القرصنة وأمن البحر الأحمر
الجمعة / 23 / ذو القعدة / 1429 هـ الجمعة 21 نوفمبر 2008 20:01
خالد نايف الهباس
القرصنة ظاهرة قديمة تهدد أمن البحار ولا تقتصر على خليج عدن وبحر العرب, بل إن الكثير من المضايق البحرية حول العالم تتعرض لقرصنة منظمة مستمرة مما استدعى إنشاء مراصد لهذه الظاهرة وتتبع سياق تطورها. لكن المثير للغرابة تزايد عمليات القرصنة قبالة الساحل الصومالي مما جعل خليج عدن ممراً بحرياً غير آمن, فبحسب المكتب البحري الدولي تعرضت 84 سفينة أجنبية على الأقل لهجمات من قبل قراصنة صوماليون منذ مطلع هذا العام. ولعل أهم هذه العمليات تمثل في اختطاف ناقلة النفط السعودية العملاقة (سيريوس ستار) الأسبوع الماضي وعلى متنها حمولة من النفط تبلغ نحو مليوني برميل.
تنامي التهديدات للملاحة البحرية في هذه المنطقة مؤشر على الأوضاع السياسية المتردية التي تعيشها بعض دول القرن الأفريقي, خاصةً الصومال الذي أصبح في عداد الدول «الفاشلة سياسيا» وأصبحت الفوضى السياسية عنوان المشهد السياسي الصومالي وما ترتب عليه من تكوين مليشيات وجماعات مسلحة نقل بعضها عملياته إلى البحر, بهدف الحصول على الموارد المالية لتمويل العمليات العسكرية. وهكذا أصبح أمراء الحرب الصوماليين أمراء بحر وقرصنة يتخذون من خليج عدن وبحر العرب مسرحاً لعملياتهم. لكن اللوم لا يوجه إلى القراصنة وحدهم, بل هناك دول شاركت في هذا الجرم بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فالولايات المتحدة دعمت المجهود الحربي الأثيوبي الذي أطاح بحكم المحاكم الصومالية عام 2006 والتي بعدها تزايد عدد عمليات القرصنة بشكل ملحوظ. لكن الولايات المتحدة لم تتحمل ولو جزءاً يسيراً من حماية هذه الممرات المائية رغم ما تملكه من قوات بحرية في المنطقة, سواءً من خلال أسطولها الخامس المتواجد في مياه الخليج وبحر العرب أو القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي, لكن أمريكا لم تفعل ذلك حتى الآن وركزت نشاطاتها في القرن الأفريقي حول محاربة الجماعات الأصولية, ودعم النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة كجزء من إستراتيجيتها البحرية العالمية. بطبيعة الحال فإن تردي الأوضاع السياسية الصومالية ليس مسؤولية أمريكا وحدها, حتى وإن ساهمت في ذلك في الفترة الأخيرة, فالصومال جزء من العالم العربي وأمنه جزء من الأمن القومي العربي.
إن الخوف الحقيقي في ما يتعلق بعمليات القرصنة يكمن في احتمال تطور هذه الظاهرة وتحولها إلى عملية منظمة تشارك فيها جماعات الجريمة المنظمة مما يهدد أمن الممرات البحرية ويؤثر سلباً على التجارة الدولية. وهذا من المحتم أن يقود إلى إجراء دولي من خلال تكثيف الجهود الرامية إلى محاربة هذه الظاهرة ومشاركة عدد كبير من الدول فيها, رغم ما قد يتطلبه ذلك من دخول في المياه الإقليمية لمطاردة القراصنة وهذا قد يشكل خروقات لسيادة بعض الدول المطلة على هذه الممرات. أما مصدر القلق الآخر, خاصةً في ما يتعلق بالقرصنة في خليج عدن, أنها تمس بشكل مباشر أمن البحر الأحمر الذي يرتبط بشكل لصيق بالأمن القومي العربي, تدويل أمن البحر الأحمر قد يكون الوسيلة الأكثر فعالية لمجابهة خطر القرصنة, رغم أن ذلك مدعاة للقلق من قبل الدول العربية التي ترى بأن منطقة البحر الأحمر هي منطقة عربية ذات أهمية إستراتيجية بالغة لهذه الدول, خاصةً في ما يتعلق بنظرية الصراع العرابي الإسرائيلي, ومحاولة التغلغل الإسرائيلي في القرن الأفريقي والعلاقات المتينة التي كونتها الدولة العبرية مع بعض دول الساحل الشرقي الأفريقي. الدول العربية قد لا تستطيع تأمين الحماية لهذه الممرات البحرية إزاء كبر المساحة المائية المطلوب حراستها, لكن أي تدخل دولي يجب أن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وبمشاركة عربية فعالة.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
تنامي التهديدات للملاحة البحرية في هذه المنطقة مؤشر على الأوضاع السياسية المتردية التي تعيشها بعض دول القرن الأفريقي, خاصةً الصومال الذي أصبح في عداد الدول «الفاشلة سياسيا» وأصبحت الفوضى السياسية عنوان المشهد السياسي الصومالي وما ترتب عليه من تكوين مليشيات وجماعات مسلحة نقل بعضها عملياته إلى البحر, بهدف الحصول على الموارد المالية لتمويل العمليات العسكرية. وهكذا أصبح أمراء الحرب الصوماليين أمراء بحر وقرصنة يتخذون من خليج عدن وبحر العرب مسرحاً لعملياتهم. لكن اللوم لا يوجه إلى القراصنة وحدهم, بل هناك دول شاركت في هذا الجرم بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فالولايات المتحدة دعمت المجهود الحربي الأثيوبي الذي أطاح بحكم المحاكم الصومالية عام 2006 والتي بعدها تزايد عدد عمليات القرصنة بشكل ملحوظ. لكن الولايات المتحدة لم تتحمل ولو جزءاً يسيراً من حماية هذه الممرات المائية رغم ما تملكه من قوات بحرية في المنطقة, سواءً من خلال أسطولها الخامس المتواجد في مياه الخليج وبحر العرب أو القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي, لكن أمريكا لم تفعل ذلك حتى الآن وركزت نشاطاتها في القرن الأفريقي حول محاربة الجماعات الأصولية, ودعم النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة كجزء من إستراتيجيتها البحرية العالمية. بطبيعة الحال فإن تردي الأوضاع السياسية الصومالية ليس مسؤولية أمريكا وحدها, حتى وإن ساهمت في ذلك في الفترة الأخيرة, فالصومال جزء من العالم العربي وأمنه جزء من الأمن القومي العربي.
إن الخوف الحقيقي في ما يتعلق بعمليات القرصنة يكمن في احتمال تطور هذه الظاهرة وتحولها إلى عملية منظمة تشارك فيها جماعات الجريمة المنظمة مما يهدد أمن الممرات البحرية ويؤثر سلباً على التجارة الدولية. وهذا من المحتم أن يقود إلى إجراء دولي من خلال تكثيف الجهود الرامية إلى محاربة هذه الظاهرة ومشاركة عدد كبير من الدول فيها, رغم ما قد يتطلبه ذلك من دخول في المياه الإقليمية لمطاردة القراصنة وهذا قد يشكل خروقات لسيادة بعض الدول المطلة على هذه الممرات. أما مصدر القلق الآخر, خاصةً في ما يتعلق بالقرصنة في خليج عدن, أنها تمس بشكل مباشر أمن البحر الأحمر الذي يرتبط بشكل لصيق بالأمن القومي العربي, تدويل أمن البحر الأحمر قد يكون الوسيلة الأكثر فعالية لمجابهة خطر القرصنة, رغم أن ذلك مدعاة للقلق من قبل الدول العربية التي ترى بأن منطقة البحر الأحمر هي منطقة عربية ذات أهمية إستراتيجية بالغة لهذه الدول, خاصةً في ما يتعلق بنظرية الصراع العرابي الإسرائيلي, ومحاولة التغلغل الإسرائيلي في القرن الأفريقي والعلاقات المتينة التي كونتها الدولة العبرية مع بعض دول الساحل الشرقي الأفريقي. الدول العربية قد لا تستطيع تأمين الحماية لهذه الممرات البحرية إزاء كبر المساحة المائية المطلوب حراستها, لكن أي تدخل دولي يجب أن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وبمشاركة عربية فعالة.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة