العلاقات السعودية - الصينية

خالد نايف الهباس

زيارة الرئيس الصيني للمملكة قبل ثلاثة أيام زيارة مهمة, وتأتي في إطار سعي كل من الدولتين لتعزيز أواصر التعاون المتعدد الجوانب بينهما, لأن كل دولة من الدولتين لها شأنها على المستوى الدولي أو الإقليمي, وتضطلع بدور ملموس على الصعيد العالمي بشكل عام, سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
هناك ثلاث حقائق يجب أخذها في الاعتبار عند محاولة فهم العلاقات المتنامية بين الصين والسعودية, خاصةً إذا أخذنا بالحسبان أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تأخذ شكلها الطبيعي إلا في نهاية 1990م, بيد أن حجم التعاون الذي تم بعد ذلك أصبح مدهشاً بكل المقاييس. أولاً, لا بد عند تحليل العلاقات الثنائية بين البلدين أن نأخذ بالاعتبار حقيقة انتهاء الحرب الباردة وتزايد قوى العولمة؛ وثانياً التوجهات التي تحكم السياسة الخارجية في كل دولة. أما الأمر الثالث فيتعلق بحقيقة أن الصين لا تزال قوة عظمى ناشئة.
ففيما يتعلق بالنقطة الأولى, ولّدت نهاية الحرب الباردة معطيات سياسية دولية جديدة قائمة على زيادة الاعتماد المتبادل بين الدول, والتركيز على ما يجمعها, والمصالح المشتركة بينها, بدلاً من جعل العلاقات الدولية أسيرة التنافض الأيديولوجي وسباق التسلح العسكري وبناء الأحلاف وتوازنات القوى. الآن العالم يشهد تزايداً في دور العوامل الاقتصادية ومحاولة الدول حماية مصالحها من خلال التفاهمات والشراكات الاستراتيجية, أكثر من أي شيء آخر.
أما الحقيقة الثانية فتتعلق بكيفية صنع السياسة الخارجية لكل دولة, والأولويات التي يضعها صانع القرار نصب عينيه. ففيما يتعلق بالصين, تحاول القيادة الصينية تعزيز علاقاتها مع الدول الإقليمية المهمة, وحماية مصالحها في عالم قائم على التنافس وحرية التبادل التجاري. والمملكة أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة, بحجم تبادل يقدر بنحو 41 مليار دولار في العام 2008م. وهناك الكثير من أفق التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات المختلفة, خاصةً أن الصين أصبح بلداً مستورداً لا يستهان به للنفط عطفاً على النمو السريع الذي شهده الاقتصاد الصيني عبر العقود الثلاثة الماضية. كما أن الاقتصاد الصيني اقتصاد موجه للتصدير في أجزاء مهمة منه, والمملكة تعتبر أكبر سوق شرق أوسطية. والأمر الثابت في هذا الشأن أن العلاقات بين الدول العربية ودول الشرق الآسيوية آخذة في التنامي ومن المتوقع أن تتجاوز في أهميتها الاقتصادية العلاقات مع الدول الأوروبية وأمريكا, إن لم تكن تجاوزتها. لكن تظل في جانبها العسكري والسياسي أقل تطوراً.
من ناحيتها, حرصت الرياض على توسيع سلة علاقاتها الدولية في السنوات الأخيرة فيما سمي «الاتجاه شراقاً». وكان عصب ذلك الدخول في شراكات استراتيجية مع القوى الآسيوية مثل الصين, الهند, واليابان. والحقيقة أن المملكة تعتبر من المصدرين الرئيسيين للنفط إلى هذه الدول الآسيوية, وتتمتع بميزان تبادل تجاري ضخم معها, وهناك استثمارات بينية متنامية في هذا الشأن. ناهيك عن دور المملكة الراعي للجاليات الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم, والصين تحوي نحو 21 مليون مسلم صيني أو ما يزيد على 2% من سكان الصين.
أخيراً, الصين لا تزال قوة عظمى ناشئة, والمتعارف عليه في العلاقات الدولية أن الدولة التي لا تزال في طور التحول إلى قوة عظمى تكون أقل ميلاً لتبني سياسات ثورية؛ على العكس من ذلك تكون أكثر حذراً في نهجها السياسي الخارجي, دون التخلي عن محاولة حماية مصالحها, وتعزيز نفوذها في أماكن مختلفة من العالم. وهذا ما يفسر لنا من وجهة نظري الشخصية ضعف الدور الذي تلعبه الصين على المسرح السياسي العالمي, مقارنة ببعض القوى الأوروبية. لكن عاجلاً أم آجلاً سوف تجد الصين أن مصالحها تحتم عليها الانخراط بشكل أكثر إيجابية في قضايا السياسة الدولة, بما فيها قضايا الشرق الأوسط.
knhabbas@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة