الرعاية الصحية المنزلية.. ضرورة حتمية

وليد احمد فتيحي

قضى سبعين عاماً من عمره يعمل من أجل أسرته ومجتمعه يُعطي ولا يتوقف، وبين ليلة وضحاها تغير الحال إلى غير حال، فقد أصيب بجلطة في الدماغ وشلل نصفي، وعولج في المستشفى حتى استقرت حالته، وعاد إلى بيته وهو الآن يحتاج إلى إعادة تأهيله حتى يستطيع المضي في الحياة.
قضت ستين عاماً من عمرها تُعطي وتغدق، أنجبت وربت سبعة من الأبناء وما فتئت تعطي الأبناء الأحفاد، وفجأة شخصت بسرطان خبيث انتشر إلى الدماغ وعلى مدى اشهر من جرعات الدواء غير المجدية لعلاج الحالة وأجمع الأطباء انه ليس هناك من خيارات أخرى وأن امكانية الشفاء غير متوفرة ولابد من تأهيل المريضة في البيت حتى تستطيع ان تقضي ما تبقى لها من عمرها براحة وبدعم طبي وعائلي واجتماعي يساعد في تخفيف آلامها الجسدية والنفسية.
آلاف الحالات من المرضى تحتاج توفير الخدمة الصحية والاجتماعية بالمنزل وبالتنسيق المستمر مع المعالج لتكون جزءاً مكملاً للرعاية الصحية التي قدمت بالمستشفى وذلك داخل نظام متكامل للرعاية الصحية ومتابعة مستمرة وشاملة للمرضى في اماكن اقامتهم بخصوصية، ويقتضي ذلك تجهيز الاحتياجات اللازمة لكل فرد سواء كانت جسمانية أو نفسية أو اجتماعية، وتقديم الدعم لأفراد الأسرة ومقدمي الرعاية للمريض.
وقد استمعت إلى محاضرة قدمتها الدكتورة نسرين عبدالرحمن جستنية «استشارية طب كبار السن والعناية التلطيفية وطب الأسرة»، استعرضت فيها بعض التجارب العالمية للرعاية المنزلية جاء فيها ان في كندا مثلاً 80% من خدمة الرعاية الصحية المنزلية يقدمها القطاع الحكومي و20% يقدمها القطاع الخاص ويستفيد من هذه الخدمة حوالى 3% من الشعب، والمسنون المستفيدون منها حوالى 17%، وأظهرت دراسة أوروبية “RCT” انخفاضاً في التكلفة لمرضى الرعاية المنزلية بنسبة 38%، وفي دراسة أخرى لمائة وسبعة وخمسين ألف حالة أظهرت انخفاضاً بنسبة 25% لزيارة الطوارئ والدخول للمستشفى، ودراسة أخرى أكدت دور التمريض المتخصص في الرعاية المنزلية في انخفاض دخول المرضى ذوي الحالات الخاصة للمستشفيات بنسبة 65%، وفي دراسة اجريت في فيلادلفيا أظهرت أن إضافة خدمة متابعة المرضى عن طريق الرعاية المنزلية وخدمة الاتصال بالهاتف قد ادت إلى انخفاض تكلفة العلاج “Medicare” بنسبة 50% وقللت من الدخول للمستشفى.
ان ازدياد الحاجة إلى الرعاية المنزلية نتيجة طبيعية وضرورة حتمية نظراً لارتفاع متوسط العمر المتوقع في المجتمعات المتقدمة وانخفاض معدل الوفيات الناتجة عن الأمراض وحوادث الطرق، وفي مجتمعاتنا فإن هناك عاملاً آخر هو الازدياد المضطرد والسريع في شريحة المسنين نتيجة خمسة عقود من طفرة النمو السكاني أضف إلى ذلك تركيبة المجتمع الاخلاقية والاجتماعية والفكرية والتثقيفية والدينية.
ومن اهداف الرعاية المنزلية التقييم والمعالجة والمتابعة ومراقبة المؤشرات الحيوية والعناية الجسدية والدعم المساند من علاج طبيعي وعلاج مهني وارشاد وتثقيف صحي، وتقديم الدعم من المعدات والاجهزة اللازمة للمرضى أضف إلى ذلك تقديم الدعم لأفراد الأسرة ومقدمي الرعاية للمرضى.
ويتكون فريق الرعاية المنزلية من طبيب الرعاية المنزلية ومنسق وجهاز تمريض ومساعد العناية الشخصية وأخصائيين في العلاج المهني والعلاج الطبيعي والعلاج النفسي والتغذية وأخصائيين اجتماعيين وأخصائي علاج النطق ورجل دين.
ونجاح برنامج الرعاية المنزلية يعتمد بشكل رئيسي على تأهيل هذه الكوادر، وبرامج الرعاية الصحية كثيرة جداً مثل رعاية الأمومة والطفولة، وبرامج كبار السن للمصابين بالزهايمر والعناية بالأمراض النفسية والتأهيل النفسي وإصابات الدماغ بعد الحوادث وغيرها الكثير.
ولأهمية هذه القضية الملحة وحاجتنا إلى وضع خطة استراتيجية متكاملة فقد نظمت المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية مؤتمراً يُقام اليوم وغدا بتاريخ 18-19 نوفمبر 2008م، بعنوان «المؤتمر الطبي الاجتماعي للرعاية الصحية المنزلية» «شراكة صحية وإنسانية ... استراتيجية جديدة» والذي نأمل ان نخرج منه باستراتيجيات واضحة المعالم وخطوات جادة لتحقيق جودة صحية عالية ... وعلاج شمولي متكامل ... بتكلفة أقل ... وفعالية أكبر.
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي
للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة