تغص خيبر بالأساطير والقصص التي يتداولها أهالي المنطقة حول عدد من المعالم الموجودة في المنطقة منها ما هو من نسج الخيال ومنها ما قد يكون صحيحا لكنها إجمالا أخذت في الانتقال من الزمن الماضي صوب الذي يليه في ظل عدم وجود دلائل تاريخية أكيدة تقود المؤرخين والمهتمين بالآثار إلى استبيان الحقيقة التي من أجلها قام ذلك المعلم. ونظرا لعدم وجود التأكيدات التاريخية أطلق أشخاص في الزمن الماضي العنان لخيالهم ليؤكدوا أن معلما ما نشأ بسبب كذا ثم يطلقون قصة أقرب ما تكون للخيال منها للحقيقة إما من باب الدعابة أو لأغراض شخصية معينة أرادوا تحقيق فائدة منها أو لأي سبب آخر. ولأن الناس في الحقب الزمنية الماضية كانوا يعيشون حياة بسيطة فقد وجدوا في تلك الأساطير سلواهم في سمرهم, وضحكهم, واجتماعهم دون إدراك منهم بأن تلك الأساطير التي قالوها لأبنائهم ثم انتقلت إلى أحفادهم وتواترت عبر الأجيال أحدهم يضيف وآخر ينقص ستتحول في يوم ما إلى سمة يعرف بها الناس تلك المعالم.
ما يثير الغرابة هو تمسك الأهالي بالأساطير وتصديقها, وخاصة كبار السن منهم بالإضافة إلى انخراط أناس متعلمين في منزلق الإيمان العميق بها لدرجة أن البعض يتحدى أن يكون غير ذلك صحيحا متذرعا بحجة أنه لا يوجد تعريف حقيقي مقنع يحل مكانها ويمكن اعتماده مما يجعل من تصديقها الخيار الوحيد.
ورغم أن أدوات البحث كانت محدودة, ومساحة الوقت كانت ضيقة فقد كشف مسح ميداني عن وجود عدة أساطير وقصص مختلفة تفردت بها بعض المعالم من بين ما يقارب 46 معلما هي إجمالي معالم خيبر المعروفة على الصعيد السياحي تقريبا.
فمنها ما يؤكد أهالي المنطقة أنه آثار جيش المسلمين الذي قاده النبي صلى الله عليه وسلم لحرب اليهود في خيبر, وأخرى تشير إلى كنوز مدفونة, وثالثة عن فتاة أقامت سبعة سدود بيديها بالإضافة إلى تفجر جبل قبل 200 عام, ورؤيا صحابي تشير إلى أهمية جبل, والمكان الذي سوره الأهالي باعتبار أنه الموقع الذي بنى فيه الرسول الكريم بزوجه صفية بنت حيي رضي الله عنها. أما الأغرب والأعجب فيها هو أن البعض يعتقد جازما بأن المولود الناجم عن معاشرة الزوجة عند الباب الذي خلعه علي يكون مباركا.
سنتناول تلك الأساطير التي أطلقت للتعريف ببعض الأماكن إلى جانب شرح موجز يتضمن وصف المعلم, وتسمياته المحلية والتاريخية, إلى جانب الأضرار والأخطار التي تحدق بتلك المعالم, والخدمات المفقودة المفترض توفرها فيها, ومواقعها الجغرافية, ومساحاتها, وسماتها الطبيعية.
آثار جيش النبي
يقع جبل القرين شمال خيبر على ارتفاع عال يزيد على 700 متر عن سطح البحر, وهو جبل غريب لا يشبه غيره, ويستمد غرابته من أن معظم الصخور في المنطقة المحيطة به نارية وبركانية في حين يتكون هو من صخور رسوبية, ويوجد بجواره وادي صغير لكنه متخم بالحفر الكثيرة. ونظرا لعدم وجود تفسير علمي يشرح أسباب نشوء تلك الحفر فإن الأهالي يتبادلون أسطورة بات المكان يتمتع بها هي أن نشوء الحفر جاء كأثر يؤكد مرور جيش النبي صلى الله عليه وسلم بالمنطقة. وتلك الحفر تتفاوت في اتساعها ما بين كبير وصغير مما ترك للاجتهادات الشخصية والتوغل في الخيال مسلكا اتبعه الناس فالحفر الصغيرة وصفوها بآثار حوافر الخيل, والطويلة المستطيلة الشكل تقريبا قيل أنها آثار أقدام, وكلما وجدوا حفرة متشكلة اخترعوا لها تفسيرا قريبا ليسهل تصديقه وتداوله. ورغم أن الموقع يعد مثار جدل تاريخي حول صحة مرور جيش النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الموقع وتكوين أثر له إلا أنه لم يجد اهتماما من الجهات المختصة فلا هي التي طورته واستغلته سياحيا ولا هي التي نفته وقضت على هذه الأسطورة التي لا يعرف عمرها غير أن أصحاب الخبرة يؤكدون أنها قديمة جدا. ولم يقف المكان على تلك الأسطورة بل حظي بأخرى تشير إلى تأكيد بأن الجبل الشامخ يوجد تحته عين اسمها (كاز), وقد عمد اليهود إلى دفنها قبل مغادرتهم خيبر لكي لا يستفيد المسلمون منها لكن الأسطورة اقتصرت على ذلك ولم توضح كيف قام الجبل عليها أو كيف السبيل إلى فتح تلك العين المغلقة منذ ما يزيد على 1400 سنة. الموقع يتميز ببيئة جبلية, وتكوينات صخرية في كامل المكان وفيها أنواع مختلفة من الحيوانات ذات أنواع من الثدييات, والزواحف, والطيور, والقوارض.
أسطورة الباب المخلوع
كشف رئيس قسم السياحة في لجنة التنمية الاجتماعية خالد النوبي عن وجود بعض الممارسات الغريبة التي كانت تحدث في داخل حصن القموص. وذكر أن هناك اعتقادا أشبه بالأسطورة يشير إلى أن من يعاشر زوجته عند الباب الذي خلعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويسفر عن ذلك حمل, فإن المولود يكون مباركا وله قدسية يتمتع بها, مستغربا في الوقت ذاته من ذلك الاعتقاد لكنه أكد رسميا عدم اكتشافهم لأي ممارسات من هذا النوع. أما الباب المعني بالقصة فهو من الخشب وكتب عليه بعض العابثين بخط كبير لونه أحمر عبارة: «علي أكبر عزيز» إلى جانب بعض العبارات الأخرى ذات الانتماءات المذهبية.
كنوز وثعابين
يوجد حصن السلالم في جنوب غرب خيبر, وتبلغ مساحته 500 متر, ويعد آخر حصن لاذ به اليهود واحتموا بداخله مستغلين طول ارتفاع جدرانه البالغ علوها خمسة أمتار إلى جانب ارتفاعه عن سطح البحر بحوالى 718 مترا مما يجعل اختراقه صعبا خاصة أنه مبني بالحجر والطين لكنهم لم يلبثوا داخله طويلا فأعلنوا استسلامهم الرسمي لجيش المسلمين في غزوة خيبر. شكل الحصن في الوقت الراهن صار من الصعب أن يتجاوز وصف (بقايا حصن قديم), فهو الآن محاط بمزارع نخيل قديمة ذات ملكية خاصة, ويعرف محليا باسم (سلالين). والحصن له أسطورته أيضا حيث يؤكد أهالي المنطقة أنها صحيحة فهم يؤكدون أن المباني المهدمة التي تحيط بالحصن يوجد في باطن أرضها كنوز اليهود التي جمعوها كلها خاصة تلك التي لا يعرفها المسلمون ثم أخفوها خلال غزوة خيبر, وعندما عجزوا عن أخذها أثناء مغادرتهم فضلوا تركها هناك على أن يسلموها غنيمة للمسلمين. وتزداد الأسطورة إثارة عند سماع روايتها من بعض الأهالي من خلال قولهم إن تلك الكنوز يحرسها الجن والثعابين بعدما بقيت فترة طويلة داخل الأرض دون أن يستخرجها أحد على حد تعبيرهم.
رؤيا عيينة
ذو الرقبة جبل يشد النظر إليه بشكله العجيب, فمظهره يختلف من الناحية الشرقية عنه من الناحية الجنوبية, وهو كبير إذ تبلغ مساحته 2 كيلو متر مربع فيما يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 731 مترا ويطلق عليه أهالي المنطقة اسم (أبو رقبة) وهو متاح لزيارته من قبل الناس. وقد أطلقت عليه قصة بقيت متداولة حتى الآن وهي أن عيينة بن حصن رأى في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى من غزوة خيبر, وفتح جميع الحصون أعطاه إياه من الفيء, فانطلق إليه ليراه لكنه فوجئ به من منظره, ويقال أيضا أن عيينة يعتقد أنه جبل ذو قيمة وقيل إن المكان بأكمله ربما يكون ذا قيمة.
جبل القدر
يعتقد الكثيرون أن انفجارا قويا حدث شرق خيبر قبل 200 عام انطلق خارجا من الأرض وشق جبلا من جوفه حتى خرج من الأعلى بركان ثائر تدفقت حممه وانتشرت في الأرجاء لدرجة أن الحجارة المنتشرة في الموقع يشار إلى أنها من آثار الانفجار.
والجبل في هيئته كبير إذ تبلغ مساحته 9 كيلو متر مربع, ويرتفع عن سطح البحر 1696 مترا, ونظرا لطريقة الانفجار تشكل في قمة الجبل شكل على هيئة قدر هي فوهة البركان وصارت الحمم التي تدفقت منه تعطي منظرا عجيبا, وقد صار الجبل يعرف باسم (جبل القدر).
فتاة تبني سدا
من أطرف الأساطير التي يذكرها أهالي المنطقة أسطورة سد يدعى (سد البنت), وتقول الأسطورة كما يحكيها الشيخ الجهني: إن ابنة أحد حكام العمالقة مرض والدها وبعد فترة اشتد به المرض لدرجة أنها خشيت عليه من الموت, فأخذت ترعاه وتمرضه ثم أخذت عهدا على نفسها إن شفي والدها واستعاد عافيته أن تبني سبعة سدود يستفيد بها الناس احتفاء بسلامة والدها. وبالفعل تعافى والدها من مرضه فانطلقت وأنشأت تلك السدود ومنها (سد البنت) الذي يبلغ ارتفاعه من القاع إلى الأعلى 18 مترا وحالة بنائه التي نفذت بالحجر والطين متوسطة تقريبا باستثناء الجزء المتكسر مما يجعله عاجزا عن حفظ الماء خلفه.
في حين تذكر مصادر تاريخية أن بناء السد يرجح أن يكون في عهد الدولة الأموية قبل أن ينكسر خلال المئتي سنة الأخيرة بحسب بعض الروايات المتواترة في حين ذكرت روايات أخرى أن زلزالا أصاب المنطقة فانهار في إثره الجزء المتهدم من السد ساعد في ذلك كميات المياه الكبيرة المحتجزة خلفه لاسيما أن آثار الزلزال تشاهد في معظم أنحاء المنطقة وبالتحديد في الحصون المتهدمة في المنطقة المجاورة للسد.
قبر صفية
بنى بعض أهالي المنطقة قبل حوالى سنة تقريبا سورا حول ما يسمونه بـ (قبر صفية) البالغ مساحته 12 مترا مربعا والذي يقع شرق قرية تمر, ويعتقد أن هذا المكان هو الذي بنى به النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها, وقد اختلفت الروايات في تسميته, فمنها ما ذكر أنه قصر صفية وليس قبرها. وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد سبى نساء اليهود بعد الانتصار عليهم في غزوة خيبر ومنهن كانت صفية حين جعلت في السبايا بعد قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال:‏ يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال:‏ اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فقال:‏ يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال عليه الصلاة والسلام:‏ أدعوه بها‏‏
فجاء دحية بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ‏خذ جارية من السبي غيرها‏، وعرض عليها الرسول الكريم الإسلام فأسلمت، فأعتقها ثم تزوجها، وجعل عتقها صداقها حتى إذا كان بسد الصهباء راجعا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها‏.‏ (متفق عليه).
وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد رأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا ‏؟ ‏‏قالت:‏ يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي‏,‏ فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة ‏.‏
خطوط على الحجارة
ويذكر أهالي منطقة خيبر أن مقبرة الشهداء كان بها أحجار كتب عليها بالخط الكوفي غير المنقوط بعض العبارات إلا أنه لا يوجد مصدر ثابت يؤكد ذلك لمقارنتها بما يقولون غير أن هناك حجرا يقال إنه كتب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم ثم اسم الصحابي المستشهد).
أضرار ومخاطر
ونظرا لقدم تلك المعالم المكسوة بالأساطير فإنها تعرضت خلال مئات السنين إلى أضرار بالغة ويحدق بها عدد من المخاطر.
وقد ذكرت تقارير رسمية أن معظم الآثار التاريخية في خيبر معرضة للمخاطر بعد أن طالتها أضرار متعددة يأتي في مقدمتها عوامل التعرية من رياح وأمطار التي نجم عنها تآكل البنيان وانهياره, بالإضافة إلى اللصوص الذين خربوا عددا من المعالم خلال بحثهم عن الكنوز المدفونة, وهناك أيضا احتمالات نضوب عدد كبير من المياه بعد أن أغدقت على المنطقة بمياه طوال مئات السنين.
وينطوي أيضا تحت الأضرار الواردة في تلك التقارير إصابة عدد من المعالم بالحرائق التي نشبت فيها دون كشف هوية فاعلها.
خدمات مفقودة
ورغم أن الموقع يعد مرتعا خصبا للسياحة, ومكانا يرتاده الناس باستمرار إلا أن الخدمات مفقودة فيه مما يضاعف من احتمالية إصابة الزائر بأي ضرر نتيجة عدم الاهتمام بالمعالم. وكشف تقرير عن غياب 25 خدمة منها الكهرباء, والماء, والهاتف, والصرف الصحي, والمطاعم والبوفيهات, والمساجد, ومركز للدفاع المدني, ومركز للشرطة, وما يسمى بالخدمات الترفيهية, والخدمات الثقافية, ومكتب البريد, وسوق, وفرع لبنك, ومستوصف, ومركز إرشاد سياحي, ومرشد سياحي, ولوحات إرشادية, ونقل سياحي, وتأجير سيارات, وسيارات أجرة, وحافلات.