جبل النور يا سمو الأمير

نجيب عصام يماني

اختار الله لهذه البقعة المباركة أميراً عزيزاً يحمل الحب وينشر المحبة، مليئاً بذكريات غالية نُقشت في حنايا قلبه، عاشت معه وكبرت مع الأيام حتى أراد لها الله أن تظهر فتفجّرت فكراً وإبداعاً وترجمت على أرض الواقع مشاريع خير وبركة أزالت بمشرط جرّاح مقتدر صراع العشوائيات وأصلحت أوضاع المقيمين والمجاورين ممن عاشوا على هذه الأرض سنين عدداً وتطوير وسط جدة ومطار الملك عبدالعزيز وإحياء سوق عكاظ. ومازال الإبداع يترى لخير هذه المنطقة قبلة المسلمين ومأوى أفئدة الموحّدين.
إضافات قيّمة يرسمها التاريخ بريشة فنّان مبدع مزيلاً أوجاع السنين وتعب الأيام لتصبح أم المدائن وما حولها صورة صافية جميلة في قلب كل مسلم. مواجهاً كل التحدّيات والمعوّقات بسلاح الرؤية العميقة والخبرة الإدارية الطويلة وسرعة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
تذكرت وأنا أقرأ تأكيد الأمير خالد الفيصل في اختتام دورة المكتبات والمعلومات السعودية الخامسة أن ديننا الإسلامي يلح في دعوة الإنسان لطلب المعرفة حتى أنه استهل بها رسالته السماوية في أمره بالقراءة التي تمثّل في معناها الشامل جامعة المعرفة وأنها وسيلة للإيمان عندما دعا للتفكّر في الخلق والكون.. إضافة إلى إقرار سموّه للائحة التنفيذية لمجلس مكة الثقافي واعتماده جائزة سنوية باسم جائزة مكة للتميّز على سبعة أفرع تمثّل العلم والثقافة والبيئة والعمران والحج والعمرة والتقنية والإدارة.. رجعت بي الذاكرة إلى سنين مضت عندما ذكرت «عكاظ» قبل أربع سنوات خبراً في 26/12/1425هـ عن إنشاء متحف أثري ومشروع متكامل لتطوير جبل النور وغار حراء تكليفاً من سمو الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز -رحمه الله- للهيئة العليا لتطوير المنطقة وأمانة العاصمة المقدّسة بالعناية وتحسين المواقع التاريخية والأثرية في مكة المكرمة بما فيها جبل النور وغار حراء للتسهيل على ضيوف الرحمن الراغبين في الزيارة، وقد أكّد وكيل الأمانة للتعمير والمشاريع آنذاك أنه يأتي ضمن المشروعات التطويرية والتحسينية وإيقاف التعدّيات على جبل النور وإنشاء مشروع متكامل لتسويره من مختلف الجهات وإنشاء استراحات ودور عرض مرتبطة بشبكة من الكاميرات لتطوير الغار وعرضه عبر شاشات في هذه الدور للحجاج والمعتمرين مع توفير دُعاة لتوجيه الحجّاج وإرشادهم لما ينبغي فعله، وأن المشروع يتضمن توفير سلالم ثابتة ومتحرّكة تساعد على الصعود للجبل وإنشاء محلاّت تجارية للكتب الدينية وتوفير أفلام وثائقية تدوّن رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف نزل جبريل بالوحي على القلب الأمين وإقامة متحف. وقد توقّع حسب ما ذكرت «عكاظ» على لسان وكيل الأمين الانتهاء من المشروع قريباً حيث إن الدراسات شبه مكتملة وسيشارك في التنفيذ القطاع الخاص وسيتم التنسيق مع مؤسسات الطوافة والعمرة لتنظيم زيارات للحجّاج والمعتمرين للمشروع، انتهى الخبر.
بعد كل هذه السنوات وتحديداً في 12/9/1429هـ وعلى نفس صحيفة «عكاظ» ذكر تقرير أن الحال كما هو عليه رغم تعاقب الأيام والشهور فما زال غار حراء الذي يضمّه جبل النور يعاني من الإهمال والعشوائيات ومرتعاً للعمالة الهاربة التي تمارس العادات الجاهلية والضحك على الحجّاج والمعتمرين وتغذية عقولهم بالخرافات والأوهام وممارسة البيع والشراء وبيعهم التراب والأحجار ومزاولة الكتابة على صخور الجبل وابتزاز الزوّار عن طريق تصويرهم وبيع المأكولات والمشروبات والهدايا والصور. علاوة على ما يتعرّض له الحجّاج والمعتمرون من سقوط يؤدّي إلى وفاتهم في الطريق إليه صعوداً والصخور تنشب أطرافها المدببة فتهوي بهم إلى أسفل الجبل. خلا الطريق من أي علامات إرشادية أو وسائل للأمن والسلامة. إن هذا الجبل بغاره المبارك يمثّل في قلب ووجدان كل مسلم مكانة دينية عالية فهو جبل القرآن منه انطلق نور الهداية وشعاع الإيمان إلى العالم أجمع ومنه كانت البداية ومنه سمع الكون كلمة اقرأ لتجعل من هذا الدين دين معرفة وعلم، فيه نزل الروح الأمين على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم، جدرانه مازالت تردّد صوت الوحي عبقاً بعطر النبوة ونور الرسالة تكاد تكون زيارته مطمعاً لكل مسلم فهو يجمع بين عالم الروح وعالم المادة، تتلاقى فيه القيم مع المعاني الروحية السامية شاهداً قائماً ماثلاً تحسه النفس وتراه العين ويدركه العقل في ذكريات حميمة حافلة بالأحداث إنها حضارتنا الحقيقية. فيا أمير المحبّة والإبداع نطمع في إحياء هذا المشروع طالما أن خرائطه ودراسته جاهزة للتنفيذ على أرض الواقع، أخرِجها لنا من ظلمات الملفات إلى نور الواقع لتكتمل الصورة الجميلة لمهبط الوحي وأرض الرسالة كما أراد الله لها أن تكون وتصبح مكة وما فيها من آثار النبوة المباركة منارة إشعاع ومركز نور للعالم أجمع، فقدسية المكان لا تتناسب وحاله الذي عليه اليوم.
إنه أحد آثارنا العظيمة شاهدة على عظمة هذا الدين وقوّته وكما أرجع سموكم الفضل إلى أصحاب الفضل في تطوير منطقة خزام فكذلك مشروع الغار والجبل لا يحتاج إلاّ إلى وقفة الفيصل لإحيائه وإزالة تعدّياته وإظهاره بالمظهر اللائق به ليعبق المكان بعطر الزمان وتكتمل الصورة الجميلة لأم القرى وما حولها.


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة