كتاب ومقالات

بشّار المُفترى عليه !

حمود أبو طالب

لماذا يستنكر الناس البيان الذي أعلنه بشار الأسد ويسخرون منه ويشنّعون عليه، وهو قد اجتهد أن يكون بياناً ساخن الكلمات رغم صقيع موسكو؟ ولماذا لا يصدقون كلامه رغم أنه تفضل أخيراً وخاطب السوريين الذين أفنى وقته وجهده خلال فترة حكمه في خدمتهم كما يجب أن يفعل الحاكم الراشد الوطني المخلص؟

أيها العالم، كيف لا تصدق قول بشار: «لم أكن في يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصي، بل عددت نفسي صاحب مشروع وطني استمدّ دعمه من شعب آمنَ به»؟ ألا تتذكر أيها العالم كيف كان بشار زاهداً في المنصب بعد وفاة والده، وأنه لم يحدث تغييراً في الدستور لتسويغ وصوله إلى سدة الحكم، وأنه وصل إليها بطريقة ديموقراطية جداً جداً عبر انتخابات نزيهة شفافة جداً جداً، وأنه لولا إجماع وإصرار الشعب السوري عليه لما تخلى عن زهده في المنصب وتعففه عنه، ولبقي مواطناً عادياً كما كان؟

كيف تسخرون يا إخواننا السوريين من هذا الحاكم الذي تنعمتم في عهده بكل ما يرجوه المواطن من رخاء؟ كيف تناسيتم أن بشار كان صاحب مشروع وطني استمد دعمه منكم بعد إيمانكم به كما يذكّركم بذلك في بيانه؟ 24 عاماً من العهد الزاهر، آخر 14 عاماً منها كانت تتساقط عليكم براميل المنّ والسلوى من السماء، وتسرحون وتمرحون في حدائق «تدمر» وجنان «صيدنايا» ومثيلاتها من الحدائق والجنان التي ملأت أرض سورية طولاً وعرضاً. كيف تسخرون من خطابه وهو الحاكم الحصيف الذي جعل الليرة أقوى من الدولار، وجعل الاقتصاد السوري يزاحم اقتصادات مجموعة العشرين، وجعلكم تعيشون في أمن وأمان يندر مثله في البلدان؟ وأما في جانب الشجاعة والبسالة فقد أخطأتم في حق حاكم أكد لكم في بيانه أنه «رفض منذ اليوم الأول للحرب أن يقايض خلاص وطنه بخلاصه الشخصي، أو يساوم على شعبه بعروض وإغراءات شتى، وهو ذاته من وقف مع ضباط وجنود جيشه على خطوط النار الأولى»، كيف لكم أن تبخسوا حق هذا القائد الذي حارب من أجل ألا تكون سورية مزرعة للمليشيات أو قواعد روسيا أو المرتزقة من كل حدب وصوب، وناضل على خطوط النار في وجه إسرائيل لاستعادة الجولان، وحفظ لسورية سيادتها وقرارها؟!

إن بشار يدحض ببيانه كل التهم الجائرة بحقه، فهو لم يرتب هربه وإنما أصدقاؤه الروس أشفقوا عليه من انتحارية صموده في قاعدة حميميم ضد الثوار فأجبروه على المغادرة بعد أن «أصبح المنصب فارغاً لا معنى له، ولا معنى لبقاء المسؤول فيه» كما أكد في بيانه لا فض فوه. كما أنه قد غادر خالي الوفاض، لا «كاش» ولا ودائع بنكية بمئات ملايين الدولارات، ولا حتى شقة تؤويه في موسكو.

أيها العالم: لماذا هذه السخرية من حاكم جعل سورية في عهده أعجوبة من عجائب الدنيا؟ يا لك من عالم مفترٍ!!