رحمة الله عليك يا «سعاد باعشن»

وليد احمد فتيحي

الحياة رحلة قصيرة لا تكاد تبدأ إلا لتنتهي، ولا يبقى لنا منها – بعد فضل الله ورحمته - إلا بقدر ما نزرع في قلوب الذين عرفونا حباً وخيراً... وننير في عقول من تعلموا منا وعياً وفكراً.
وخلال رحلتنا القصيرة هذه نرى من الناس أشكالاً وألواناً يتفاوتون في درجات عطائهم تفاوتاً كبيراً، وهذا شأن الله في عباده وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً «ولكل وجهة هو موليها»، ويزرع الله لنا في هذه الأرض نماذج يكونون بمثابة المعنى الناطق المتحرك الذي يحيي الله به أوامره وسننه سبحانه، ويصحح ألف معنى، يأتون إلى الدنيا ويذهبون كنسمة هواء نقية أو ريح طيبة طاهرة سماوية... سلام في سلام... شفاء ورحمة وحياة وخير لكل من خالطهم وعرفهم واستنشق من عبيق طيبهم.
كان أول معرفتي بها قبل قرابة عقد من الزمن، فقد ذهبتُ لزيارة عم أحمد باعشن رحمة الله عليه، ورأيت كيف تحمل الزوجة زوجها وتحميه وترعاه في مرضه... ثلاثة أعوام مضنية وهي ترعاه حق الرعاية ليل نهار بكل صبر وإيثار ويساندها أبناؤها الأبرار يتنافسون في رعاية والدهم ومساندة والدتهم، والأعظم من كل ذلك أنها كانت تفعل كل ما تفعل دون أن تشعر أنها تفعل شيئاً... رأيتها كيف تعامل كل من حولها... كانت رحمة الله عليها بحق مدرسة في الأخلاق والتعامل والعطاء، ورمزاً يُقتدى به...
حزم يزينه رُقي ورقه...
حزم موقف... ورُقي خلق... ورقة تعامل...
وعدل يرافقه ويصاحبه ويزامله فضل لأهل الفضل...
أخلاق رفيعة وأدب جم ومعرفة بالأصول والواجب وحب خير لكل من تعرف، وتسامح، وطيب نفس، لسانها رطب بالدعاء لأهلها... وأهلها كثيرون... فكل من رأت فيهم أهلاً يكونون بمثابة أهلها... أدخلتهم في جملة الدعاء مع أهلها... تتألم لآلامهم، وتبكي لبكائهم، وتنهض لنصرتهم متى وجدت لذلك سبيلاً...
كانت بحق مدرسة وهي لا تدري... ونموذجاً في صمْتها قبل نطقها، وسكونها قبل حركتها... سنفتقد صوتها الرقيق النقي ونفتقد تلك الكلمات المليئة بالحب والحنان والعطاء، والدعاء الذي كانت تغدقه علينا في حياتها وينهمر علينا كالمطر والغيث في وقت القحط والبلاء...
إلى كل من وصل إليه برها في حياتها... وإلى كل من كان لها فضل عليه...
جاء وقت السداد... بروها اليوم وغداً وبعد غد وكل يوم من أيام حياتكم كما برتكم... بروها بالدعاء لها فبالدعاء نصلها وقد انقطع عملها إلا من ثلاث وهذا أقل القليل منا ولكنه أقيم وأغلى ما يكون عندها وعند الله اليوم.
رحمة الله عليك أيتها الأم الحنون سعاد باعشن...
أسكنك الله أجمل قصور الجنة في الفردوس الأعلى... وجمعنا الله وإياك هناك مع كل من أدخلتهم في زمرة أهلك وكل من أحببتهم وجمعتهم حولك في بيتك في الدنيا...
«يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي»
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي
للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة