رئيس لجنة الحي يخالف الباحثين ويؤكد:

رئيس لجنة الحي يخالف الباحثين ويؤكد:

أثر القدم منقول من بُصرىجولة: إيمان عثمان

في الحلقة الثانية من الرحلة التي قمنا بها إلى مدينة القدم زارت «عكاظ» رئيس لجنة حي القدم التاريخي الذي حدثنا باسهاب عن هذه المدينة الجميلة والقديمة والطيبة وقمنا بزيارة إلى مسجد القدم الكبير وشاهدنا ما يقال عن «القدم» انها دعسة النبي عليه الصلاة والسلام والتي كانت موضوعة في مكان جيد الا انهم نقلوها إلى الطريق العام بجانب الجامع ويأتي زوار كثيرون لأجلها ولرؤيتها من كافة اصقاع الدنيا من الهند والباكستان وماليزيا وكل الدول الاسلامية.
ويقول رئيس لجنة حي القدم جميل شريباتي الذي يسكن القدم منذ زمن لـ"عكاظ": ان حي القدم من الاحياء القديمة جدا قدم التاريخ واصل الحي قبيلة أتت من اليمن قبل الاسلام وهذه القبيلة سميت بقبيلة قدم وسكنت هذه القبيلة في ارض القدم وعملت بالزراعة وتكاثرت فيها سكانيا.. اما عن محطة القطار فأنشئت في عهد الوالي العثماني عبدالحميد واصل تسمية القدم منسوبة إلى الصخرة المطبوعة عليها قدم الرسول صلى الله عليه وسلم ويقال بأنها منقولة من بصرى الشام إلى منطقة القدم وسميت القدم منذ ذلك الحين "القدم الشريف" نسبة إلى قدم النبي عليه الصلاة والسلام وثبت تاريخيا بأن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لم يصل إلى القدم بل حط رحلته بالتجارة في بصرى الشام.
ويتابع شريباتي قائلا: تشتهر القدم بتربية الحيوانات بالاضافة إلى الزارعة ومن الحيوانات الموجودة البقر الشامي الاحمر والان اصبح تواجد البقر قليلا على اثر حرب حزيران 1967م مع العدو الصهيوني فهربت الابقار الشامية والماعز الشامي الاحمر إلى فلسطين بالاضافة إلى وجود الغنم بكثرة حيث يعتمد عليها اهل القدم في الالبان والاجبان والسمنة.. وفي القدم الكثير من الاثار ايضا منها مقام الشيخ احمد العسالي ومقام ابن عساكر ومقام الست خاتون بالاضافة إلى مساجد القدم الكثيرة التي تمسك بالمحافظة عليها اهلها ومازالوا ويوجد في القدم احد عشر مسجدا بعضها قديم ولكنه جدد وبعضها بني حديثا واول هذه المساجد واقدمها مسجد القدم الكبير وبعض المؤرخين سماه مسجد الاقدام ويتوسط البلدة ويتألف من صحن وحرم متقاربين في الاتساع وفي قبلي محرابه تربة دفن فيها نخبة من كبار العلماء الذين عاشوا في القدم ففيه قبر علي بن الحسن المعروف بابن عساكر صاحب تاريخ دمشق المشهور ويقع في ثمانين مجلدا وفيها ايضا قبول طائفة من العلماء من بني القرشي، وفيها قبر أبي البركات بن المران مجدد بناء المسجد سنة (517) هجرية، وقبر أمه أسماء، وقبر أبيه لأمه أبي الحسن الواعظ الزاهد، كذلك دفن فيها علي بن الحسين بن عروة الشهير بأبن زكنون، وهو فقيه حنبلي عالم بالحديث وأسانيده، توفي بالقدم سنة (837) وهو صاحب كتاب (الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري) الذي قالوا أنه يقع في مئة وعشرين مجلداً وانقطع في آخر أيامه بمسجد القدم وكان يعلم الصبية وينسج الأعبية ويأكل من كسب يده.
القدم المزيفة
وفي أرض النافذة المجاورة لمحراب المسجد يظهر فيها أثر أخمص قدم، زعموا أنه أثر قدم النبي عليه الصلاة والسلام ولكن هذا الكلام غير صحيح، ومنذ عهد قريب حضر رجل مجهول الهوية وغلف النافذة التي تضم الأثر بالرخام ووضع فيها مصابيح كهربائية خضراء وأسدل عليه ستائر من المخمل الأخضر، طرز عليها عبارات دينية. كما يوجد في المسجد مكتبة كبيرة، فيها كتب قيمة تزخر بالحديث والفقه والتفسير والتاريخ والأدب واللغة، ونمت المكتبة بمساعي خطيب المسجد الأستاذ عبدالقادر بركة وإخوانه، وكان للمسجد ذكر في أخبار الحروب الصليبية فقد ذكر ابن القيسراني وهو الذي خلد بشعره انتصارات المسلمين على الصليبيين، ان الصليبيين حاولوا دخول دمشق واحتلال المسجد الأموي فيها ولكنهم فشلوا ولم يتعدوا مسجد القدم قال:
وحاولوا "المسجد الأدنى" فما عبرت
عن مسجد الأقصى لهم قدم
ثم قال: ومسجد القدم مشهور، ومن بعض الأخبار يقول شريباتي: يبدو أن سجنا كان يلاصق المسجد فقد ذكر الشيخ عبدالقادر بدران في كتابه "منادمة الأطلال ومسامرة الخيال" ان السلطان العثماني عندما غضب على الأمير الكبير المهيب سيف الدين أبي سعيد نائب السلطنة بالشام قيده خلف مسجد القدم سنة 740 هجرية.
التكية العسالية
ويتابع شريباتي متحدثا: أما التكية العسالية فبناها أحمد باشا كوجاك الوزير التركي الكبير المشهور بالشجاعة وكان قد عين حاكما "زاهدا" وكان والده قد قدم من بلاد حرير ونزل بقرية عسال الورد القريبة من مدينة دمشق فولد له فيها أحمد وتقديراً لزهده وتقواه بنى له احمد باشا الوالي هذه التكية المشهورة قرب قرية القدم سنة 1045 هجرية ونقله إليها فازداد اشتهاراً وبعد عام واحد قتل الوالي في بعض حروبه مع العجم فحمل رأسه ودفن تحت القبة القائمة في صحن التكية، أما الشيخ فعاش عامين بعد ذلك وتوفي في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 1048 هجرية ودفن تحت القبة ايضا إلى جانب الوالي، وما يزال القبران قائمين حتى يومنا هذا والى جانبهما قبور بعض الصالحين.
وسكن المهاجرون التكية بعد الحروب مع اليهود، فزال رونق القدم، وكانت وزارة المعارف بعد استقلال سورية قد اتخذته مدرسة ابتدائية لأبناء القدم.
اما اوقاف التكية فكانت وافرة جداً رصدها أحمد باشا في صيدا وبعلبك وأقام سبيلا" في جدار التكية الغربي يغذيه بئر عذب يشرب منه الظماء المارون بالبناء. ويضيف بأنه عندما جرت مياه الفيجة إلى القدم تعاونت المحسنتان الحاجة فاطمة بنت المرحوم الشيخ توكلنا, والحاجة فاطمة بنت المرحوم عمر الريان, في تجديد السبيل وتغذيته بماء الفيجة وتم ذلك عام 1382 هجرية الموافق 1926م.
وفي غربي "بوابة الله" التكية قبة انيقة كانت تتخذ مراحا "لمحمل الحج الذي ينطلق إلى الديار المقدسة بإشراف الدولة في كل عام وكانت تسمى قبة النصر وتسمى ايضا "يلبغا وكانت هذه المنطقة اعظم مدخل لدمشق, فهي طريق بيت الله الحرام ولذلك أطلق عليها "بوابة الله" وطريق فلسطين والاردن وطريق القاهرة عاصمة المملكة آنذاك. ولكن الآن هدمت القبة وأصبح مكانها طريق عام, أما محمل الحج الذي كان يوضع تحت قبة النصر فإن هودج المحمل محفوظا" إلى اليوم في قصر العظم بدمشق. وكانت العادة في العهد العثماني والعهد المملوكي من قبله ان يؤخذ في اليوم الخامس من شوال كل عام محمل الحج والسنجق بطرازهما البديع الموشى بالذهب والمزركش بالقصب, ويرفع هودج المحمل وهو على شكل قبة خضراء صغيرة مصنوعة من المخمل الاخضر, يرفع على جمل يختال بحمله الثمين ويجلس في القبة بعض الصبية يرتلون أناشيد دينية, أما الجمل الذي كسي ثيابا" مرصعة فيكاد شكله يخطف الابصار, فيأخذ بزمامه الوالي نائب السلطنة بالشام ويسير إلى جانبه المشير ومحافظ الحج واركان الحكومة ووجهاء البلاد وعلماؤها وشعراؤها, وكان يسير الركب بكامله يتبع في السير لحنا "موسيقيا" تصدره ابواق وطبول ويرافق ركب المحمل مسؤول عن الهدايا الثمينة والهبات التي كانت تحمل في كل عام لتوزع على فقراء الحجاز. وينطلق إلى حي الميدان فالقدم حيث يوضع المحمل تحت قبة النصر يوما" أو يومين ثم يتجه إلى الديار المقدسة مع ركب الحج الشامي بعد تزويده بالزيت والشمع وماء الورد والملبّس وغيرها.
ويقول شريباتي وكانت هذ الظاهرة الدينية التي تتعهدها الدولة كل عام تجذب اليها الآلاف من كافة البلاد وكان يسمى الطريق الذي يسلكه المحمل درب الحج ومن المساجد ايضا" الموجودة في القدم مسجد نبي الله موسى ذكر ابن عساكر في تاريخه هذا المسجد وقال انه من الامكنة التي ترجي اجابة الدعاء فيها وقال ان هناك قبر موسى بن عمران عليه السلام, ثم اردف وقال ليس هذا بصحيح وان قبر موسى حيث لايعرف ولعل هذا المكان هو الكثيب الأحمر الذي ذكره ابن طولون, واورده محمد كرد علي في قرى القدم الدائرة. وجدد بناؤه في اوائل القرن الحادي عشر الهجري بمساعي الفقيه شعبان آغا, ومسجد عائلة وعويلة وهو مندثر وذكره ابن الحوراني في كتابه "زيارات الشام" ونقل الخبر عن ابن طولون والبصري ونص كلامه:" قال البصري في فضائله, قال ابن طولون الحنفي في بهجة الايام في فضل الشام, قلت: وقبلي دمشق في شرقي القبيات, مسجد عائلة وعويلة, وقد كتب شيخنا في ذلك جزءا، "قال النبي عليه الصلاة والسلام:" ليلة أسري بي مررت بين عائلة وعويلة ".. ولقد تلاشى الآن كل شيء وأرض العالية في القدم حقول زراعية وليس فيها أي أثر لبناء، إلا أحواش بنيت حديثا" مع بعض المنازل السكنية.
علماء القدم
أما محمد خير حلاق "أبو وليد" وهو أيضا "من لجنة حي القدم وساكني القدم التقته "عكاظ" وقال لي: القدم مدينة عريقة وقديمة ولها تاريخ علمي عريق لأنها شهدت نخبة من العلماء قل أن يجود بمثلهم الزمان.
أولهم تاج الأمناء أبن عساكر الذي توفي سنة 610 هجرية صاحب تاريخ دمشق المشهور، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية وابن عمار في شذرات الذهب أنه دفن قبلي محراب مسجد القدم.. كما مر بها علي بن الحسين الشهير بابن زكنون، فقيه حنبلي عالم بالحديث توفي بالقدم سنة 837 هجرية ودفن قبلي محراب مسجدها.
