي سيطرة كاملة على المدينة، مدعومة بتحولات عسكرية وإستراتيجية كبيرة. بينما كانت المعارضة سابقًا تعتمد على حرب العصابات والدفاع من داخل الأحياء، فإن هيئة تحرير الشام تعمل اليوم كجيش نظامي، ببناء خطوط دفاعية خارج المدينة، مما يعكس تغيرًا كبيرًا في تكتيكات المواجهة وطبيعة المعركة. هذا التحول يضع الحكومة السورية أمام تحدٍّ كبير، خاصة مع تراجع قدراتها العسكرية وتقلص الدعم الروسي. روسيا، التي كانت تشكّل دعامة أساسية للحكومة السورية، أصبحت منشغلة الآن بحرب شرسة في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى استنزافها عسكريًا واقتصاديًا، مما أضعف دورها في سوريا بشكل كبير. هناك آراء تذهب إلى أن روسيا ربما تكون متفاهمة من تحت الطاولة مع تركيا لإضعاف وجود بعض الأطراف الدولية الأخرى التي تنافسها في سوريا. هذا التراجع انعكس بشكل واضح على مستوى الدعم الجوي واللوجستي الذي كانت تقدمه للحكومة السورية، حيث سحبت معظم قواتها الجوية وأبقت على عدد محدود من الطائرات، وهي غير كافية لتغطية المساحات الشاسعة التي تسيطر عليها المعارضة. هذا الانشغال الروسي يفتح المجال أمام تحولات جديدة في المعادلة الميدانية، ويعطي للمعارضة فرصة لتعزيز مواقعها دون الخوف من ضربات جوية كثيفة كما كان الحال في السابق. من جهة أخرى، نجد أن الحليف الآخر للنظام، يواجه أيضًا تحديات كبيرة. فهو غارق في صراعات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل، حيث يتعرض أتباعه في سوريا لضربات إسرائيلية متكررة أضعفت من قوتهم وجعلتهم أقل فعالية على الأرض. إضافة إلى ذلك، تراجع الدعم اللوجستي والعسكري الذي كان يقدمه الحليف بسبب الضغوط الداخلية والتحديات الاقتصادية والسياسية، مما يجعل قدرته على مساعدة الحكومة السورية محدودة. أمام هذه التغيرات، يبدو أن الحكومة السورية باتت في موقف دفاعي، حيث تسعى جاهدة لبناء خطوط دفاعية محكمة حول المناطق الإستراتيجية مثل حمص، التي تربط الساحل بدمشق، لضمان عدم تقدم الفصائل المعارضة نحو هذه المناطق الحساسة. في المقابل، تسعى هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها إلى ترسيخ سيطرتها على المناطق التي استولت عليها، دون التوسع أكثر، تجنبًا لاستنزاف قواها في مواجهة مفتوحة قد لا تكون في صالحها. المشهد في حلب وسوريا عمومًا يعكس تحولات عميقة في موازين القوى، حيث أصبح الداعمون الرئيسيون للحكومة السورية منشغلين بقضاياهم الخاصة، مما أضعف من قدرة الحكومة السورية على استعادة المناطق التي فقدتها. هذا الواقع جعل الرئيس التركي أكبر المستفيدين من الوضع الحالي، حيث تمكّن من تعزيز نفوذه الإقليمي والاستفادة من تراجع الدعم الروسي للحكومة السورية. يبقى الوضع مفتوحًا على عدة احتمالات، لكن من المؤكد أن كلا الطرفين؛ الحكومة السورية والمعارضة، بحاجة إلى الاستعداد لمزيد من التقلبات في ظل غياب حل سياسي شامل للأزمة السورية.