ناهبو الآثار شوهوا ملامحه وحفروا جدرانه

قطعان الحمير تشوه هدوء خيبر

ناهبو الآثار شوهوا ملامحه وحفروا جدرانه

جولة: عبدالرحيم بن حسنتصوير: رمزي عبدالكريم

من يعقد العزم على زيارة خيبر القديمة وبالتحديد حصن القموص فإن أول ما يتوقع رؤيته في المحيط المجاور أماكن معينة تشرح تاريخ المكان لكن عرضا عن ذلك يفاجئ الزائر بوجود قطعان من الحمير ما فتئت تمزق هدوء المكان بنهيقها ولا يكاد أحدها يهدأ حتى ينطلق نهيق حمار آخر من مكان مختلف مجاور. والعجيب في هذه الظاهرة أن مصدر مجيء الحمير غير معروف قبل أن يجتهد البعض في معرفة السبب ليكتشف أنها قادمة من العراق. أما من يتجاوز المحيط حتى يصل إلى أسفل الحصن فإن أول ما يراه لوحة زرقاء كتب عليها باللون الأبيض عبارة «تحذير: يحظر التعدي عليها تحت طائلة العقوبات الواردة بنظام الآثار الصادر بالمرسوم الملكي رقم م26 وتاريخ 1392/6/23هـ».
الوقوف أمام تلك اللوحة والتمعن في كلماتها يعطي انطباعا بأن كل ما يقع خلفها لم يمسه بشر لكن على بعد خطوات باتجاه الحصن ينكشف الوجه الآخر من المكان، فالأعمال التخريبية تكسو الجدار العازل الذي عاث فيه المخربون تهشيما وتقطيعا فجابه المسؤولون ذلك وعملوا تعديلا وترقيعا والضحية منظر الحصن العام.
فما بين ثني أعلى السور لاتخاذه مقفزا إلى قطع أوصال الشبك تتنوع مناظر التشويه على امتداد عدة أمتار قبل أن يلفت النظر آثار مشي قادت الخطى إلى آخر السور حيث يلتصق بجدار حجري مجاور.
لغز البئر
يوجد في الطريق المؤدية إلى الحصن بئر مطوية من أعلى الحصن إلى أسفل الوادي وتبلغ مساحتها 12 مترا وارتفاعها 25 مترا وترتفع عن سطح البحر 744 مترا.
وكان سكان الحصن يستقون من البئر عند حالة الحصار من خلال الدخول في فتحة جانبية بأحد جدرانها قيل إنها المنفذ الذي كان يسلكه اليهود خلال حصار المسلمين لهم من أجل التزود بالماء من العيون المجاورة قبل أن يكتشف النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق يهودي اعترف له بالأمر فلما منع الماء اضطر اليهود إلى الخروج من الحصن فوقعت الحرب وانتصر المسلمون.
والبئر حالياً مغلقة بسياج فولاذي على هيئة شبك يمنع الدخول إليها وقد ذكر رئيس قسم السياحة في لجنة التنمية الاجتماعية خالد النوبي أن الفتحة الموجودة في البئر لم يدخلها أحد من أجل استكشاف ما فيها وبقيت تلك الفتحة تنتظر من يدخل إليها ليكشف ما خلفها بعد أن قامت الجهات المختصة بإغلاق البئر بسقف حديدي من الفولاذ.
حصن القموص
بعد تجاوز البئر يظهر حصن القموص الذي يمنع دخوله رسميا وقد أغلقت جميع المنافذ المؤدية إليه، ولا يوجد وقت معين يسمح فيه بزيارته بعد تعرضه لأعمال حفر واسعة النطاق في الداخل بالإضافة إلى ممارسة معتقدات خاطئة.
فالذين دأبوا في أعمال الحفر لم يرحموا مكانا في داخله إلا وأتوا عليه لينبشوا فيه اعتقادا منهم بأن هناك كنوزا مدفونة أو آثارا قيمة وحتى الجدران لم يرحموها من معاولهم.
وقد اتضح وجود أعمال ردم لتلك الحفر المنتشرة في كل مكان لدرجة أنها باتت مصادر خطورة للزائرين ورغم ذلك فالمكان يتعرض لزيارات مستمرة من قبل الناس رغم إغلاقه من قبل الجهات المختصة ومنع الدخول إليه.
وجاء اسم الحصن في المصادر العربية بالقموص وقيل الغموص لكن الاسم الأول هو الشائع وهو حصن بني أبي الحقيق ويقع في وادي الكتيبة مما جعل بعض المصادر تميل إلى تسميته باسم «حصن الكتيبة» الذي يشتهر بين الأهالي باسم «حصن مرحب».
والمتمعن في طريقة بناء الحصن يجد أن أساسه مشيد من كتل حجرية ضخمة بينما شيدت جدرانه من الأحجار البركانية واللبن في زمن يعتقد المؤرخون أنه يعود إلا الغساسنة خلال القرن الميلادي الخامس.
ويلاحظ أن الجدران كانت كثيرة الفتحات لتساعد المقاتلين المتمترسين والمحتمين بالحصن من صد المهاجمين والذود عن حصنهم فيما يدلل ما بقي من جدرانه الخارجية على أنه كان يحتوي عدة أبراج منتشرة.
قطعان الحمير
عندما يقف المرء فوق حصن القموص يشاهد الأفق الممتد أمامه من فوق الأسوار، ويسرح في منظر خلاب شيق فإن أول ما ينتزعه من ذلك المناخ التأملي هو صوت الحمير المنتشرة في الأرجاء المحيطة بالحصن، فحمار ينهق في جهة وآخر يرد عليه في الجهة الأخرى، وثالث يشاركهما النداء نهيقاً بطريقة تؤكد لمن يستمع إلى تلك الأصوات أنه أمام ظاهرة انتشار للحمير هناك.
وبسؤال بعض أهالي خيبر حول دواعي انتشار الحمير في منطقتهم، نسب عدد منهم السبب إلى أن الحرب التي نفذت ضد العراق شردت عددا من الحيوانات الأليفة ومن ضمنها الحمير، فانتشرت في شمال المملكة، وأخذت تتجه صوب الشمال الغربي حتى وصلت إلى خيبر.
وذكروا أن أهل خيبر القدماء لم يكونوا يستخدمون الحمير في وسائل نقلهم إلا في النادر كونهم كانوا يمتلكون أسرابا من الخيول بالإضافة إلى الجمال.
وحول الكيفية التي عرفوا أنها حمير قادمة من العراق أوضح بعضهم أن المناطق المتاخمة للحدود العراقية هي أول من عانت من دخول أفواج الحمير، وقالوا: تتبعنا طريقة انتشارها في المناطق المجاورة لخيبر وأجرينا مقارنة بين الدلائل والمؤشرات التي أدلى بها بعض خبراء المناطق الواقعة شمال خيبر فتأكدنا من ذلك.
البعض علق ضاحكا بقوله: يبدو أن الحمير العراقية تذمرت من أصوات الصواريخ وضرب المدافع فآثرت النزوح إلى أي مكأن آخر الأهم أن تكون خارج الحدود الجغرافية لبلدها.



















سرقة الخيول
أهالي خيبر القديمة استعملوا عددا من الحيوانات في ترحالهم وتنقلهم وكان من أبرزها الخيول، وقد أوضح خالد النوبي أن المنطقة معروفة بالخيول ذات النوع الجيد لكنها تعرضت لسرقات متتالية حتى لم يعد يبق منها إلا شيء بسيط، وقال: كان لدى جدي عدد كبير من الخيول كلها سرقت ما عدا واحد فقط.
وأضاف: هذه المشكلة لا نعاني منها وحدنا فقد تعرض أهالي المنطقة الذين يملكون خيولا للسرقة لكنهم لم يكترثوا بتوالي السرقات بسبب عدم حاجتهم إليها لذا ظل السارق مجهولا حتى الآن.
الديرة القديمة
ومن يمر بجوار الجدار المطل من الحصن فإنه سيجد قرية مهجورة هي عبارة عن أبنية مبنية من الطين والحجر، واقفة على عروشها لا يتحرك فيها ساكن، ولا يوجد فيها متحرك، يقال لها بشر القديمة.
وتعرف المنطقة باسم المرحلة الأولى من خيبر فهي عبارة عن قرية قديمة مبانيها متلاصقة ببعضها البعض، وتتكون في الغالب من دورين وسقائف يحيط بها سور قديم مبني من الحجر والطين.
ويوجد للقرية بوابات خمس تشبه الدروازة جميعها تغلق بعد صلاة المغرب ولا تفتح إلا إذا كان القادم من الخارج يعرف كلمة السر، فإن قالها فتح مسؤول البوابة في تلك الليلة له الباب ليدخله إلى القرية، وإذا لم يعرفها انتظر حتى الصباح، وكانت أبرز كلمات السر المتواترة إلى الآن هي «سرى الليل».
الديرة القديمة لا يمكن الدخول إليها والخروج منها إلا في النهار، وطرقاتها ضيقة فهي مكونة من عدة أحياء أهمها الرحبة، والصحين، والخوخة، والبيض، وسقيفة الدباكية، وتصميم القرية هو حربي لما كان سائدا في ذلك الزمان، ويبلغ عمر الحي تقريبا 2000 عام لكنه يعاني من أعمال الحفر التي استهدفت الكنوز والآثار، كما يوجد بالقرية مزارع النخيل بكثرة، وتزرع بعض الخضروات والفاكهه للاستعمال المحلي وتكثر في القرية عيون المياه الجارية والموجود معظمها حاليا وتسقى منها مزارع النخيل وتستعمل للشرب أيضا تلكم النخيل وهي نخيل شاهقة الارتفاع وتحيط بالقرية مزارع النخيل من كل الجهات.
نساء خيبر
ووصف الشيخ علي الخليوي وهو إمام مسجد سابق أن الحياة في خيبر القديمة كانت هادئة ومتزنة، مشيرا إلى أن تلك الأيام لن تتكرر على حد تعبيره.
وقال: كنا نلعب كرة القدم عندما كنا صغارا وأذكر أنني أبدعت في إحدى المباريات وقدمت جهدا جيدا، فجاء شخص معروف في تلك المنطقة ولم يصل على النبي فأصابني بعينه التي تأثرت بها كثيرا.
وحول الكيفية التي كانوا يمارسون بها كرة القدم في تلك الفترة، ضحك وقال: هل تعتقد أن كرة القدم في ذلك الوقت شبيهة بالوقت الحالي، إنها مختلفة جدا.
الخليوي أخرج من ذاكرته كيف كانت الحياة، وقال: كان يومنا يبدأ في الصباح الباكر جدا، وقد كان فينا نشاط متميز ساعدني ذات مرة على التوجه إلى القدس ثم العودة إلى خيبر، وكذلك فعل أحدهم من أهالي المنطقة.
وامتدح في معرض حديثه المرأة في ذلك الزمان، وقال: هناك فرق كبير بين نساء اليوم ونساء الماضي، فمع الأسف نساء اليوم يعجزن عن التعاطي مع تكاليف الحياة الصعبة لكن المرأة قديما لديها القدرة على مواجهة الصعاب، ومساعدة زوجها في كل شؤون حياته، فهي تعمل في النهار معه، وتذهب إلى البيت لتجهيز ما يأكله وكذلك اهتمامها بأطفالها، لقد كانت المرأة آنذاك حزاما معينا وواقيا خلال وقت الشدائد.
قرية بشر
وبعد مضي ألفي عام من السكن في الديرة القديمة انتقل سكان المنطقة إلى قرية بشر المعروفة باسم المرحلة الثانية لمدينة خيبر وتبلغ مساحتها 8 كلم، وترتفع عن سطح البحر بنحو 760 مترا.
عملية الانتقال جاءت نتيجة ازدياد أعداد الأهالي الذي قابله ضيق مكان الديرة القديمة بسبب النخيل المحيطة بها من كل الاتجاهات، وهذا الانتقال كان مرحلة قادت أهالي خيبر فيما بعد إلى الحاضرة.
وتقع بعض منازل القرية التي سكنها أهلها قرابة 150 عاما بالقرب من النخيل بمنطقة منخفضة يسمى فيها ذلك الحي العيينة أما حي الشريف، والفقرة، والصفاصفة فتقع جميعها فوق هضبة مرتفعة، وتحيط بها حرة الشحيفاء، وبئر أبو زيد أما حي أبو مرخة والبريد فتقع على طريق المدينة تبوك القديم.
ومنطقة الشريف تعتبر هي مركز الوسط وتقع بها الإدارات الحكومية والمدارس والمحلات التجارية وسوق الشريف الذي كان يعج بالمتسوقين والتجار أثناء فصل الصيف.


شرح صورة
حصن القموص
من هنا كان يقفز العابثون بالحصن
الزميل عبدالرحيم بن حسن مع علي الخليوي
علي الخليوي
جدران الحصن لم تسلم من حفريات اللصوص
اللوحة التحذيرية
البئر وفيها فتحة جانبية لم يدخلها أحد في الوقت الحاضر.
الديرة القديمة يعود عمرها إلى ألفي عام تقريبا
قرية بشر مرحلة انتقالية قادت أهالي خيبر إلى الحاضرة
الطريق إلى الحصن ضيقة ووعرة