ثلاثة ملفات عراقية ساخنة

نجيب الخنيزي

بعد إعلان يوم الاثنين القادم موعداً لتوقيع الاتفاقية الأمنية بين الحكومتين العراقية والأمريكية وإقرار مجلس الوزراء العراقي في 16 نوفمبر الجاري وبغالبية 27 وزيراً من أصل 37 مسودة الاتفاق الأمني، بالإضافة إلى «الاتفاق الإطار» الذي يترجم المبادئ التي وافق عليها الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء نوري المالكي نهاية عام 2007. يغطي « الإطار» الاستراتيجي ميدان التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية بين البلدين على المدى الطويل. وينص على تقديم الولايات المتحدة الدعم إلى الحكومة العراقية «لحماية النظام الديمقراطي، واحترام الدستور وصيانته، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتعزيز مكانة العراق في المنظمات والمؤسسات والمحافل الدولية والإقليمية، وتشجيع الجهود السياسية الرامية الى إيجاد علاقات ايجابية مع الدول في المنطقة والعالم» أما مسودة الاتفاق الحالي فإنه يتيح للقوات الأميركية بالتمركز في العراق حتى نهاية عام 2011، الذي حدد موعدا نهائيا (مفترضا) لإنهاء الوجود العسكري (الاحتلال) الأميركي في العراق منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في 9 أبريل 2003، وقد وقّع الاتفاق (الذي يتضمن 30 مادة) في بغداد كل من وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري نيابة عن الحكومة العراقية التي يترأسها نوري المالكي من جهة، والسفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر نيابة عن الحكومة الأمريكية من جهة أخرى، فيما بدأ البرلمان قراءته الأولى للاتفاق، تمهيداً للمصادقة عليه أو رفضه. وتشير التوقعات إلى أن ذلك سيكون قبل نهاية الشهر الجاري. مسودة الاتفاق جرى استبدال مسماه الأصلي (الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة) و(إعلان المبادئ لتحقيق علاقة طويلة الأمد) ووفقا لتحديد الرئيس جورج بوش (شركاء في بناء عراق جديد) وهو ما كان يحمل في شكله ومحتواه وجودا إستراتيجيا طويلا ومفتوحا للقوات الأمريكية في العراق قد يمتد لعشرات السنين، بكل ما يتضمنه ذلك من نتائج وآثار سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية مدمرة للعراق، وارتهان ثرواته ومقدراته واستمرار فقدانه لاستقلاله وسيادته. المسمى الجديد للاتفاقية أصبح «اتفاق بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية بشأن انسحاب القوات الأميركية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه» وقد صرح وزير الخارجية العراقي زيباري عقب التوقيع أنه «يوم تاريخي للعلاقات بين البلدين» مضيفا خلال مؤتمر صحافي مع كروكر أن «الاتفاق يهدف إلى تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية بين البلدين، بالإضافة إلى الاتفاق على خطة سحب القوات»، واستطرد قائلاً إن «مثل هذا الاتفاق تطمح إليه كل دول العالم» في حين صرح الرئيس جلال طالباني خلال استقبال كروكر ومسؤول ملف العراق في الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد ان «الاتفاق يعيد السيادة والاستقلال إلى العراق. ويثبت دعائم الأمن والاستقرار وإنعاش الاقتصاد والإعمار وخروج العراق من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتدخلات الخارجية»، وقد اعتبر السفير الأميركي من جهته بأن مسودة الاتفاق «يحدد العلاقات بين البلدين لسنوات مقبلة اقتصاديا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا وصحيا وتجاريا من بين مجالات أخرى كثيرة». وأضاف: «هذا سيذكرنا جميعا بأن علاقتنا ستتطور بطرق عدة، بينما تواصل القوات الانسحاب من العراق اعترافا بالمكاسب الأمنية الكبيرة التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية». الموقف من الاتفاقية بين الكتل والجماعات السياسية العراقية في داخل البرلمان العراقي وخارجه كان متباينا إلى حد كبير، التحالف الرباعي الذي يضم حزب الدعوة والمجلس العراقي الأعلى (شيعة)، والحزبين (البرزاني والطالبان) الكرديين أيد الاتفاق الذي اعتبره مكسبا وأنه جاء ثمرة مفاوضات مضنية حيث أدخلت عليه تعديلات جوهرية يأتي في مقدمتها تحديد فترة الاتفاقية بثلاث سنوات وأنها تضمنت الانسحاب النهائي والكامل للقوات الأمريكية وفقا للمادة 24 الفقرة 1. التي تنص على «يجب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر عام 2011 ميلادي» كما تضمنت الفقرة 2 على أنه «يجب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى والقصبات العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أية محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 يونيو عام 2009 ميلادي». غير أن كتل وقادة جماعات سياسية أخرى مثل التيار الصدري وحزب الفضيلة (شيعة) وهيئة العلماء المسلمين (سنة) كان لها موقف آخر مناهض بقوة للاتفاق وقال الصدر في بيان أصدره مكتبه في النجف: «ها هي أولى وصمات الذل والعار تطبعها الحكومة العراقية الحالية بمساعدة الائتلاف (الشيعي الحاكم) وبعض الاحزاب الكردية بعد أن وافقت على توقيع الاتفاق مع المحتل محتجة بإخراجه، مع أن إخراجه واضح عقلا ونقلا وواجب وطني بعد كونه شرعيا لا يحتاج إلى أي اتفاق مع من لا عهد له ولا دين» كما طالب أعضاء الكتلة الصدرية (30 نائباً) في البرلمان «بحذف الاتفاق من جدول الأعمال، وإجراء قراءة أولى لمسودة قانون المصادقة على المعاهدات الدولية» ويحاول الصدريون إقرار قانون المعاهدات الدولية الذي يتطلب مصادقة ثلثي النواب لتمرير الاتفاقات الدولية، أي 184 صوتا، قبل إقرار الاتفاق الأمني.
كما أصدرت هيئة علماء المسلمين بياناً حاداً جاء فيه «إن إمضاءهم على ما يسمى بالاتفاقية الأمنية مع قوات الاحتلال الأميركي لم يفاجئنا، فهم أولا طرف في لعبة الاحتلال، وهم ثانيا يريدون ان يوفر لهم التزام قوات الاحتلال بالحفاظ على وجودهم ومكتسباتهم السياسية والفئوية على حساب المصالح العليا للعراق وشعبه المقهور، بعد أن عرف القاصي والداني أن الشعب لم يعد يطيقهم» في حين أعلنت القائمة «العراقية» بزعامة إياد علاوي تحفظها على الاتفاق معتبرة بأن تمديد التفويض الدولي للقوات الأميركية في مثل هذه الوضعية بوصفه «خياراً أفضل» وقال النائب عن القائمة مهدي الحافظ? في مؤتمر صحافي عقده أمس في بغداد إن «الكتل السياسية كانت تنتظر استكمال مشاوراتها بعد الاجتماع مع رئيس الوزراء وبعض المسؤولين قبل يومين والذي شهد الادلاء بأفكار وملاحظات جوهرية على مشروع الاتفاق»، وأوضح أن «الوضع حرج بالنسبة إلى عدد من الكتل السياسية التي ترى مشروع الاتفاق قاصراً عن التعبير عن الحاجات والمصالح الراهنة للشعب العراقي وسيادته الوطنية». وللحديث صلة.

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة