أحداث غزة.. كَشْف المستور وإيقاظ الشعور

عائض الردادي

غزة بلاد ولد على أرضها الإمام الشافعي، وانكسر على ثراها كثير من الغزاة، ومازالت خنجراً في قلب الاحتلال الإسرائيلي حتى هرب منها ظناً منه أن طموحات أبنائها هي خروج عتاده دون نظر لحصاره، وإذلاله لهها ولشعب فلسطين..
ولذا جاء بكل جيوشه جواً وبحراً وبراً، وظن أن غطرسته بقوته ستحطم غزة خلال ساعات بضربات جوية، وجاءه ما لم يكن في حسبانه: إنها حرب الاستنزاف والصمود أبغض الحروب إليه، وظن حلفاؤه وهم يعيشون آخر هزائمهم أنهم سيحققون له ما لم يظفر به على مدى ستين عاماً من احتلال فلسطين، ولكن الله أراد هزيمتهم على يد شعب أعزل محاصر منذ سنة ونصف، خذله القريب، ولم يحظَ بنظرة ممن يتشدق بحقوق الإنسان.
غزة بدت أنها هزيمة محققة، ولكنها باتت نصراً ليس لأهل غزة بل للعرب وللمسلمين ولكل أصحاب حق في العالم، تعاطف معها كل شعب يأبى العدوان في كل العالم، ومن يجادل في ذلك فلينظر إلى المظاهرات والإعلام في تركيا والفلبين وهونج كونج ونيوزيلندا ودول أوروبا وغيرها.
غزة كشفت المستور عند بعض قومنا العرب عندما انطلقت ألسنة حداد عبر الفضائيات والإذاعات، وانهمرت أقلام لم تُعرف إلا بعد أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من إرهاب الدول، كلها تلوم حماس وتثبط الهمم وتعدها أن تحصد هزيمة لها ولأمتها، وتبرر للعدو الصهيوني مذابحه في غزة بخلاف صحف إسرائيل التي تلوم حكومتها على تهورها في حرب خاسرة.
وماثل صمود أهل غزة على الجوع صمودهم أمام الصواريخ، وخروج نساء فلسطين وأطفالها بصمود يرفع رأس كل ذي ضمير في العالم، ولم يكسر صمودهم أشلاء الأطفال وقصف مدارس الأمم المتحدة الآمنة بل زادهم صموداً وغيظاً للعدو.
لقد كشفت أحداث غزة المستور أمام الرأي العام ليس العربي فحسب بل الإسلامي أيضاً، وأيقظت الشعور الذي كان مكتوماً قهرياً نتيجة الهزائم المعنوية منذ الاتفاقيات وما تلاها من مفاوضات لم توقف دبابة صهيونية واحدة، وما سعى إليه آخرون من هرولة، وما يتشدق به آخرون من مواقف صمود لم تتجاوز وسائل الإعلام بعد مذبحة غزة.
رب ضارة نافعة: قدّم أهل غزة أرواحهم وسالت دماء أطفالهم، ولكنهم كشفوا مستور بعض المتخاذلين العرب، وأيقظت شعور الشعوب العربية والإسلامية بل كل ذوي الضمائر في كل أنحاء العالم، فعرف العالم ما يحدث في غزة المحاصرة منذ سنة ونصف، ومع هذا لم يشفع الجوع والدم حتى لدخول الأطباء الذين بذلوا أرواحهم لمساعدة الجرحى.
نشرت «عكاظ» (8/1/1430هـ) قصيدة الشاعر نزار قباني حيا فيها طلاب غزة قبل عشرين عاماً وكأنه صور ما يحصل الآن:
يا تلاميذ غزة، علمونا بعض
ما عندكم فنحن نسينا
يا تلاميذ غزة، لا تبالوا
بإذاعاتنا، ولا تسمعونا
يا تلاميذ غزة، لا تعودوا
لكتاباتنا، ولا تقرؤونا
فاكس 012311053
IBN-JAMMAL@HOTMAIL.COM

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 123 مسافة ثم الرسالة