الدور السعودي واستعادة العرب زمام المبادرة
الأربعاء / 24 / محرم / 1430 هـ الأربعاء 21 يناير 2009 21:05
خالد نايف الهباس
عندما عقدت القمة العربية في الكويت كان سقف التوقعات منخفضاً جداً عطفا على أنها قمة اقتصادية واجتماعية بالمقام الأول, هدفها الرئيسي مناقشة القضايا الاقتصادية التي وضعت على جدول الأعمال سلفاً. من ناحية أخرى كان المشهد السياسي العربي محبطاً نتيجة الخلافات العربية التي سبقت انعقاد القمة مما جعل المحلليين والمتابعين للشأن السياسي تساورهم الشكوك حول مخرجات القمة, وإمكانية تحقيق تقدم سياسي فيما يخص وحدة الصف العربي والتعامل بمسؤولية مع العدوان الإسرائيلي على غزة وتبعات هذا العدوان, ومواجهة التحديات المستقبلية التي تهدد المصالح العربية العليا.
لكن كلمة خادم الحرمين الشريفين كانت بمثابة المنقذ لهذه القمة وحققت اختراقاً غير متوقعاً، وأضفت على أجواء القمة البهجة وجعلتها أقرب إلى طموح الشارع العربي, ووجهت رسالة إلى أعداء الأمة مفادها أن رهانهم على الخلافات العربية وعدم قدرة الدول العربية على وحدة الصف والموقف رهاناً خاسراً, وأن عليهم إعادة حساباتهم وعدم الاصطياد في الماء العكر.
لقد كانت كلمة العاهل السعودي مختصرة لكنها معبرة, وبالقدر نفسه كانت أيضاً مفاجئة لكنها فعالة, بحيث استجاب لها على الفور القادة العرب ووضعوا خلافاتهم خلف ظهورهم, الأمر الذي نأمل أن يستمر في المستقبل مما سوف يكون له بليغ الأثر على العمل العربي المشترك وخدمة المصالح القومية للأمة. وقد بدا واضحاً لدى جميع المراقبين، حتى أولئك الذين لديهم تحفظ على السياسة الخارجية السعودية، أو من ينتمون لمحور الممانعة، كما يتم تداوله في الخطاب السياسي العربي, إن شخصية العاهل السعودي كان لها الدور الأكبر في إنجاح هذه القمة مما يجعل الملك عبدالله نجم القمة بدون منازع. والحقيقة أن خادم الحرمين الشريفين على قدر كبير من المصداقية والحرص على تحقيق التضامن العربي والإسلامي مما يجعل لتوجيهاته تأثيراً مباشراً على نظرائه الزعماء ويعطي للدور السعودي أهمية كبرى في حل القضايا والملفات الإقليمية العالقة.
إن المضامين والمدلولات التي اشتملت عليها كلمة العاهل السعودي كثيرة وكبيرة. فهي تضمنت مراجعة سياسية وأيضاً مقاربة سياسية في ذات الوقت. فقد شملت تشخيصاً لواقع الأمة المرير الذي سبق عقد القمة, وتمثل ذلك في تأكيد العاهل السعودي على أن «خلافاتنا السياسية أدت إلى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا, وكانت هذه الخلافات, وما زالت, عوناً للعدو الإسرائيلي الغادر, ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الإقليمية على حساب وحدتنا وعزتنا وآمالنا. إننا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا, وعن الضعف الذي هدد تضامننا, أقول هذا ولا أستثني أحداً منا». من هنا يمكن القول إنه كان هناك تشخيص دقيق واعتراف عقلاني بخطورة الانقسام الذي بدا واضحاً على المواقف العربية, وأن الجميع مسؤولون عن ذلك. وهذه صراحة معهودة عن العاهل السعودي تنبع من مصداقيته وحسن نواياه تجاه قضايا الأمة, دون أن تتضمن تخويناً لطرف أو انحيازاً لطرف على حساب الآخر.
في نفس الوقت أسس خادم الحرمين الشريفيين لمرحلة جديدة من التضامن العربي من خلال التركيز على ما يجمع الأمة والابتعاد عن ما يفرقها. وهو بذلك ينادي بنهج سياسي جديد قائم على التفاهم والعمل المشترك خدمةً للقضايا العربية دون أن يكون ذلك على حساب مصالح طرف أو آخر. وقد كان ذلك واضحاً في من خلال النداء الإنساني للعاهل السعودي عندما قال «...باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس, أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا, وأن نسمو على خلافاتنا, وأن نهزم ظنون أعدائنا بنا, ونقف موقفاً مشرفاً يذكرنا به التاريخ, وتفخر به أمتنا. ومن هنا, اسمحوا لي أن أعلن, باسمنا جميعاً, أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف, وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ, وأننا سنواجه المستقبل بإذن الله, نابذين خلافاتنا, صفاً واحداً كالبنيان المرصوص, مستشهدين بقوله تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» «. والحقيقة أن مثل هذا التوجه الوحدوي كان مفقوداً نظراً للمزايادات التي عانى منها الموقف العربي في الآونة الأخيرة مما جعل الدول العربية تفقد زمام المبادة لبعض الدول الإقليمية الأخرى, إلا أن خادم الحرمين من خلال موقفه الشجاع والجريء استطاع إعادة زمام المبادرة للدول العربية وساهم في تنقية الأجواء العربية نحو مزيداً من التضامن ووحدة الكلمة, وهذا بدوره من المؤمل أن يقطع الطريق على كل من يحاول النيل من وحدة الأمة أو تشتيت شملها.
كما يسجل لكلمة العاهل السعودي إدراكها أهمية التفاوض دون إغفال ورقة المقاومة, حيث أشار إلى أن على إسرائيل عدم التمادي وإدراك أن المبادرة العربية ليست مطروحة على الطاولة إلى الأبد, مما يعني أنها لا تستطيع الجمع بين خيار الحرب والسلام, وأن عليها أن تختار أحدهما. وقد وصف خادم الحرمين الشريفين العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة بأقسى الأوصاف والبعد عن الأخلاقيات وأنه أمر لا يمكن تحمله. في نفس الوقت الذي حاول تخفيف المعاناة عن آهالي غزة من خلال دعم مالي سخي راوح المليار دولار. وهذا يأتي امتداداً للدعم السخي الذي تحظى به القضية الفلسطينية من قبل القيادة السعودية عبر سنوات النظال الطويلة.
من ناحية أخرى, فقد تمت الاشارة أيضاً إلى الدور الريادي الذي تضطلع به مصر في القضايا الإقليمية, خاصةً القضية الفلسطينية على وجه التحديد. وتأكيد العاهل السعودي على ضرورة إنصاف الدور المصري تأتي على خلفية تعرض مصر لهجوم غير مبرر نتيجة موقفها الرامي إلى البعد عن المواجهة ومحاولة تغليب التفاوض على المواجهة.
لكن في ظل كل ذلك الإنجاز غير المتوقع الذي تحقق، يجب أن نظل مدركين أن التحدي المستقبلي والحقيقي لا يزال جسيماً, وأن على القادة العرب استغلال هذه الفرصة التاريخية للمصالحة وتطبيقها على أرض الواقع من خلال معالجة القضايا والملفات العربية العالقة, وتعزيز هذا النهج الوحدوي العربي في المستقبل.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
لكن كلمة خادم الحرمين الشريفين كانت بمثابة المنقذ لهذه القمة وحققت اختراقاً غير متوقعاً، وأضفت على أجواء القمة البهجة وجعلتها أقرب إلى طموح الشارع العربي, ووجهت رسالة إلى أعداء الأمة مفادها أن رهانهم على الخلافات العربية وعدم قدرة الدول العربية على وحدة الصف والموقف رهاناً خاسراً, وأن عليهم إعادة حساباتهم وعدم الاصطياد في الماء العكر.
لقد كانت كلمة العاهل السعودي مختصرة لكنها معبرة, وبالقدر نفسه كانت أيضاً مفاجئة لكنها فعالة, بحيث استجاب لها على الفور القادة العرب ووضعوا خلافاتهم خلف ظهورهم, الأمر الذي نأمل أن يستمر في المستقبل مما سوف يكون له بليغ الأثر على العمل العربي المشترك وخدمة المصالح القومية للأمة. وقد بدا واضحاً لدى جميع المراقبين، حتى أولئك الذين لديهم تحفظ على السياسة الخارجية السعودية، أو من ينتمون لمحور الممانعة، كما يتم تداوله في الخطاب السياسي العربي, إن شخصية العاهل السعودي كان لها الدور الأكبر في إنجاح هذه القمة مما يجعل الملك عبدالله نجم القمة بدون منازع. والحقيقة أن خادم الحرمين الشريفين على قدر كبير من المصداقية والحرص على تحقيق التضامن العربي والإسلامي مما يجعل لتوجيهاته تأثيراً مباشراً على نظرائه الزعماء ويعطي للدور السعودي أهمية كبرى في حل القضايا والملفات الإقليمية العالقة.
إن المضامين والمدلولات التي اشتملت عليها كلمة العاهل السعودي كثيرة وكبيرة. فهي تضمنت مراجعة سياسية وأيضاً مقاربة سياسية في ذات الوقت. فقد شملت تشخيصاً لواقع الأمة المرير الذي سبق عقد القمة, وتمثل ذلك في تأكيد العاهل السعودي على أن «خلافاتنا السياسية أدت إلى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا, وكانت هذه الخلافات, وما زالت, عوناً للعدو الإسرائيلي الغادر, ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الإقليمية على حساب وحدتنا وعزتنا وآمالنا. إننا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا, وعن الضعف الذي هدد تضامننا, أقول هذا ولا أستثني أحداً منا». من هنا يمكن القول إنه كان هناك تشخيص دقيق واعتراف عقلاني بخطورة الانقسام الذي بدا واضحاً على المواقف العربية, وأن الجميع مسؤولون عن ذلك. وهذه صراحة معهودة عن العاهل السعودي تنبع من مصداقيته وحسن نواياه تجاه قضايا الأمة, دون أن تتضمن تخويناً لطرف أو انحيازاً لطرف على حساب الآخر.
في نفس الوقت أسس خادم الحرمين الشريفيين لمرحلة جديدة من التضامن العربي من خلال التركيز على ما يجمع الأمة والابتعاد عن ما يفرقها. وهو بذلك ينادي بنهج سياسي جديد قائم على التفاهم والعمل المشترك خدمةً للقضايا العربية دون أن يكون ذلك على حساب مصالح طرف أو آخر. وقد كان ذلك واضحاً في من خلال النداء الإنساني للعاهل السعودي عندما قال «...باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس, أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا, وأن نسمو على خلافاتنا, وأن نهزم ظنون أعدائنا بنا, ونقف موقفاً مشرفاً يذكرنا به التاريخ, وتفخر به أمتنا. ومن هنا, اسمحوا لي أن أعلن, باسمنا جميعاً, أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف, وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ, وأننا سنواجه المستقبل بإذن الله, نابذين خلافاتنا, صفاً واحداً كالبنيان المرصوص, مستشهدين بقوله تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» «. والحقيقة أن مثل هذا التوجه الوحدوي كان مفقوداً نظراً للمزايادات التي عانى منها الموقف العربي في الآونة الأخيرة مما جعل الدول العربية تفقد زمام المبادة لبعض الدول الإقليمية الأخرى, إلا أن خادم الحرمين من خلال موقفه الشجاع والجريء استطاع إعادة زمام المبادرة للدول العربية وساهم في تنقية الأجواء العربية نحو مزيداً من التضامن ووحدة الكلمة, وهذا بدوره من المؤمل أن يقطع الطريق على كل من يحاول النيل من وحدة الأمة أو تشتيت شملها.
كما يسجل لكلمة العاهل السعودي إدراكها أهمية التفاوض دون إغفال ورقة المقاومة, حيث أشار إلى أن على إسرائيل عدم التمادي وإدراك أن المبادرة العربية ليست مطروحة على الطاولة إلى الأبد, مما يعني أنها لا تستطيع الجمع بين خيار الحرب والسلام, وأن عليها أن تختار أحدهما. وقد وصف خادم الحرمين الشريفين العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة بأقسى الأوصاف والبعد عن الأخلاقيات وأنه أمر لا يمكن تحمله. في نفس الوقت الذي حاول تخفيف المعاناة عن آهالي غزة من خلال دعم مالي سخي راوح المليار دولار. وهذا يأتي امتداداً للدعم السخي الذي تحظى به القضية الفلسطينية من قبل القيادة السعودية عبر سنوات النظال الطويلة.
من ناحية أخرى, فقد تمت الاشارة أيضاً إلى الدور الريادي الذي تضطلع به مصر في القضايا الإقليمية, خاصةً القضية الفلسطينية على وجه التحديد. وتأكيد العاهل السعودي على ضرورة إنصاف الدور المصري تأتي على خلفية تعرض مصر لهجوم غير مبرر نتيجة موقفها الرامي إلى البعد عن المواجهة ومحاولة تغليب التفاوض على المواجهة.
لكن في ظل كل ذلك الإنجاز غير المتوقع الذي تحقق، يجب أن نظل مدركين أن التحدي المستقبلي والحقيقي لا يزال جسيماً, وأن على القادة العرب استغلال هذه الفرصة التاريخية للمصالحة وتطبيقها على أرض الواقع من خلال معالجة القضايا والملفات العربية العالقة, وتعزيز هذا النهج الوحدوي العربي في المستقبل.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة