إنسانية إرهاب الدولة !

كاظم الشبيب

«لا توجد مشكلة إنسانية في غزة». قالت ذلك وبكل بساطة وصلافة وزيرة الخارجية الإسرائيلية خلال زيارتها إلى بروكسل، يوم الخميس الماضي، في أول يوم من السنة الميلادية الجديدة حينما كانت صواريخ الطيران الإسرائيلي مستمرة لساعات متواصلة بالتساقط على بيوت ورؤوس العزل من سكان غزة! فما حقيقة ما يجري في غزة بالمنظور الإسرائيلي؟ وما هو الواقع الإنساني فيها؟
يبدو أن عصر المتناقضات هو السائد. وانقلاب الموازين هو القاعدة. والكذب الصريح المراد تمريره ووضعه مكان الحقائق هو الغالب. لا تفسير لما تقوم به جهات دولية تابعة للأمم المتحدة، بتأثير وضغط أمريكيين، وجهات غربية أمريكية وأوروبية، بتأثير وضغط اللوبي الصهيوني، للتشكيك والادعاء بأن شهداء العدوان الإسرائيلي هم من الإرهابيين وليس من المدنيين! لا منطقية لهذه المزاعم حتى لو كانت موجهة للشارع الغربي. هذه الصورة تشي بأن إرهاب الأفراد والجماعات ينبري لمواجهتهما الجميع، أما إرهاب الدولة فلا يجد من المجتمع الدولي إلا الصمت المطبق، وكأن ما تتناقله الفضائيات العالمية من صور ووقائع كاستشهاد أسر كاملة من 10 أفراد و15 فرداً لا قيمة ولا كرامة إنسانية لهم، ناهيك عن ما تخلفه تلك العمليات الوحشية من رعب وخوف ومأساة وحزن!
ما يجري هو إرهاب دولة، في شكل العدوان المستمر حالياً، وكذلك في شكل الحصار الذي مارسته تل أبيب لأشهر طويلة على غزة، وكان بمثابة التمهيد للعمليات العسكرية الحالية. فقد نفد احتياطي المواد التي توزعها وكالة الغوث الفلسطينية من المخازن منذ 18/12/2008، بل منعت إسرائيل الوكالة عن ممارسة مهامها أيضاً. أما وكالة الأنروا الدولية فتقول: غزة قبل العدوان كانت بحاجة إلى 700 شاحنة من المواد المتنوعة، طبية وحياتية، يومياً. وتضيف: الشاحنات القليلة التي يُسمح لها بالدخول تجعل الموت في غزة أكثر بطئا. وتزيد: أن 200ألف إنسان «غير لاجئ» يعتمدون على ما توزعه الوكالة.
على الصعيد الصحي، يوجد في غزة 7 مستشفيات حكومية و4 مستشفيات خاصة، جميعها غير مهيأة أو كافية للقيام بمهامها الطبيعية خلال الحصار، أما مقابل العدوان الجاري فهي بالكاد تتحمل أن تتحول جميعها إلى غرف إسعاف وطوارئ، لأن البنية التحتية للشؤون الصحية مثقلة بنقص الأطباء والأدوية والمعدات والكوادر التمريضية.
الواقع الحياتي في غزة يؤكد بأن الأزمة الإنسانية حاضرة في جميع مرافق الحياة، ابتداءً من الكهرباء التي بات غيابها أصلاً وحضورها شذوذاً, مروراً بشح الماء وقلة الخبز وعدم توفر المواد الغذائية وتوقف التعليم... بعد كل ذلك تقول ليفني: «لا توجد مشكلة إنسانية في غزة»! فإنسانية إسرائيل تتمثل في سماحها للشعب الفلسطيني بالعيش على أرضه! بالطبع لا قيمة ولا كرامة للدم العربي في مفردات الفكر الصهيوني الراغب في السلام مع العرب، وهو وجه من وجوه إرهاب الدولة! ولكن إذا ما سقط بعض القتلى من جيشها ستقيم الدنيا ولن تقعدها من أجل وقف الحرب. وينطبق عليها قول الشاعر: قتل امرئ في غابة مسألة لا تُغتفر/ وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر.
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة