كتاب ومقالات

رفاهية الاختيار

أسامة يماني

هل نملك رفاهية الاختيار؟ سؤال يستحق أن يطرحه الإنسان على نفسه. البحث الموضوعي قد يقود إلى أن رفاهية الاختيار مجرد حلم أو أسطورة لا يدركها الإنسان أو يعي دلالاتها. هذا لأن الإنسان بقصد أو دون قصد متحيز بطبيعته، يميل لما يألفه وينفر عمّا سواه. لهذا فمعظم قراراته مبنية على التحيّز. وقد سبق أن أشرت في مقال بعنوان (التحيّز الداء الخفي) إلى أن التحيّز في واقعه ميل طبيعي لمصلحة أو ضد فكرة أو كائن أو مجموعة أو فرد. غالباً ما يتم اكتسابه عبر التعلم، ويعتمد بشكل كبير على متغيرات مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشخص، والعرق، والجنس، والخلفية التعليمية، وما إلى ذلك. لهذا فقد لا يملك الإنسان رفاهية الاختيار. وقد قيل «هناك تحيّز واضح واعٍ، وتحيّز مستتر كامن غير واعٍ، وهناك تحيّز حاد وقوي، وتحيّز متوسط القوة أو ضعيف، حيث يتم التركيز على أفكار بعينها دون سواها، وهناك تحيّز معاكس لهذا حيث يتم التحيّز لعدد من الأفكار تنتمي لأنساق معرفية مختلفة ومتناقضة ويتم تبنيها كلها، وهناك تحيّز كلي وآخر جزئي، وهناك تحيّز ليس له نظير في الحضارات السابقة، وهو تحيّز واقعنا المادي، وهناك تحيّز داخل التحيّز، ضدنا، الذي يفرض علينا أنماطاً من السلوك تناسب المنظومة القيمية الغربية مثل السرعة والكفاءة والتنافس». لن يستطيع المرء أن يكون له اختيار كامل حر ومستنير في ظل النُسُق المعرفية التي تحكمه أو منظومة القيم الغربية التي تحكمنا.

الاختيار أسطورة صنعها الإنسان ليقرر طريق الآخرين الذين يختارون ذات الطريق أو النهج أو السلع دون وعي وإدراك. إذا عرف الإنسان هذا ووعيَه فإن خياراته ستكون أقل تأثيراً بالعوامل الأخرى مثل التعليم والدعاية والقناعات والقيم التي يتلقاها دون فحص وتمحيص وتمعّن.

الاختيار حلم يسعى له الإنسان الذي يظن أنه يمارس حريته بوعي، ويقرر خياراته بقصد، وفي واقعه أن خياراته تفرضها عليه جغرافية المكان والثقافة والعرق والجنس والوضع الاجتماعي والوظيفي والصحة، وغير ذلك من أمور قد لا يكون للإنسان أي اختيار له فيها وإنما فرضت عليه قبل أن يتشكّل وعيه. لهذا فإن الإنسان في حقيقته يحتاج إلى إعادة النظر في كلّ ما يعتقد أنه من المسلّمات أو يظن أنه حقيقة لا جدال فيها وذلك بواسطة الشك والتفكير والنظر الذي يمكن للإنسان أن يعيد مفهوم اختياره وتطويره سعياً لتحقيق حلمه في صنع قراره بعيداً عمّا يحيط به من مؤثرات.

غير أن البعض يرى أن «الاختيار معدوم من الوجود جملة، وإنما تصرفنا قوانين مرتبة نعرفها ومصادفات واتفاقات ربما كانت تسير على قوانين لا نعرفها». وهذا الرأي يأخذنا لجدل قديم شغل العقل الإنساني ولم يزل الشغل الشاغل للمفكرين والفلاسفة. وقد عرف قديماً بمسألة القدر والجبر الذي تبنته الدولة الأموية وراح ضحية من ضحاياه الورع التقي غيلان الدمشقي.

فلسفة الاختيار لا شك موضوع شائك ومعقد من الناحية العملية والتطبيقية يتشابك ويتداخل ويتشكل مع المسؤولية والسلوك والأخلاق. الاختيار وعي وإدراك وشك وتمحيص وتدقيق. اختيار العقل هو الضوء الذي قد يوصلنا إلى فهم بعض من مفهوم الاختيار.