قليلاً من الحياء يا عرب
الثلاثاء / 10 / جمادى الأولى / 1427 هـ الثلاثاء 06 يونيو 2006 19:57
علي حسن التواتي
لست هنا بصدد استعراض المخازي التي تلطخ جباه كل من ينتمي إلى الأمّتين العربية والإسلاميّة بدءاً من السكوت على احتلال فلسطين والتسليم بضياع بيت المقدس، ومروراً باحتلال العراق، وانتهاءً بالتواني عن التصدي لمخططات التقسيم وإعادة رسم الخرائط السياسية لمعظم الدول العربية والإسلامية الكبيرة، ولكنني بصدد التركيز على جزئية صغيرة تختصر مجمل القضيّة وكنت أتمنى ألا أرى اليوم الذي تحدث فيه وأعني بذلك لجوء مواطنين عرب مسلمين لدويلة الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، فقد تراوح عدد السودانيين اللاجئين للكيان الصهيوني بين 220 و 250 لاجئاً هرباً بحياتهم من جحيم الحرب الأهلية المستعرة في بعض الأقاليم السودانية.
ومعظم هؤلاء اللاجئين هم من إقليم دار فور الذي شرّدت الحرب الأهلية أكثر من ثلث أبنائه البالغ عددهم ستة ملايين نسمة ليتعرضوا لكافة آلام الغربة والإذلال وحتى المذابح من قبل سلطات بعض الشعوب العربية والأفريقية التي يفترض أنها تستضيفهم.
ولقد تسلل كافة اللاجئين السودانيين إلى الأرض المحتلّة من مصر عبر صحراء سيناء بعد أن ضاق المقام بهم وفقد 27 منهم حياتهم أثناء مقاومتهم لقوّات الأمن التي كانت تزمع ترحيلهم وإعادتهم بالقوّة إلى السودان في ديسمبر الماضي فآثر من استطاع منهم تحمل تكاليف التسلل وعناء الرحلة إلى الأرض المحتلّة عبر صحراء سيناء أن يقدم على المغامرة بمساعدة (عصابات متخصصة) تتقاضى (600) دولار من كل شخص كمقدّم أتعاب لتهريبه عبر الحدود إلى إسرائيل في تجارة رخيصة بمصائر البشر الذين يمكن أن يتعرّضوا للموت في أية لحظة على أيدي حرس الحدود من الجانبين. وفي الأرض المحتلة ينتهي الأمر عادة باللاجئ السوداني إلى السجن حتى يتم النظر في أمره باعتباره قادماً من دولة عضو في جامعة الدول العربية التي يفترض أنها تناصب إسرائيل العداء.
ولعل ما يدفع باللاجئ السوداني إلى تحمل عواقب مغامرته بعبور الحدود إلى الأرض المحتلّة وانتهاء أمره بالسجن هو تيقنه من أن أسوأ ما يمكن أن يواجهه أثناء رحلة العبور هو الموت الذي يرى أنّه أهون بكثير من حياة الذل والهوان التي يعيشها في معسكرات اللجوء، ولكن في حالة النجاح بالتسلل والانتهاء في سجون دويلة الاحتلال، كمرحلة أولى، يتم الانتقال بعد ذلك إلى دولة أخرى غالباً ما تكون أوروبية أو أمريكية مع ضمانات كافية بمعاملة اللاجئ معاملة إنسانية تحت إشراف الهيئات الإنسانية المتفرعة عن الأمم المتحدة. ويعتبر هذا الخيار في الحقيقة خياراً ذكيّاً رغم ما يبدو في ظاهره من استجارة من الرمضاء بالنار لأن الأمم المتحدة وكافة هيئاتها الإنسانية التي لم تتحرك لتحسين أوضاع اللاجئين السودانيين سواء في مصر أو في غيرها من الدول الأفريقية والعربية المجاورة للسودان تتحرك الآن بقوّة ونشاط، كما هو ديدنها دائماً، لإيجاد حلول سريعة وفعّالة لتخليص إسرائيل من الغالبية العظمى غير المرغوبة من أولئك اللاجئين . وأقول الغالبية العظمى غير المرغوبة لأن إسرائيل تحتفظ بحوالى عشرين من (أفضل) اللاجئين السودانيين في مستعمراتها أحراراً طليقين لأغراض ستعرفونها فيما بعد، ولكن يمكن أن تتوقعوها بالقياس على بعض الزعامات الأفريقية التي رحلت من أمثال (صموئيل دو) وغيرها من الزعامات التي مازالت في السلطة ولا أرغب في تعدادها، ممّن تلقّت تعليمها أو علاجها من أمراض مستعصية في إسرائيل أو بعض الدول الغربية الموالية لإسرائيل وأصبحت تدين لها بالولاء وتخدم أهدافها ومصالحها.
والتساؤل الذي نطرحه الآن هو: هل بقي في السوء سوءاً أكثر من هذا؟ عشرات من منظمات الإغاثة العربية والإسلامية، وعشرات من الدول التي تحيط بالسودان، وعشرات من المنظمات التي تدّعي اختصاصها بحقوق الإنسان العربي والمسلم، ومئات من المليارات العربية التي تكتنز بها خزائن البنوك الأمريكية والأوروبية، ومواطنون عرب، مسلمون ومسيحيون، يبلغ بهم اليأس حدّ اللجوء إلى العدو؟ ولكم أن تتخيّلوا أن يلجأ المرء لعدو فأي عداء بعد ذلك يمكن أن يضمره له خاصة إذا ما استغل ذلك العدو ضعفه وحاجته فأحسن إليه وغسل دماغه وحوّله إلى مسخ يعيد زرعه بين أهله وفي وطنه تحت حراب الاحتلال الأجنبي ليلتزم بأجندة مسبقة معدّة له وينفّذ سياسات تملى عليه، وإلا فمن أتى بكل هؤلاء الذين يتزاحمون على السلطة في العراق وأفغانستان؟
إن اليأس الذي بلغ منتهاه في أبناء دار فور هو نفسه الذي دفع بالأكراد للبحث عن وطن قومي لهم في شمال العراق، وهو نفسه الذي يدفع بالأقليات العرقيّة والدينية والطائفية الأخرى في العالم العربي والإسلامي إما للهجرة، في حال ضعفها، أو للسعي نحو الانفصال، في حال قوّتها، عن أوطانها الأم وموالاة كافة الأعداء الذين يريدون بها سوءا.
إن الحاجة ماسة وعاجلة لتفعيل التنظيم الذي دعا لإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمواجهة الكوارث في مؤتمر القمّة غير العادية الأخيرة لدول المؤتمر الإسلامي أو تكليف جامعة الدول العربية بتشكيل تنظيم عاجل لهذا الغرض، ولتكن البداية في دارفور وجنوب السودان والصومال حتى لا يعيد التاريخ نفسه ويضطر أمين عام الجامعة العتيدة لزيارة دار فور للمباركة بنجاح التمرد وقيام كيان انفصالي كالذي ذهب لمباركته في شمال العراق.
إن في السودان والصومال مراجل تغلي وتحتاج إلى من يسكب عليها ماءً غزيراً لتبريدها قبل الانفجار الذي إن حدث فسندفع ثمنه جميعاً وسيكون ثمناً باهظاً يرخص أمامه كل ما دفعناه من ثمن نتيجة تقاعسنا وتوانينا عن تحمّل مسؤولياتنا والقيام بواجباتنا كأمة وكشعوب وأفراد..
altawati@hotmail.com
ومعظم هؤلاء اللاجئين هم من إقليم دار فور الذي شرّدت الحرب الأهلية أكثر من ثلث أبنائه البالغ عددهم ستة ملايين نسمة ليتعرضوا لكافة آلام الغربة والإذلال وحتى المذابح من قبل سلطات بعض الشعوب العربية والأفريقية التي يفترض أنها تستضيفهم.
ولقد تسلل كافة اللاجئين السودانيين إلى الأرض المحتلّة من مصر عبر صحراء سيناء بعد أن ضاق المقام بهم وفقد 27 منهم حياتهم أثناء مقاومتهم لقوّات الأمن التي كانت تزمع ترحيلهم وإعادتهم بالقوّة إلى السودان في ديسمبر الماضي فآثر من استطاع منهم تحمل تكاليف التسلل وعناء الرحلة إلى الأرض المحتلّة عبر صحراء سيناء أن يقدم على المغامرة بمساعدة (عصابات متخصصة) تتقاضى (600) دولار من كل شخص كمقدّم أتعاب لتهريبه عبر الحدود إلى إسرائيل في تجارة رخيصة بمصائر البشر الذين يمكن أن يتعرّضوا للموت في أية لحظة على أيدي حرس الحدود من الجانبين. وفي الأرض المحتلة ينتهي الأمر عادة باللاجئ السوداني إلى السجن حتى يتم النظر في أمره باعتباره قادماً من دولة عضو في جامعة الدول العربية التي يفترض أنها تناصب إسرائيل العداء.
ولعل ما يدفع باللاجئ السوداني إلى تحمل عواقب مغامرته بعبور الحدود إلى الأرض المحتلّة وانتهاء أمره بالسجن هو تيقنه من أن أسوأ ما يمكن أن يواجهه أثناء رحلة العبور هو الموت الذي يرى أنّه أهون بكثير من حياة الذل والهوان التي يعيشها في معسكرات اللجوء، ولكن في حالة النجاح بالتسلل والانتهاء في سجون دويلة الاحتلال، كمرحلة أولى، يتم الانتقال بعد ذلك إلى دولة أخرى غالباً ما تكون أوروبية أو أمريكية مع ضمانات كافية بمعاملة اللاجئ معاملة إنسانية تحت إشراف الهيئات الإنسانية المتفرعة عن الأمم المتحدة. ويعتبر هذا الخيار في الحقيقة خياراً ذكيّاً رغم ما يبدو في ظاهره من استجارة من الرمضاء بالنار لأن الأمم المتحدة وكافة هيئاتها الإنسانية التي لم تتحرك لتحسين أوضاع اللاجئين السودانيين سواء في مصر أو في غيرها من الدول الأفريقية والعربية المجاورة للسودان تتحرك الآن بقوّة ونشاط، كما هو ديدنها دائماً، لإيجاد حلول سريعة وفعّالة لتخليص إسرائيل من الغالبية العظمى غير المرغوبة من أولئك اللاجئين . وأقول الغالبية العظمى غير المرغوبة لأن إسرائيل تحتفظ بحوالى عشرين من (أفضل) اللاجئين السودانيين في مستعمراتها أحراراً طليقين لأغراض ستعرفونها فيما بعد، ولكن يمكن أن تتوقعوها بالقياس على بعض الزعامات الأفريقية التي رحلت من أمثال (صموئيل دو) وغيرها من الزعامات التي مازالت في السلطة ولا أرغب في تعدادها، ممّن تلقّت تعليمها أو علاجها من أمراض مستعصية في إسرائيل أو بعض الدول الغربية الموالية لإسرائيل وأصبحت تدين لها بالولاء وتخدم أهدافها ومصالحها.
والتساؤل الذي نطرحه الآن هو: هل بقي في السوء سوءاً أكثر من هذا؟ عشرات من منظمات الإغاثة العربية والإسلامية، وعشرات من الدول التي تحيط بالسودان، وعشرات من المنظمات التي تدّعي اختصاصها بحقوق الإنسان العربي والمسلم، ومئات من المليارات العربية التي تكتنز بها خزائن البنوك الأمريكية والأوروبية، ومواطنون عرب، مسلمون ومسيحيون، يبلغ بهم اليأس حدّ اللجوء إلى العدو؟ ولكم أن تتخيّلوا أن يلجأ المرء لعدو فأي عداء بعد ذلك يمكن أن يضمره له خاصة إذا ما استغل ذلك العدو ضعفه وحاجته فأحسن إليه وغسل دماغه وحوّله إلى مسخ يعيد زرعه بين أهله وفي وطنه تحت حراب الاحتلال الأجنبي ليلتزم بأجندة مسبقة معدّة له وينفّذ سياسات تملى عليه، وإلا فمن أتى بكل هؤلاء الذين يتزاحمون على السلطة في العراق وأفغانستان؟
إن اليأس الذي بلغ منتهاه في أبناء دار فور هو نفسه الذي دفع بالأكراد للبحث عن وطن قومي لهم في شمال العراق، وهو نفسه الذي يدفع بالأقليات العرقيّة والدينية والطائفية الأخرى في العالم العربي والإسلامي إما للهجرة، في حال ضعفها، أو للسعي نحو الانفصال، في حال قوّتها، عن أوطانها الأم وموالاة كافة الأعداء الذين يريدون بها سوءا.
إن الحاجة ماسة وعاجلة لتفعيل التنظيم الذي دعا لإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمواجهة الكوارث في مؤتمر القمّة غير العادية الأخيرة لدول المؤتمر الإسلامي أو تكليف جامعة الدول العربية بتشكيل تنظيم عاجل لهذا الغرض، ولتكن البداية في دارفور وجنوب السودان والصومال حتى لا يعيد التاريخ نفسه ويضطر أمين عام الجامعة العتيدة لزيارة دار فور للمباركة بنجاح التمرد وقيام كيان انفصالي كالذي ذهب لمباركته في شمال العراق.
إن في السودان والصومال مراجل تغلي وتحتاج إلى من يسكب عليها ماءً غزيراً لتبريدها قبل الانفجار الذي إن حدث فسندفع ثمنه جميعاً وسيكون ثمناً باهظاً يرخص أمامه كل ما دفعناه من ثمن نتيجة تقاعسنا وتوانينا عن تحمّل مسؤولياتنا والقيام بواجباتنا كأمة وكشعوب وأفراد..
altawati@hotmail.com