كتاب ومقالات

المملكة جسر الأمل لسوريا الجديدة

رامي الخليفة العلي

في لحظة فارقة من تاريخ الأمة العربية، تلك اللحظة التي فارقت فيها سوريا عهداً مُثقلاً بالألم والمعاناة، واستقبلت واقعاً جديداً يعجُِ بالتحديات، كانت الرياض كما هي دائماً ملاذاً وملجأً، تمد يد العون لكل مكافح ينشد الكرامة والحقوق. في هذه اللحظات الحرجة، تجلت حكمة القيادة السعودية وحنكتها في تحويل الأزمات إلى فرص، مبرهنة على التزامها الثابت بمساندة أشقائها. كانت الرياض رمزاً للأمل ومرآة للكرم الذي ينبع من قيادة تعي دورها العربي والإنساني العميق، وتقف بجانب من يحتاجها بلا تردد أو حسابات. بعدما أصبحت أنظار الشعب السوري مشدودة لمشهد السقوط والنهوض في دمشق، انصرفت هذه الأنظار بسرعة نحو عاصمة القرار العربي، الرياض، لتبحث عن الطوق المنقذ والمساندة في هذه اللحظة الحرجة. المملكة العربية السعودية، بواقعيتها وبالنظر إلى خلفية الواقع السوري وحاجته، كانت على دراية بأن مساندتها للسوريين لا تقف فقط عند مساعدة إنسانية مؤقتة، بل يُراد لها أن تكون انطلاقة لواقع جديد لهذه البلاد. كان التواصل السريع مع الحكم الجديد في دمشق واضحاً ومُدركاً للتحديات، وقد خففت هذه الخطوة من منسوب القلق لدى فئات واسعة من الشعب السوري، وسيرت المملكة قوافل من المساعدات لم تشهد لها المنطقة مثيلاً منذ استقلال سوريا. وقد جاء اختيار الإدارة الجديدة في سوريا للمملكة العربية السعودية كوجهة أولى لوزير خارجيتها أسعد الشيباني، ليؤكد على عمق الثقة والدور المحوري الذي تلعبه الرياض في دعم الاستقرار السياسي والدبلوماسي في المنطقة. كان الجسر الجوي والمساعدات المتواصلة رمزاً للوفاء والأخوّة والعون الملموس، والذي أكده الدكتور سامر الجطيلي في تصريحاته للإعلام: «ليس لها سقف محدد»، مؤكداً أن المساعدات سوف تظل مفتوحة حتى يتحقق الاستقرار الإنساني في البلاد. ومع هذه الخطوات العملية، لم تتوانَ الرياض عن استخدام ثقلها الدبلوماسي لرفع المعاناة وتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا. وفي اجتماع رياض الأمل، الذي استضافته العاصمة السعودية بترتيب دقيق ودعم كامل من القيادة، كان الحضور المكثف من الدول الغربية والعربية مؤشراً واضحاً للتغيرات المرتقبة. هذا الاجتماع لم يكن مجرد تجمع دبلوماسي، بل منصة حقيقية لإعادة رسم ملامح المستقبل السوري، حيث تمّت مناقشة ملفات حيوية تتعلق بالاستقرار السياسي، ودعم الاقتصاد السوري، وإيجاد حلول عملية لتخفيف المعاناة عن الشعب السوري. كما خرج الاجتماع بتوصيات تضمنت دعوة دولية عاجلة لرفع العقوبات الاقتصادية التي ترهق كاهل السوريين، إلى جانب حشد الموارد لدعم جهود الإغاثة وإعادة الإعمار. لقد جسّد هذا الاجتماع رمزية التعاون العربي والدولي في مواجهة التحديات، وفتح آفاقاً جديدة للتنسيق بين دمشق والعالم الخارجي. إنها المملكة كما هي دائماً، يلجأ إليها أشقاؤها وقت المحن والملمات، وقد وجد السوريون طوال الأربع عشرة سنة الماضية من يكفكف دموع الثكالى ويمسح على رؤوس اليتامى ويسعى بكل إمكانياته لنجدة هذا الشعب المظلوم، وها هي اليوم المملكة قيادة وحكومة وشعباً تهب مرة أخرى لمساعدة أشقائها بقوافل هي الأكبر على الإطلاق.