ويقول أبو وليد: قد عانت القدم ما عانته سائر القرى السورية في عهود الأتراك من جهل وتأخر ولما أطل العصر الحديث شهدت نهضة علمية بدأها الشيخ محمود العطار الذي كان يأتي من كفرسوسة على دابة ليعلم أهل القدم بدافع من نفسه وباعث من دينه وربى ناشئة صالحة كان فيها الخير العميم.. وساهم في هذه النهضة الشيخ بهجت البيطار والشيخ محمد احمد دهمان، وكان لفضيلة الأستاذ حسن حبنكة الميداني يد بيضاء لاتنكر في إحياء الحركة العلمية بالقدم، وتكفل بتلامذة الاستاذ محمود العطار بعد وفاته، وما زالوا يترددون عليه إلى اليوم، ونبغ من هؤلاء الاساتذة عبدالقادر بركة، وعبدالجواد خضير والمرحوم حسن زكريا ومحمد علي حامدة وغيرهم.
مجلس الخميس
ويضيف أبو وليد: يوجد في القدم اليوم عدد كبير من خريجي الجامعات فيهم الطبيب والمحامي والمهندس والأديب ويتعمقون ويتخصصون، وكان عندنا مجلس للقدم" يسمى بـ "مجلس الخميس في القدم" يعقد يوم الخميس وهو يوم في عمر الزمن، يمر على الدنيا كما يمر أي يوم من الأيام، ولكنه في القدم غيره في أي مكان من الأرض، "إنه الخميس.. إنه خميس القدم" ويبدأ المجلس الساعة التاسعة صباحا" فترى سادة حي القدم وعلماءه يحضرون إلى بيت المضيف وكلهم تفوح منهم رائحة العطر وتشرق في وجوههم فرحة اللقاء وتأبطوا كتبا" قيمة تحمل إليهم السعادة وتمنحهم رضى الله وإعجاب الناس ويستقبلهم صاحب البيت المضيف ويصافحهم ولا تناهز الساعة العاشرة إلا وترى المجلس قد اكتمل بأهله والجميع يتبادلون التحيات والابتسامات ثم تدور القهوة العربية فتزيد الجو أنساً والبيت جمالا ورونقا، ويتصدر المجلس نخبة من علماء حي القدم كأنهم الأقمار المضيئة تسطع نورا وعطرا وقد ملئت فهما وعلما، ويفتتح المجلس بآيات من الذكر الحكيم.. ثم يقرأ حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام في صحيحي البخاري ومسلم وتبدأ المناقشة والمحاورة فلا يترك جانب في الحديث الا ويدرس دراسة عميقة نيرة كما تناقش فيه الاوجه البلاغية والنقاط الصرفية ويدرس سنده ويستعان بكافة شروح الحديث وحواشيه وخاصة القسطلاني والنوري ويعرض ما يطل على الحديث ويقاربه ويدانيه من آيات كريمة وأحاديث أخرى وابيات شعر وطرف أدبية وترى كلا من الحضور ينشر بضاعته ويحتدم النقاش وتتعارض الآراء وتحضر معجمات اللغة وقواميسها وتراجع امهات الكتب ويخيل للمشاهد انه يجالس سيبويه والاصمعي والخليل وليس فئة من بسطاء الفلاحين العاشقين للعلم المفيد، وان كان يوجد في الحديث الشريف خبر غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم او سرية من سراياه او قصة ممتعة فتعاد كتابة الغزوة او القصة باسلوب حديث موجز يساير الحاضر وفيه الكثير من البساطة والجمال، وبانتهاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ترتفع أصوات الحضور لتنتهي الجلسة بالختام المسك وهو تلاوة سورة "يس" وتنتهي الجلسة بتمام السورة المباركة.