المـقاهــي ليســت أوكـــارا للمنـحرفين والمتسكـعـين

ملتقى الأحبة والأصدقاء والمثقفين والسائقين.. ومرتادوها

المـقاهــي ليســت أوكـــارا للمنـحرفين والمتسكـعـين

حسين الحجاجي - جدة

يعتبر المقهى مركازاً لمناقشة القضايا المهمة والمستعجلة يأتيه العقلاء، وأصحاب الفكر والثقافة، ومنه تخرج الكثير من ذوي الرؤيا والتوجيه في المجتمع، هذا المركاز ابتعد عن صورته الجميلة تلك، وتجاوز كونه مكانا للتنوير إلى وكر في بعض الأحيان للانحراف كما يراه البعض وصار من يرتاده لا يحظى بتلك الرؤية، بل صار لدى البعض مستصغرا ومشبوها في حين أن المسألة ربما لم تكن سوى ظرف ألمّ بصاحبه فجأة أو عابر سبيل أدركه الوقت، فنام في المقهي أو لعله مسافر أراد الاستراحة قليلا فيه قبل أن يواصل المسير. هؤلاء هم في جنبات بعض المقاهي، وبالذات مقاهي الطرق السريعة.

مكان للأمور الأسرية
ناصر علي القرني (48 عاما) لا يدخن ولا علاقة له بالقهوة أو الشاي، لكنه يتجه للمقهي في بعض الأوقات فقط لمناقشة بعض الأمور التي تتطلب جوا خاصا يعتقد أنه لا يتوفر إلا هنا وقال: اليوم تحديدا زارني أخي الأصغر ـ الذي أسأل الله تعالى أن يخلصه من التدخين ـ المهم أن زيارته لي كانت من أجل مناقشة بعض شؤون الأسرة، حيث وجدت أن المكان المناسب لها هو في هذا المقهى نتيجة لأنه مقهى لا يرتاده إلا كبار السن، والناس العقلاء في حين يغيب عنه المراهقون.
هؤلاء الناس بالذات هم من يرتادون المقهى من باب المحبة والتسامح، ولعلي أذكر أنني دعيت إلى هذا المكان قبل مدة من أجل أن نصلح بين اثنين من أحبتنا من سكان الحي.
يتدخل حسن علي القرني (32 عاما) قائلا:
أعترف أن سمعة المقهى حاليا أصبحت مشوهه، لكن و بصراحة ليست كل المقاهي بتلك الصورة، فهناك أناس مثلما قال أخي يأتون للمقهى من أجل بعض الأعمال الخيرية والصالحة، أو لمجرد الهروب من بعض مشاغل الحياة وضجيجها، فأنا مثلا أعمل في الأعمال الحرة، وهذا العمل يتطلب حضورا ذهنيا وفيه من الضجيج الشيء الكثير، لهذا أتوجه إلى هذا المقهى من أجل لحظات استعيد فيها بعض الصفاء الذهني، إضافة لأنني أجدها فرصة لمراجعة بعض الحسابات والمشاريع للتعمق فيها بصورة سليمة، ولعل أغلب المشاريع التي نهضت بها هي تلك المشاريع التي جلست فيها هنا وفي هذا المكان.
مضيفا: ما أتمناه لهذه الأماكن هو أن يتم اتخاذ بعض الإجراءات التي تحول دون ارتياد المراهقين للمقاهي، ويمنع تقديم أي طلبات لهم أسوة ببعض الدول التي تفرض حظرا على المراهقين ومن تقل أعمارهم عن السن القانونية.

مصالحة مع مقاول
بسبب سوء فهم وقع بين الصديق الحميم لـمقبل حسن مقبل هبة (48 عاما) والمقاول الذي بدأ العمل لدي ذلك الصديق لجأ (مقبل) إلى هذا المقهى الذي قال عنه: هذا المقهى لا يرتاده إلا سكان الحي، وكافة الذين يحضرون هنا هم من المعارف، ولهذا عندما أتاني صديق قريب جدا يشرح لي مشكلة بسيطة وقعت بينه وبين المقاول الذي سوف يشرع في بناء بيته جمعتهم في هذا المكان، وأعتقد أن هذه رسالة المقهى منذ قديم الزمن، المهم كما تراهم الآن هم مجتمعون حولي ولقد وفقني الله في تقريب وجهات النظر بينهم وانتهت المشكلة وهذا فضل من الله، أردت اللقاء بهم هنا حتى نكون بعيدا عن أجواء وتكليفات البيت كل منهم هنا سوف يأخذ راحته على فنجان الشاي أو الزنجبيل.

ملتقى الأحبة والأصدقاء
محمود عبد اللطيف الطوخي (75 عاما) كان منهمكا في لعبة النرد مع بقية الأصحاب قال: لا يوجد مكان سوى المقهى للالتقاء بالأحبة والأصدقاء، وذلك من أجل متابعة أخبار الأهل وأحوال البلاد.
يتدخل محمد عبد السلام إبراهيم (40 عاما) قائلاً: لكي توضح الأمور لديك كل من تراه يجلس على هذه الطاولة هم أقارب أو أصدقاء، وقد صارت هذه الطاولة معروفة بأنها تخصنا، فنحن لا نحبذ الجلوس إلا في هذا المكان، وكل من يتخلف عن الحضور يفرض علينا مهمة البحث عنه، والسؤال عن أحواله، ولهذا يمكنك القول إننا نتفقد أحوال بعضنا البعض من خلال الحضور في هذا المقهى.
في حين يري زكي إبراهيم محمد (52 عاما) أنه لا يشعر بمتعة الوقت إلا إذا كان برفقة الأحبة في هذا الموقع، فالجلوس هنا كما يقول له نكهة خاصة ولا يحلو إلا بحضور كافة الأصدقاء.
يشاطره محمود علي محمد (60 عاما) الرؤية بقوله: بالرغم مما قيل إلا أن الحضور في المقهى يكون فرصة أيضا لتبادل الهموم وخصوصا هموم العمل ومتاعبه، كما أننا نعرف من يود السفر إلى البلد، فنقوم بأداء الواجب معه من خلال المساعدات العينية أو المادية ونقوم أيضا بإرسال الرسائل معه للأهل هناك.
ويضيف العم محمود قائلا: أنا من رواد المقهى منذ أربعين عاما ولي علاقة مميزة مع كل الأخوة هنا.

الفيشاوي ونجيب محفوظ
لا يتردد محمود طه حسين عن القول: بأن هناك فرقا كبيرا بين المقهى زمان والمقهى في الوقت الراهن، حيث كان المقهى في السابق يلم المثقفين أمثال نجيب محفوظ الذي كان يرتاد مقهى (الفيشاوي) وهو مقهى معروف في القاهرة واشتهرت مقاه غيره كموقع للصناع وأصحاب الحرف والفنانين وغيرهم، مثل مقهى الصحافة في شارع الصحافة ومقهى (فكس) شارع عماد الدين أيضا في القاهرة، ويقول لقد عملت في المقاهي لفترة طويلة وأجد أن هناك فرقا كبيرا في عملها وروادها، لكن دعني أحدثك عن رواد هذا المقهى الذي أعمل به فهناك مهندسون ومتدربون وعمال وحضورهم هنا يكون من أجل السمر والمناقشات التي تهم أحوالهم وأمورهم، وهناك من يأتي فقط لمشاهدة المباريات، وهناك من يأتي لكي يسأل عن الرسائل فمن الخدمات التي يقدمها المقهى خدمات تسليم الرسائل البريدية.
عماد حمدي (25 عاما) خريج المعهد التجاري فقد فضل العمل في المقهى لأنه كما يقول: مكان يتردد عليه كل فئات المجتمع التي يعتقد أنه يستمع إليها ويتزود بثقافات مختلفة، كما أنه يحبذ هذا العمل لأنه يعايش الكثير من الحالات الإنسانية.

فنجان قهوة
المهندس المدني عبد السلام عبد الشافي (47 عاما) تعود يوميا الحضور للمقهى كعادة يومية حيث يقول: لقد اخترت هذا المقهى لأنه هو المقهى الأقرب من المطعم الذي أتناول فيه طعام الغداء، حيث تعودت على تناول فنجان (قهوة) مباشرة بعد الوجبة، ولهذا أنا هنا ثم بعدما أنتهي من العمل المسائي أعود للمقهى من جديد لكي أجتمع برفقة الأصدقاء ونتسامر ليلا، وبالمناسبة لاحظت كثرة عدد المقاهي وكثرة أعداد الرواد.

لست سوى عابر
أحمد ساعد الحربي (42 عاما ) أحس بالحرج في البداية وكان لحرجه مبرر حينما قال: لست بالفعل من رواد هذا المكان وكما تعلم بعض من أعرفهم لا يتفهمون معنى وجودي في هذا المكان، فأنا أعمل في شركة وتقتضي مهمتي كمندوب التنقل بين مدن المملكة، ويحدث أن يكون لدي فائض في الوقت لكي أتم عمل ما تماما مثلما هو حالي الآن، فالموظف الذي سوف يقوم بالتوقيع على الطلبات التي معي غير موجود ولن يحضر إلا بعد العصر، فأين أذهب لم يكن أمامي سوى الانتظار، والمكان الوحيد الذي يمكنني الانتظار فيه هو هذا المقهى، فموقعه قريب وفي نفس الوقت لا يكلفني أكثر من فنجان شاي، لكن ما يحدث أحيانا معي أنني أذهب إلى بعض المدن البعيدة، كمنطقة الشمال مثلا، ويتعذر علي الحصول على مكان، مما يلزمني البقاء داخل السيارة، وفي الحقيقة المقهى بالفعل تغيرت أحواله، ولا أعتب على من ينظر له نظرة سيئة، فكما تعلم أصبح المقهى لبعض الناس مكاناً لممارسة المخالفات في حين أن هناك من ذوي الظروف المعينة أو ممن ينشد الانتظار المؤقت مثلي، لكن الصورة صارت سيئة تماما، أما مقاهي الإنترنت فهي مكان جميل ومريح تماما لكنني لست ممن يتعامل مع الإنترنت، كما أنها تتعامل بالساعات في حين أن المقهي القديم لا يحتاج إلا لبراد شاي وكفي.

في الطريق إلى المستشفى
صالح مشبب الشهري (33 عاما) لم يكن وجوده في المقهى، إلا بسبب أنه قادم من أبها لإنجاز معاملة ومراجعة في مستشفى في جدة حيث قال: لم يعد المقهى المكان المفضل لدى الناس نتيجة للصورة السيئة التي أضحت في عقول الناس، لكن لا أعتقد أن هذه الصورة هي صورة عامة لدى الجميع، فالمقهى هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يلجأ إليه ممن هم في وضعي، لدي الوالدة مثلا تحتاج للمعالجة في أحد مستشفيات جدة حضرت إلى هنا لغرض استكمال أوراقها الرسمية، وهذه الإجراءات تحتاج إلى وقت، قررت أن أحضر أولا لإنجاز هذه الأوراق، وبعدما آخذ من المستشفى الموعد أحضر الوالدة مباشرة إليهم والسبب أن ظروفي لا تسمح باستئجار شقة مفروشة أو غيرها من أجل هذا الانتظار، ولهذا تركت الوالدة في البيت وأتيت إلى هنا، ومع ذلك ولولا أنني مضطر لهذا لما أتيت لهذا المكان، نظرا لأنه مكان غير صحي، فأنا لا أدخن أبدا ولا علاقة لي بالمكان بل بالعكس، أنا ممن يتضايق من التدخين ولكن ماذا أفعل ؟

ترتيب السير
أما سائق الشاحنة عبيد مبارك الدوسري (39 عاما) فيرى أن المسألة عادية تماما ويقول: المقهي تقريبا يكاد يكون بيتي، فأنا أسكن في تبوك وقد تعودت على المكوث الطويل في المقاهي أيا كان موقعها، وكثيرا ما يكون بيني وبين أصدقائي مواعيد للالتقاء في المقهى الفلاني، وذلك من أجل ترتيب طريق سيرنا، فنحن مجموعة من الزملاء من سائقي الشاحنات حوالى أربع شاحنات نسير سويا ونقطع الطريق سويا ويكون تناول طعامنا أيضا سويا، لهذا من الضروري أن يكون بيننا ترتيب وهذا لا يكون إلا في المقهى، فالغداء مثلا يكون في طريق الرياض والعشاء في طريق الدمام، وهكذا نستريح أيضا في مقهى آخر، ولكننا نفضل مقاهي جدة بالذات لأنها مقاه تكاد تكون شاملة.
أما كون المقهى يحمل صورة سيئة فهذا عائد للشخص والغرض الذي من أجله يرتاد المقهى، فالشخص السيئ هو سيئ لنفسه ولاعلاقة له بالمكان، هنا أناس تتناول الشاي، وهنا أناس تدخن، وأناس عابرون مثلي تماما فهل هذا يعني أن المكان سيئ ؟!.هذا حكم خاطئ.
أحيانا قد أبيت ليلة كاملة وأتحرك مع الصباح الباكر، فأنا ممن لا يحبذ السير ليلا، وإنما أحب المشي مع الفجر أو قبل الفجر قليلا والسبب أنني من عشاق النوم المبكر والاستيقاظ المبكر.

البحث عن معهد
الوضع مختلف تماما في حال مصلح نصار الواقدي (31 عاما) الذي يقول: تعودت اللجوء لهذا المكان نتيجة لقدومي المستمر إلى جدة، ونتيجة لأنني كنت أمكث مع صديق لي في حي الجامعة لكنه تخرج وسلم الشقة التي كان يجلس بها، فأنا آتي من طريق الجنوب من أجل شراء بعض البضائع من التجار لمحلي التجاري، والحقيقة أنني أتعب كثيرا نتيجة بقائي ليومين أو ثلاثة أيام من أجل متابعة عملي، لكن برفقتي هذه المرة ابن أخي الذي أتي لكي يدرس في أحد معاهد اللغة الإنجليزية لتحضير الدبلوم، ولهذا مكثت كل هذه المدة من أجل أنني أبحث له عن مكان يسكن فيه طيلة فترة دراسته تلك، ولقد تعبت فأغلب من يقوم بالتأجير يرفض تماما تسكين شاب، ولا أدري حتى هذه اللحظة كيف أتصرف، وخصوصا أنني تعطلت كثيرا والوقت يمر، لهذا استغل وجودي هنا لكي أسأل الناس إن كانوا يعرفون من يقوم بالتأجير لشاب أعزب لكنني لم أجد أحدا.

مسرحية الضمان
أشتريت سيارة من إحدى الوكالات منذ ما يقارب الشهرين لكن السيارة لم تعد تعمل وحدث بها عطل كبير حتى توقفت، ما أجبرني إحضارها محمولة، وللأسف لازلت أتفاوض مع الوكالة التي ترى أن العطل لا يشمله الضمان بالرغم أن العطل فني، لا علاقة له بسوء الاستخدام.