الهجرات اليهودية لفلسطين خربت الخط والنكسة أوقفته

إنشاؤه له أهداف سياسية وعسكرية وليست دينية وحسبسكة حديد الحجاز

الهجرات اليهودية لفلسطين خربت الخط والنكسة أوقفته

جولة: إيمان عثمان

تتبعت «عكاظ» مسار الخط الحديدي من بدايته وحتى منتهاه, كما رصدت الظروف السياسية التي رافقت انشاءه, بحيث شكلت تحديا خاضته الدولة العثمانية بمساعدة ألمانيا مقابل الممانعة التي كانت تقودها بريطانيا بالدرجة الأولى وفرنسا أيضا. وكان الهدف من إنشاء الخط الحديدي الحجازي ربط العاصمة العثمانية اسطنبول بمكة المكرمة ومناطق مناسك الحج (المدينة المنورة ثم مكة المكرمة). وبدأ المشروع قبل مئة عام ومر بمراحل متعددة وواجه صعوبات كبيرة منها اختلاف البيئات الجغرافية التي يمر بها هذا الخط بدءا من اسطنبول نحو أعماق الأناضول ثم المرور بسوريا والأردن ثم الدخول إلى شبه الجزيرة العربية من جهتها الشمالية.
كانت وسائل إقامة هذا الخط بسيطة قياسا على ما يوجد الآن من تجهيزات ومعدات تستخدم في مثل هذا المشروع, وأقيمت الكثير من الجسور والأنفاق للتغلب على صعوبة التضاريس التي مر بها الخط الحديدي, وهناك جسور ما تزال تشكل معلما هندسيا يعبر عن طراز البناء في ذلك العصر إضافة إلى شكل المحطات ومنها محطة القدم التي كانت من المحطات الهامة لكونها تقع في مركز هام هو مدينة دمشق التي كان العثمانيون يطلقون عليها تسمية «قدم شريف» اعترافا بمكانتها الدينية الهامة.
في الذكرى الخامسة والعشرين لتتويج السلطان عبدالحميد الثاني في ايلول عام 1900م تم الإعلان عن فكرة إنشاء الخط الحديدي الحجازي, وكان غرضه إنشاء خط حديدي وبرقي يسمع بواسطته شكاوى المواطنين ومطالبهم ويعفيهم من ركوب السفن الأجنبية ويخفف من مشاق السفر إلى الحج.
ولاقى هذا القرار ترحيبا من الأوساط الشعبية والإعلامية في البلدان العربية وتوخى بذلك أهدافا اقتصادية واجتماعية وسياسية. وتم تنفيذ المشروع عام 1908م وكان مقرراً له ان يمتد الى مكة المكرمة ومن ثم إلى اليمن وتم تمويل نفقات الإنشاء بنسبة كبيرة من التبرعات.
ولكن بسبب الأوضاع السياسية وما تعرض له الخط من تخريب خلال الحربين العالميتين لم تدم فترة استثماره طويلاً. وبعد الحرب العالمية الثانية سعت الدول الثلاث سوريا والاردن. والسعودية, وتحت مظلة جامعة الدول العربية لإصلاح هذا الخط واتفقت على تحمل نفقاته بالتساوي وقد قدرت التكاليف عام 1963م بمبلغ 98 مليون ليرة سورية وصدق بروتوكول التعاون بهذا المضمون من قبل حكومات الدول الثلاث.
وتم إحداث الهيئة العليا لإعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي ومقرها دمشق
أما عن المحطات الأخرى فهي:
محطة الحجاز «القنوات»
قي قلب دمشق الفيحاء وعند نهاية شارع النصر «جمال باشا» من جهة الغرب, يقف بناء أثري جميل شامخ كالقلعة يتحدى بعنفوان الظروف السياسية والعسكرية التي مرت على هذا البلد والجميع يعرفه باسم محطة الحجاز.
ويعتبر هذا البناء الذي زرناه من أجمل التحف الاسلامية الفريدة في طرازها المعماري, وأنجز مخططاتها الكاملة المهندس المعماري "فيرناندو ديراندا" واضعا نصب عينيه جماليات العمارة الاسلامية, وهي من اهم واضخم المحطات للمسافرين بين محطات الخط الحجازي كما بنيت محطة صغيرة بالمواصفات نفسها في المدينة المنورة.
في عام 1880م اقترح وزير الأشغال بالآستانة مد هذا الخط ولكن لصعوبات مالية لم ينفذ هذا الاقترح إلى أن استطاع عزت باشا "باعتباره الأمين الثاني للسلطان" إقناع السلطان عبدالحميد بأهمية تحقيق هذا المشروع الحيوي مؤكدا انه سيساهم في تخفيض نفقات إدارة الحج التي كانت تكلف الخزينة نحو 200 الف فبدأ السلطان عبدالحميد بتنفيذه, ليولد الخط الحديدي الحجازي مشفوعا بأبعاد دينية وسياسية وعسكرية.
البعد الديني
للتخفيف من أعباء سفر الحجيج إلى الديار المقدسة حيث كانت الرحلة تستغرق نحو خمسين يوما في الذهاب ومثلها في الإياب, ناهيك عما يعترض القوافل من أخطار قطاع الطرق من سلب ونهب وقتل ومن التعرض لأحوال الطقس من فيضانات وسيول شتاء, وشمس حارقة صيفا.
البعد السياسي
أما البعد الثاني فهو البعد السياسي وكان تنفيذا "لما طرحه مفكرون إسلاميون أمثال الشيخ جمال الدين الأفغاني بإقامة حكومة إسلامية قوية تنطوي تحت رايتها جميع الشعوب الإسلامية فكان لا بد من تمديد خط حديدي يربط دمشق بالبحر الاحمر وحتى اليمن وخصوصا بعد فتح قناة السويس عام 1864م وسيطرة بريطانيا على مصر.
البعد العسكري
والبعد الثالث فهو البعد العسكري حيث إن وجود الخط الحديدي يمكن الجيوش العثمانية من الوصول إلى الولايات البعيدة بأسرع وقت ممكن.
لذلك تبرع السلطان عبدالحميد في مطلع نيسان عام 1900م بمبلغ 320 ألف ليرة ذهبية، كما تبرع شاه إيران بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، وتبرع خديوي مصر بكميات من الأخشاب ومواد البناء، ولمساندة المشروع تشكلت جمعيات خيرية وصلت إلى مسلمي الهند، وللتشجيع على التبرع أمر السلطان عبدالحميد بمنح أوسمة وشارات وألقاب لمن يتبرع لهذا المشروع، كما أصدر فرمانات بتخصيص ضرائب لصالح هذا المشروع وإحداث طوابع تذكارية والاستفادة من واردات ينابيع الحمة المعدنية ومرفأ حيفا وحتى جلود الأضاحي.
فخلال أشهر معدودة وبهذه الطريقة جمع مبلغ "ثمانية ملايين ونصف ليرة ذهبية" وهو رقم فاق الرقم المخطط الذي هو "خمسة ملايين ليرة ذهبية" مما شجع القائمين على المشروع بتمديد الخط وإيصاله الى مرفأ عدن في اليمن لكن خلع السلطان عبدالحميد عام 1909م وتبدلت الاوضاع السياسية ولذلك أوقف تنفيذ الخط عند حدود المدينة المنورة حيث وصل أول قطار قادم من دمشق الى المدينة المنورة في 22 أغسطس عام 1909م واستغرقت الرحلة زهاء 55 ساعة وكان الافتتاح الرسمي في 11 أيلول من العام نفسه المصادف لعيد جلوس السلطان عبدالحميد الثاني بحضور ثلاثين ألف مدعو كان بينهم عدد من الأجانب.
وتم استخدام الخط الحديدي الحجازي في الحرب العالمية الاولى "1914-1918م" في تحريكات الجيوش ونقل العتاد العسكري وكان عدد القاطرات 50 قاطرة و180 عربة للركاب، باعتبار أن كل قطار يجر بين "13 الى 15" عربة إضافية وأربعة خزانات للمياه لإمداد المحطات ونقاط الحراسة الممتدة من دمشق الى درعا حيفا، عكا, عمان، والمدينة المنورة وخلال الثورة العربية الكبرى عام 1916م التي قادها الشريف حسين وبمساعدة ضباط انكليزي "لورنس العرب" تم نسف الخط الحديدي بهدف منع ايصال الإمدادات والتعزيزات العسكرية التي القوات المرابطة بالاراضي الحجازية وعند تسلم الحكومة العربية بزعامة الملك فيصل قامت بإصلاح العطل وكانت رحلة الأمير علي بن الحسين الى دمشق لزيارة شقيقه الملك فيصل في عام 1919م.
وفي عام 1920م دخل الفرنسيون دمشق بعد معركة ميسلون البطولية عام 1924م فخضعت المنطقة العربية للتقسيمات الاستعمارية "سان ريمو وسايكس بيكو" فتبعها تقسيم الخط الحديدي، وطالبت الجماهير العربية بعدم التقسيم باعتباره وقفا إسلاميا لايجوز تقسيمه، إلا أن هذه الاحتجاجات والمطالبات ظلت حبرا على الورق منذ معاهدة لوزان عام 1923م وحتى استقلال سورية من الاستعمار الفرنسي عام 1946م.
الهجرات اليهودية
وأثناء الهجرات اليهودية المتكررة والمتلاحقة الى فلسطين وتشكيل عصابات عسكرية مسلحة ومن بين الأعمال الإجرامية والتخريبية نسف الجسر الحديدي بين "الحمة وسمخ" في عام 1946م، وتكررت الاعتداءات على جسر اليرموك وبعدها على الجزء الذي يصل درعا بالحمة ليتوقف الخط نهائيا بعد حرب عام 1967م وبعد جهود مضنية تم تسيير الخط الواصل بين دمشق وعمان فقط.
واليوم يجد الزائر في مبنى محطة الحجاز الأثرية عربتين كانتا مخصصتين للسلطان عبدالحميد الذي لم يتمكن من السفر فيهما بسبب خلعه، في حين تعرض جمال باشا السفاح فيهما لمحاولة اغتيال واليوم نجد مطعما ومقهى تراثيا سياحيا تم استثماره بداية عام 1996 وتتألف العربتان من ثلاث مقطورات:
1- مقطورة صالون وحمام ومطبخ
2- غرفة اجتماعات ونوم وحمام
3- غرفة نوم ومطبخ
والزائر لهذا المكان السياحي يجد هذه العربات مزينة في الداخل بعدة صور قديمة لدمشق تعود لبداية القرن الماضي ولا تزال بعض القطارات البخارية تصل دمشق ببعض المناطق السياحية والقطارات الحديثة (الديزل) تصل دمشق والمحافظات السورية مع بعضها وتعد رحلة يوم الجمعة إلى مصايف دمشق من عين الفيجة والزبداني وسرغايا من اجمل وامتع الرحلات حيث ينطلق القطار القديم بصفارته الاثرية والتي يعرفها الدمشقيون وخاصة الاطفال الصغار ليعاند الزمن ويروي حكاية قديمة.
ومن محطات الخط الحديدي الحجازي:
- محطة الميدان: وكان يطلق على هذه المحطة اسم «محطة دمشق» وهذا ما يؤكده كتاب «معلومات عن سوريا» الذي نشرته وزارة الحربية عام 1916م والذي تحدث عن هذه المحطة باسم محطة دمشق وهي نقطة انطلاق خط دمشق مزيريب القديم وتحوي عدة خطوط تخدم حركة الشحن والصيانة ومرأب القطارات وحركة المسافرين وفيها ورشات الصيانة وخزانات التزود بالمياه والفحم ورصيف طويل مكشوف لشحن وتوزيع البضائع.. أما بناء المسافرين فيها فقد صمم ليكون مبنى ادارة المحطة والخط إلا أنه عدل وبني بعد التعديل واستخدم كبناء للمسافرين والادارة معا. وتم توقف العمل في هذه المحطة عام 1963م حيث بقيت حتى ذلك العام نقطة انطلاق للقطار باتجاه البرامكة ومنها إلى الحجاز ثم البرامكة مرة أخرى وقد تحول مبنى المسافرين فيها الى مبنى سكني يستخدمه مواطنون مع عائلاتهم يعملون لدى المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي.
- محطة البرامكة: كان القطار المتجه من دمشق الى بيروت ينطلق من محطة الميدان إلا أن التجمع الفعلي للركاب كان في محطة البرامكة وهي محطة رئيسية كبيرة تقع في الجهة الغربية من مدينة دمشق تحتوي على بيوت للعمال والموظفين وبيوت مماثلة للايجار ومستودعات لمعدات الخطوط وتوجد ساحتان كبيرتان بجانب كل منها رصيف طويل لشحن وتفريغ البضائع وساحة للمسافرين ينفتح اليها بناء المسافرين وهو بناء مؤلف من طابق واحد وقد انشئت هذه المحطة عام 1895 وهدمت عام 1970م بعد إلغاء المحطة وإزالتها حيث بني مكانها بعض الأبنية السكنية ومحطة لانطلاق الباصات وبناء وكالة "سانا".