الدعاة الجدد.. ما الذي قدموه للساحة الدعوية؟

بسام ناصر

من طبيعة النفوس أنها تستعذب كل جديد، وتطرب له وتعجب به، والناس في عالم الصناعات والموديلات مولعون بكل جديد، وغالبهم يتابع ذلك بشغف، ومن كان منهم قادرا على اقتناء ذلك الجديد لم يتردد في ذلك إشباعا لنزعة التملك، وتحققا بمتطلبات الجاه المعنوي المتمثلة في بعض صورها باقتناء الأشياء الثمينة والتحلي بها، تلك هي طبيعة الأشياء، وذلك ما يتناغم مع ما جبلت عليه النفوس البشرية. ولأننا في عالم طغت النزعة المادية فيه على الناس، فأصبحوا يتعاملون مع الأفكار والدعوات بمنطق تسويقي، حتى غدت بعض الفضائيات تتعاقد مع مشاهير الدعاة من ذوي الأسماء الشهيرة، بعقود باهظة الأجر، عالية الكلفة، سعيا منها إلى تسويقها وتسويق برامجها، بالتعامل مع أولئك المشاهير، مستثمرة ما يتمتعون به من شعبية واسعة، وجماهيرية عريضة. في غمرة ذلك، ظهر ما اصطلح على تسميته بـ«ظاهرة الدعاة الجدد»، وهم في غالبهم من نجوم الفضائيات، ذوي الأسماء اللامعة والبراقة، الذين حققوا حضورا كبيرا، وأحرزوا نجاحا لافتا، واكتسبوا جماهيرية واسعة وعريضة، فما هو الجديد الذي قدمه أولئك الدعاة الجدد؟ وما هي عناصر نجاحهم وتفوقهم؟ وهل هناك سلبيات تكتنف أداءهم، وتصاحب عطاءهم؟ ولماذا تقدموا على العلماء والدعاة التقليديين، فحققوا تلك الشهرة الواسعة، والنجومية اللامعة؟ حينما يتم استعراض أسماء أولئك الدعاة الجدد، والوقوف على خلفياتهم العلمية والفكرية والدعوية، يصعب على المرء إدراجهم جميعا في إطار فكري ودعوي واحد، فهم متعددو المشارب، مختلفو الاتجاهات، (عمرو خالد، طارق سويدان، الحبيب الجفري..)، كما يصعب كذلك وضع إطار تعريفي جامع ينضوي تحته كل من يمكن أن يصنف على أنه من الدعاة الجدد، إلا أن ما يكاد يجمعهم، هو ذلك الأداء المتميز الذي تمتزج فيه الموهبة مع الدربة، فهم أصحاب مواهب، امتازوا بها عن غيرهم، إلا أنهم لم يقفوا عند حدود مواهبهم تلك، بل سعوا إلى صقلها وتطويرها، من خلال فنون تعلموها، ومهارات اكتسبوها، فاجتمع لهم بذلك الجناحان اللذان بهما يحلق الطائر عاليا. لعل غالب أولئك الدعاة الجدد، لم يخرجوا من رحم المؤسسات الدينية التقليدية، أي لم يكونوا ممن امتهن عمل الوعظ والإرشاد والتدريس الديني، بل مارسوه ابتداء تطوعا واحتسابا، فظهرت مواهبهم المتألقة، فتقدموا أو قدموا لأداء مهام الوعظ والإرشاد والتوجيه، حينها استحسن الناس أداءهم، وانشدوا إليهم وتعلقوا بهم، ورأوا فيهم نموذجا لم يألفوه فيمن اعتادوا الاستماع إليهم في مجالس الوعظ التقليدي، ذاك النموذج يقدم لونا جديدا في الوعظ الديني، يخرج عن تلك الرتابة المعهودة، والنمطية المستهلكة، فثمة اهتمام واسع في التحضير والإعداد، واستجماع متقن لعناصر الموضوعات المتحدث عنها من أطرافها كافة. أما في مجال الإلقاء والأداء؛ فإن أولئك الدعاة الجدد يتمتعون بقدرات مميزة، تمكنهم من التواصل الحار والمؤثر مع جمهور المتلقين. ما تميز به الدعاة الجدد، هو إتقان فن التواصل مع جماهير المتلقين، واستخدامهم كل وسائل الاتصال الحديثة المتاحة، لمخاطبة الناس من خلالها؛ ولأن الكثيرين منهم ليسوا ممن امتهن العمل الدعوي -على الأقل في بداية الظهور- فإن صدق الرغبات والدوافع كانت عاملا أساسيا في ذلك الحضور المتألق، والعطاء المتميز، غير أن الراصد والمتتبع لمسيرة بعض أولئك المشاهير من الدعاة الجدد، يجد أن ثمة تحولات طرأت على مسار أدائهم، ما أحدث انحرافا في بوصلة وجهتهم، بحيث تحولت الدعوة من رسالة خالصة إلى تجارة رائجة، يتكسبون تحت لوائها، ويستثمرون نجوميتهم في المشاركة في شركات تجارية وعقود عمل استثمارية وما إلى ذلك. كذلك فإن ألوانا من التكلف والتصنع (ولعل ذلك بفعل تأثير دورات لغة البرمجة العصبية) أخرجت أداءهم عن طبيعته وسجيته وتأثيراته العميقة، فمن لم يكن بطبعه وسجيته يجيد الدعابة، ويحسن الابتسامة، فليس مطلوبا منه أمام الكاميرات تكلف الظهور بمظهر المداعب، كثير التبسم، لكي يقال عنه إنه خفيف الظل، كثير المرح. ولئن كان من آفات الوعظ التقليدي ما يغلب على كثير من الوعاظ الدعاة (التقليديين) التشدق بالكلام، والتقعر به، على غير طبيعة المتكلم، فإن من آفات بعض نجوم الدعاة الجدد، ما يغلب على أدائهم من استعارة أدوات وحركات التمثيل المسرحي، فلماذا كل هذا التكلف والتصنع؟ فالداعية ليس ممثلا بل يؤدي دورا رساليا، وكلما كان صادقا في كلامه ونبراته وحركاته كان ذلك أدعى لقبوله واحترامه، والتشوق الحقيقي إلى الاستماع إليه والتأثر بمواعظه ودروسه. الدعاة الجدد حققوا حضورا كبيرا، وكانت لهم أياد بيضاء على الدعوة وجماهير الناس، وبعضهم اقتحم ميادين ما كان للدعاة التقليديين الاقتراب منها أو دخولها، غير أن من تمام الأداء، ودوام النفع والتأثير المحافظة على سلامة النيات، وأن تكون الوجهة خالصة لله لا تتنازعها أطماع دنيوية، ولا شهوات ومآرب ذاتية.
باحث شرعي