كتاب ومقالات

السعودية.. الوطن الطائر

منيف الحربي

كان الجو ملبّداً بالغُربة، السماء الرمادية، والبرد القارس، والمطر الذي لم يتوقف عن الهطول منذ البارحة، وساحة المطار الغارقة في الـ Mist، وهمهمات المسافرين المنتظرين بتململ عند البوابة.

(ياعمري يالسعودية) تسلّلت العبارة الدافئة بصوتٍ جميل من فتاة علّقت تلقائياً عندما أشارت رفيقتها إلى طائرة الخطوط السعودية خلف الزجاج المبلل وهي تقترب من جسر الركاب المتحرك، أستطيع أن أزعم أنها صدى لمشاعر كل من ينتظر طائرته السعودية في مطارات العالم البعيدة.

لم تكن «الخطوط السعودية» مجرد شركة ناقلة، كانت طائراتها عبر تاريخها الطويل قطعاً من الوطن تحلّق فوق السحاب، ربما ساهم الظرف الزمني في تأصيل هذا الشعور ورسم هذه الصورة، لكن المؤكد أنها شكّلت هوية راسخة في وجدان السعوديين.

اللون الأخضر، السيفان والنخلة، دعاء السفر، المصلّى، الكبسة والفول والمعصوب، الترحاب الدافئ.. كل هذه التفاصيل تشعرك أنك في وطنك منذ اللحظة التي تدخل فيها كابينة الطائرة، هذه التفاصيل تتكئ على تاريخ طويل من العمل والإنجازات التي أثرت قطاع الطيران في المملكة.

يذكر الأستاذ حمزة الدباغ في كتابه «من الجمل إلى الطائرة» كيف تمّت هيكلة إدارات الخطوط السعودية في عام 1963م وفق أرقى المعايير، وكيف صُمّمت برامج التدريب والمبيعات والصيانة والابتعاث.

تأسست «الخطوط السعودية» عام 1945م، وعندما كانت كثير من الدول لا تملك شركات طيران كانت السماء مسرحاً لطائراتها من بانكوك شرقاً إلى نيويورك غرباً، والآن بعد 80 عاماً، لا تزال السعودية تتألق، محافظة على شبابها، متجددة بإنجازاتها.

قبل أيام، فازت الخطوط السعودية بالمركز الأول عالمياً في دقة مواعيد الرحلات بنسبة 87%، مع تحقيق رقم قياسي بنقل 35 مليون ضيف عام 2024م، وتشغيل 193 ألف رحلة بأسطول يضم 150 طائرة تغطي 102 وجهة، كما حصلت على المركز الثاني عالمياً بين الشركات الأكثر موثوقية.

لا شك أن التحديات كبيرة وطبيعي مع هذا العبء التشغيلي أن تكون هناك ملاحظات كثيرة، خاصةً في قطاع ديناميكي يرتبط بحياة الناس على مدار اللحظة وسط تنافس شرس، وقد اعتاد الناس أن تشيخ شركات الطيران وتهرم، إلا أن الخطوط السعودية، بفضل الله ثم بعطاء السواعد الوطنية، تحافظ على شبابٍ دائم، تمتد جذوره في عمق تراب الوطن وتطاول أحلامه عنان السماء.