وضع أوباما المؤقت

علي حسن التواتي

من الواضح أن إدارة المحافظين الجدد المنتهية ولايتها في الولايات المتحدة تتعامل مع فوز الرئيس المنتخب (باراك أوباما) تعاملها مع وضع مؤقّت لا يستحق الاعتراف. والاعتراف بالطبع لا يكفي أن يكون كلامياً بعبارات إعلامية مستهلكة متناثرة هنا وهناك. وقد اتضح هذا التجاهل من الإدارة الحالية للرئيس الجديد وتوجهاته بالتنسيق السريع مع الصقور من الحلفاء الأوربيين لإبقاء الملفات العالمية المتفجّرة مفتوحة قدر الإمكان خلال فترة ولايته مع العمل على عدم تمكينه من إغلاقها حسب توجهاته المعلنة.
فعلى الصعيد الاقتصادي المحلي والعالمي سارعت إدارة المحافظين للدعوة إلى قمّة العشرين الاقتصادية دون أن تدعو الرئيس المنتخب للحضور حتى بصفة مراقب، وذلك لتحقيق هدف محدد قد يتعارض مع توجهات إدارته الجديدة ويتمثل في إبقاء الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه مع عدم المساس بالنظام الرأسمالي خاصة في ما يتعلق بمؤسسات السيطرة الاقتصادية المالية والاقتصادية لتظل تعمل بنفس الأساليب والأدوات وحسب المسلمات التي يعلمون أنها أصبحت متقادمة ومتهرئة. ولكن خشيتهم من نجاح الضغوط الدولية التي تقودها الصين وروسيا وعدد من الدول الناشئة الأخرى ذات الاقتصاديات القوية في تغيير معادلة السيطرة وتقسيم الثروات على المستوى العالمي غلبت على رغبتهم في الإصلاح العاجل الذي قد يؤدي إلى فقدان أمريكا وحلفائها الغربيين لوضعهم المميز في قلب المعادلات الاقتصادية والسياسية العالمية. أما على المستوى الاقتصادي المحلي فقد لجأ المحافظون الجدد وحلفاؤهم الأوربيون إلى تدعيم القطاع المصرفي بمليارات من أموال دافعي الضرائب لضمان استمراره بشكله الحالي حتى لا يتم طرح بدائل أخرى أو حتى مجرّد التفكير فيها. ويتضح هذا التوجه جلياً في توجيه مئات المليارات من الإدارة الحالية في سبيل إنقاذ القطاع المصرفي، ولكن عندما وصل الأمر إلى القطاع الصناعي تغيرت الأمور ليتعثر مشروع دعم قطاع صناعة السيارات الأمريكية والأوربية ببضعة مليارات في دهاليز المؤسسات التشريعية والتنفيذية في ظل معارضة شديدة من أركان نفس الإدارة الحالية وذلك رغبة منها في الانتقام من الاتحادات العمالية المنظمة التي نظمت حركة عمالية واسعة لإسقاط هذه الإدارة وساهمت في فوز أوباما خاصة في مراكز التجمعات العمّالية الكبيرة في ديترويت وشيكاغو وأوهايو.
أما على المستوى العسكري فقد ضغطت الإدارة الحالية على التركيبة العراقية الحاكمة للتوقيع على اتفاق أمني تضمن من خلاله المؤسسة العسكرية الأمريكية البقاء في العراق مدّة لا تقل عن ثلاث سنوات قادمة مع كافة الحصانات اللازمة لجنودها وضباطها وكافة العاملين معهم دون تدخل أو رقابة من الأمم المتحدة بعد رفع وصايتها عن العراق وإسقاط صفة المحتلين عن القوّات الأمريكية في العراق واعتبار ما يجري على أرض العراق منذ اليوم مجرد (تعاون) بين دولتين صديقتين تتمتعان بكامل السيادة والأهلية التي تمكنهما من عقد الاتفاقات واتخاذ القرارات. ولم يبرد حبر الاتفاق حتى أعلن وزير الدفاع (جيتز) أن القوات الأمريكية لن تنسحب من المدن العراقية بحلول يونيو القادم في مخالفة صريحة واضحة لنص الاتفاق مع الأصدقاء الواقعين تحت الاحتلال سواء رغماً عنهم أو حتى من خلال اتفاق. وكل هذا يجري قبل تنصيب أوباما رئيساً بأقل من شهر دون اهتمام بتصريحاته المتتالية – حتى بعد انتخابه – بأن أول أولوياته ستكون العمل على سحب القوات الأمريكية من العراق (بأسرع وقت ممكن).
ولم يكتف المحافظون الجدد بذلك بل صعّدوا الأمور في أفغانستان وفي شمال باكستان ونشروا بحرية حلف شمال الأطلسي في بحر العرب وباب المندب بدعوى محاربة القراصنة بالتزامن مع الإيعاز لأثيوبيا بسحب قواتها من الصومال نهاية هذا الشهر لتزداد الأمور في القرن الأفريقي سوءاً على سوء، مع تفجير الأوضاع الأمنية بين باكستان والهند بشكل ينذر بحرب مدمرة أو تدخل أمريكي/أطلسي طويل المدى للسيطرة على الأوضاع المتفاقمة.
ويتجلى نجاح المحافظين الجدد الباهر في تعاملهم مع (أوباما) وإدارته المنتظرة بصفتهم (حالة مؤقتة) في إقناعه أو تقليل خياراته ليضطر للقبول باستمرار (جيتز) وزيراً للدفاع بدلاً من اختيار وزير جديد في ظل الظروف العالمية الحرجة القائمة وذلك رغم اختلافهما في التوجهات وأساليب العمل.
وحتى على الجانب الآخر المناوئ للمحافظين وأعني بذلك أركان الإدارة الديمقراطية الجديدة يلاحظ أن هناك بصمات للمحافظين عليها فاختيارات أوباما لمناصب الشأن الدولي هي اختيارات يعجز عن مثلها حتى المحافظون الجدد أنفسهم، فرئيس أركان البيت الأبيض الجديد (رام إيمانويل) أمريكي من اصل إسرائيلي. وقد اضطر للاعتذار للعرب الأمريكيين عن تصريحات عنصرية تفوّه بها أبوه تجاه العرب بمجرد اختيار ابنه للمنصب الجديد حينما صرّح لإحدى الصحف الإسرائيلية قائلاً إنه واثق من أن ابنه سيؤثر على أوباما لمساندة إسرائيل (ومن تظنّونه؟ هل تظنّونه عربياً؟!) . أما نائب الرئيس الجديد (جو بايدن) فهو صاحب نظرية تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة ولا يستبعد أن يبدأ في العمل على تطبيق نظريته فور الوصول للبيت الأبيض، أمّا وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) فهي صاحبة التصريح الشهير أثناء حملتها الانتخابية بضرب إيران بالقنابل الذرية إذا ما اعتدت على إسرائيل.
ويطول الموضوع إن رغبنا في مزيد من السرد والاستطراد، ولكن كل الدلائل تشير إلى أن إدارة المحافظين الجدد المنتهية ولايتها تتعامل مع (أوباما) وإدارته كحالة مؤقتة لن تلبث أن تنتهي، وقد حققت نجاحاً كبيراً في الوصول إلى هذا الهدف ساعدها في ذلك اختيارات أوباما نفسه لأركان إدارته التي يبدو أنها اختيارات لا تتناسب مع توجهات حملته الانتخابية المعلنة ولا حتى مع تصريحاته بعد الفوز بالانتخابات بأغلبية تاريخية طاغية، فهل سيستسلم الرئيس الجديد ويقبل بتناول وجبة عشاء باردة أعدها خصومه أو أنه سيفاجئ العالم بمواقف حرّة مستقلة نابعة من قناعات مبدئية راسخة بإعادة أمريكا إلى رشدها وتسخير قواها وأدوات قاعدتها الحضارية في نشر العدل والسلام بين شعوب الأرض؟ هذا ما ستتكشف عنه الأيام خلال الأشهر القليلة القادمة.
Altawati@yahoo.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة