مصالحة خادم الحرمين لبنة لفض النزاعات في الدوحة
فؤاد السنيورة لـ «عكاظ»:
السبت / 01 / ربيع الثاني / 1430 هـ السبت 28 مارس 2009 21:22
حوار : زياد عيتاني -بيروت
أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة عشية انعقاد القمة العربية في الدوحة، في حوار مع "عكاظ" أن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعترض العالم العربي لا يمكن أن يصار إلى مواجهتها إلا من خلال موقف عربي متضامن ،مؤكداً أن قمة الدوحة، وبعد المصالحة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ستضع لبنة أساسية على صعيد فض النزاعات العربية والعمل بغية التلاقي بشكل موضوعي. وفي ما يلي الحوار الذي خص به الرئيس السنيورة "عكاظ" .
عشية انعقاد القمة العربية في الدوحة، كيف تقرأ الأجواء العربية والتحديات التي تنتظر هذه القمة وما هو المتوقع منها؟
**لا شك أن هذه القمة دورية، لكنها تأتي في أعقاب مبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين في محاولة منه لجمع الصف العربي ونبذ الخلافات العربية والعمل من أجل مواجهة الجملة الكبيرة من الإشكالات التي تتراكم من جهة، والتحديات الناتجة عن استمرار المبادرة العربية دون أن يصار إلى التقاطها واستمرار مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى، إضافة للمشكلة الفلسطينية واستمرار الصلف والتعنت الإسرائيلي والحرب التي تشنها على البلدان العربية، كما شنت حربها في العام 2006 على لبنان وفي نهاية الـ 2008 على غزة. كذلك استمرار التوسع والزيادة في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية وعمليات التهجير الواسعة لأهالي القدس.
كل هذه الأمور، يضاف إليها التحديات الأخرى التي تواجهها البلدان العربية على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وعلمي، كل هذه الأمور لا يمكن أن يصار إلى مواجهتها إلا من خلال موقف عربي متضامن. وبالتالي تأتي هذه القمة لتضع لبنة أساسية في محاولة فض النزاعات العربية، والعمل من أجل التلاقي بشكل موضوعي وبعيداً عما يسمى الحلول السريعة الجاهزة التي لا ينتهي مؤتمر إلا وقد زال مفعولها.
هناك من يذهب إلى القول إن كل مساعي المصالحة العربية إنما حصلت لتمرير قمة الدوحة، وبالتالي هذه المصالحة تشهد نهايتها بختام القمة والعودة إلى المربع الأول في الخلاف. فما هو تعليقك؟
** لا أريد أن أنعى المؤتمر وليس في ذلك مصلحة، كما لا أعتقد بذلك وليس بإمكاني أيضاً أن أقرأ المستقبل، لكن بإمكاني أن أعمل للمستقبل وهذا واجب كل مسؤول عربي أن يعمل للمستقبل لا أن يتعامل معه من زاوية سلبية متفاعلة وغير مؤثرة. نحن أمام عدة مسائل تقتضي منّا مبادرات وعملا حقيقيا من أجل المعالجة وليس عملا يؤدي بنا إلى مزيد من التوتير.
فالكلام بأن هذا المؤتمر ما ان ينفض حتى تعود الخلافات ليس عملاً مفيداً ولا أعتقد ذلك، وأعتقد أن ما تراكم من وجهات نظر متباينة لا يمكن أن يصار إلى إزالتها بلقاء . هذا ليس بعمل مفيد وليس هذا ما يتعين أن نعمل من أجله. علينا أن نعمل لنصل إلى معالجات في العمق لمواقع التباين في وجهات النظر والعمل على المعالجة.
وأعتقد أيضاً أن هذه التحديات التي سنشهدها ونواجهها لا تواجه فريقاً واحداً من العرب أو دولة أو مجموعة. وأميل للاعتقاد بأن الدول العربية كافة مبحرة على متن سفينة واحدة، ومع اختلاف مواقعهم على متن هذه السفينة، إلا أن أي شيء قد يسيء للسفينة سوف يتأثر الجميع منه. ولكن الإدراك لطبيعة هذه المرحلة وتحدياتها لا بد وأن يجمع كل المسؤولين في الدول العربية على التحول نحو بذل مجهود من أجل جمع الصف.
هناك من يرى أن لبنان يدفع ثمن الخلاف العربي إن لم يكن ثمناً للمصالحة العربية. باعتقادكم ما هو أثر هذه المصالحات على لبنان ؟
** أولاً وعلى مدى سنوات الاستقلال في لبنان، حدث بما لا يقبل الشك أن لبنان هو أكثر بلد مستفيد من التوافق العربي ومن التعاون العربي ومن عدم وجود خلافات معه. وثبت أيضاً انه عندما يكون هناك خلاف بين الدول العربية، فإنه أكثر بلد يتضرر من ذلك بسبب طبيعته وتكوينه، لذلك فإنني من أشد القائلين بأن للبنان مصلحة حقيقية بأن يكون هناك وفاق عربي وتعاون عربي حقيقي، لأن هذا ما سيأخذ المنطقة العربية أولاً نحو التلاؤم مع حجم التحديات ومشاكلها، ويمكن للبنان أن يدرج ميزاته التفاضلية في هذا الشأن.
لبنان يستطيع أن يخدم نفسه وان يكون عوناً ومساعداً للقضايا العربية وللدول العربية عندما يكون العرب متفقين نحن أكثر ما نكون قدرة عندها لكي نعطي أفضل ما لدينا وما عندنا في هذا الشأن، لذلك لا أعتقد بمقولة أن لبنان يدفع ثمناً للخلافات العربية، كما لا أعتقد بأن أي حل سيكون على حساب مصلحة لبنان، لأنه عندما مورست في الماضي نظريات أدت إلى تهميش لبنان او عدم احترام سيادته واستقلاله وحريته وفرادة نظامه، ،شهدنا ما تحملته بلادنا من جهة، وما عاناه وما يزال وما عانت منه أيضاً الدول العربية من تداعيات ما نتج عن المشاكل بأن هناك من أخضع لبنان لكي يكون ساحة للتجاذب وساحة للخلافات العربية.
الرئيس السوري بشار الأسد، وفي تصريح له مؤخراً ، قال إنه ينتظر أن يرى من سيتولى رئاسة الحكومة في لبنان وشكل هذه الحكومة ليتم على إثره صياغة شكل العلاقة بين البلدين. كيف ترون ذلك؟
** يتعين أن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة مبنية على الاحترام المتبادل، ولا أريد أن أعلق على هذا الكلام حتى نتأكد من حقيقة النص الذي ذكر. ولكنني سأضع ما أراه من حقيقة العلاقات بين لبنان وسوريا، فهذان البلدان عربيان وشقيقان تربطهما هذه الروابط العربية التاريخية وأيضاً الروابط الجغرافية وروابط المصالح، وبالتالي هناك مصلحة حقيقية للبنان كما لسوريا بأن تكون العلاقات على أعلى المستويات وفي احسن حال، مبنية على الاحترام المتبادل وعلى الصراحة وعلى التكافؤ في التعامل بين بعضهما بعضا وعلى الندية، كذلك روابط مبنية على الإيمان الكامل بأن لكل منهما مصلحة في أن تحل جميع المسائل بدرجة عالية من المسؤولية انطلاقاً من مصالحنا العربية الواحدة، ومن كوننا نتعرض لتحديات واحدة على كل الصعد، القومية، الوطنية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً نتعرض لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لبلدينا. أي ما يجمعنا الكثير لكن هذا الأمر يتطلب هذه المقاربة للعلاقة المبنية حقيقة على احترام استقلالية كل بلد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ما يعني ان تكون العلاقات مبنية على كوننا دولتين جارتين شقيقتين مستقلتين وهذه العلاقة التي نحن نتوخاها ومؤمنون بها وننطلق في ذلك من إيماننا القومي والوطني وأيضاً إدراكنا بمصالح بلدينا. هذا ما نؤمن به في لبنان وهذا ما يجب ان تؤمن به سوريا والشعب السوري. وطبيعي ان تكون هناك وجهات نظر من زوايا معينة وكل شيء يعالج بالصراحة والصدق والإصرار على إزالة أي تباين في وجهات النظر.
ما هو تقييمك للتطور الإصلاحي في العلاقات بين البلدين بخاصة بعد فتح السفارتين وتسمية السفيرين، ومتى يمكننا أن نقول بأن العلاقة اللبنانية السورية قد انتظمت إلى علاقة بين شقيقين؟
** أرى أن هذا مسار جيد، وبالتالي الخطوة التي جرت من اجل إنشاء سفارتين وتبادل العلاقات الدبلومسية هذا أمر في غاية الأهمية وقد انتظره اللبنانيون منذ 66 عاماً، منذ الاستقلال، واعتقد أن مجرد حصوله إنجاز. ومع مرور الأيام سيزيد إيمان البلدين بأهمية توثيق هذه العلاقات الدبلوماسية وأن تكون كل الأمور المعلقة تتجه إلى حلها عبر هذه الطريقة المثلى للمعالجات.
هذا المسار سيأخذنا للنظر في بقية الملفات التي مازالت بحاجة إلى المعالجة وفي ذلك مصلحة كبيرة إن كان في مسألة الحدود ومنع التهريب ومنع أي امر قد يؤدي إلى الإخلال بهذه العلاقات. نحن نعتقد أن كل أمر يمس بسوريا نحن لا نريده لأننا شديدو الحرص على أن لا نكون مصدر قلق لسوريا أو ما يسمى شوكة في خاصرتها.
لا أعتقد أن ذلك موجود لدى لبنان او في تفكير اللبنانيين، كما أننا نعتقد أن سوريا لن تكون إلا عوناً للبنان وهذا يحتاج إلى ممارسة على مدى فترة زمنية وعلى الحرص بإظهار هذا الأمر.
متى ستزور سوريا؟
** لقد قمت بزيارة إلى سوريا، ولم أقل يوماً على الإطلاق بأنني لا أريد زيارة سوريا. وهذا الأمر يحتاج إلى إجراءات وتحضير وحصول أي زيارة مفيد لنا كما هو مفيد زيارة المسؤولين السوريين إلى لبنان.
هناك جدل حول طبيعة الانتخابات النيابية المقبلة ما ان كانت مصيرية او عادية كيف تقرؤها؟
** كلمة مصيرية لا أوافق عليها وأفضل استعمال عبارة انتخابات هامة، وهي التزام للحكومة اللبنانية، التي تعهدت بأن تتم هذه الانتخابات بدرجة عالية من الشفافية ومن القدرة على التعبير عن رأي اللبنانيين بمن يريدون أن يمثلهم. وبالتالي نحن حريصون في الحكومة أن تجري الانتخابات في أجواء ملائمة وبعيدة عن ما يعكرها أو يؤدي إلى خلق أجواء غير ملائمة. نحن في هذه الآونة أيضاً حريصون على أن لا ترتفع أصوات النشاز أو أن يمارس نوع من العنف الكلامي غير المفيد، كما أننا حريصون على وجود المؤسسات العربية والدولية التي يمكن أن تسهم في مواكبة العملية الانتخابية بما يعزز من صدقيتها وحسن تمثيلها.
هذا يعني أنكم مع وجود مراقبة دولية للانتخابات؟
** أرى فيها مواكبة للانتخابات، ونعم نحن حريصون على ان تتمثل الجامعة العربية في مواكبة هذه العملية أيضاً.
كيف تقيمون تجربة الحكومة الحالية وبالتالي هل أنت مع تشكيل حكومة فيها ثلث معطل للمعارضة أياً كانت هذه المعارضة؟
** لبنان وبحكم تركيبته وتنوعه من المفيد أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية لكنني لست من القائلين بوجود ثلث معطل ولا أعتقد أن هذه التجربة مفيدة كما أنها لم تنجح.
إن الحكومة هي المكان لاتخاذ القرار وليست من أجل السجالات الكلامية والحوارات، هناك الندوة النيابية للحوار وهي المكان الذي تحاسب فيه الحكومة حيث تمثل أمام المجلس وتحصل من خلاله على الثقة ويتم مراقبتها من قبل المجلس النيابي حيث تمنح الثقة او تحجب عنها، وهذا هو المكان الصحيح لممارسة الديمقراطية.
إن طلب منكم بعد الانتخابات تشكيل حكومة على نسق الحالية وبهذه الصيغة، ما هو موقفكم؟
** لن أستعجل هذا الموضوع وهو سابق لأوانه، يجب أن ننظر أولاً إلى المجلس النيابي وتركيبته لأنه سيد نفسه وهو الذي يختار. وكل همي الآن أن تجري الانتخابات ويصار إلى انتخابات ناجحة وأن أسلم هذه الأمانة، أنا أريد أن أسلم هذه الأمانة إلى المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة.
ما حقيقة ما يثار حول ترشحكم للانتخابات؟
الموضوع سابق لأوانه لنبحث فيه.
هل هو وارد؟
** لن أقول واردا كذلك، لا أريد أن يستنتج من كلامي أي نية أو أي رغبة في الترشح، سأترك الموضوع للتطورات التي يمكن أن تطرأ وأنا طيلة 17 عاماً من الممارسة السياسية المباشرة لم يكن موضوع ترشحي للانتخابات واردا في ذهني.
ما سبب التباين الدائم بينكم وبين الرئيس بري؟ هل هناك كيمياء مفقودة فيما بينكم ولماذا؟
** على العكس، أنا شديد الحرص على أن تكون العلاقات مع الرئيس بري مبنية على الصراحة والاحترام المتبادل وعلى السير في اتجاه تحقيق المصلحة الوطنية. وقد مررنا بالمراحل التي عملنا فيها سوية خلال حرب تموز وكان ذلك على درجة عالية من التعاون والتنسيق، وبالتالي الكلام بأن الكيمياء مفقودة غير صحيح.
ما أثير حول المساعدات السعودية، هل يمكننا القول عبر "عكاظ" إن هذا الملف قد أقفل؟
** المملكة، وعلى مدى هذه السنوات التي مرت منذ حرب تموز وحتى الآن كانت أول من بادر وأول من وقف وأكثر من وقف إلى جانب اللبنانيين، وقدمت معونات عديدة من أجل تمكين لبنان من تخطي أزمته التي مر بها وكان ذلك من أجل تمكين لبنان من مواجهته الإغاثة السريعة او كان ذلك لإعادة بناء عدد من الوحدات السكنية التي دمرت.
لقد كان إسهام المملكة يقارب الـ 50% من الوحدات السكنية التي تضررت. وساعدت المملكة أيضاً من أجل القيام بعدد من المشاريع الإنمائية وساعدت في مجال التعليم بدفع رسوم الطلاب في كل المراحل الابتدائية والثانوية إضافة لرسوم الكتب هذا فضلا عن مساعداتها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على إعادة تجهيز معداتهم.
مساعدات المملكة لا تصب في تلك المجالات فقط ففي الظروف التي مر بها لبنان بعدم قدرته على تأمين التمويل اللازم لما تبقى من الحاجات التي لم تتوفر بعد تبني جميع الدول العربية وعلى رأسها المملكة، الكويت، العراق الإمارات، عمان، والبحرين في مجال الاغاثة عبر الهيئة العليا للإغاثة وأيضاً من خلال إعادة بناء الوحدات السكنية إلا أنه تبقى ما يزيد عن 37 ألف وحدة سكنية لم يكن هناك من متبن لها وهذه مبالغ كبيرة جداً توجبت على الدولة اللبنانية وآنذاك لم يكن في إمكان الدولة توفير المال اللازم لها أولاً بسبب إغلاق مجلس النواب وتالياً الظروف المالية التي مررنا بها. وبالتالي ساعدت المملكة بشكل غير مباشر على توفير السيولة المرحلة التي مكنت من أن يباشر تقديم المساعدات لأولئك الذين تضرروا إلى أن يتسنى لنا تدبير المال اللازم لإنهاء هذه المسألة، وكانت هذه المكرمة على مسارين، ما تبنته المملكة وما مكنت لبنان من خلال توفير السيولة المرحلية حتى نستطيع القيام بما يتوجب من عمليات إغاثة.
ما سر انتقاد البعض للمملكة بأنها كانت تقف مع طرف ضد طرف آخر في لبنان؟
** المملكة دائماً كانت حريصة بممارستها على أن تكون إلى جانب جميع اللبنانيين وهي مع لبنان ووحدته. وهذا ليس أمراً جديداً على المملكة.
الحقيقة هذه هي سياسة المملكة منذ قيام الدولة اللبنانية، إنها مع وحدته واستقلاله وسيادته ووقوفها إلى جانب جميع اللبنانيين، وبالتالي عندما تقوم المملكة بتقديم المساعدة لأهلنا في الجنوب وأهلنا في الضاحية الجنوبية لبيروت هل يعقل أن تكون ضدهم؟ وهل عندما تقدم المساعدة لجميع التلاميذ في لبنان في أي مدرسة رسمية كانوا أليس هذا إثباتاً أنها مع جميع اللبنانيين؟
وفي السياسة كانت دائماً المملكة مع استقلال لبنان ومع سيادته ومع بناء علاقات قويمة وصحيحة بينه وبين الدول العربية.
وفي كل الظروف التي تعرض لها لبنان من إشكالات، وقفت المملكة إلى جانب وحدته وإلى جانب استمرار انتمائه العربي وإلى جانب استمرار علاقاته العربية. كذلك عندما تعرض لبنان إلى تحد كبير في الثمانينات وجدنا أن المملكة وقفت إلى جانبه بشكل حاسم واستضافت نوابه في الطائف وكان أن ولد الاتفاق الذي نعمل به وملتزمون به والذي أنهى الحرب المستعرة آنذاك، وأخذ بلبنان إلى المسار المؤدي لإعادة ترتيب أوضاعه وإعادة اللحمة بين أبنائه.
لم تكن المملكة يوماً مع فريق ونحن لا نريدها إلا أن تكون مع جميع اللبنانيين وهي كذلك ونحن نريدها كذلك.
عشية انعقاد القمة العربية في الدوحة، كيف تقرأ الأجواء العربية والتحديات التي تنتظر هذه القمة وما هو المتوقع منها؟
**لا شك أن هذه القمة دورية، لكنها تأتي في أعقاب مبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين في محاولة منه لجمع الصف العربي ونبذ الخلافات العربية والعمل من أجل مواجهة الجملة الكبيرة من الإشكالات التي تتراكم من جهة، والتحديات الناتجة عن استمرار المبادرة العربية دون أن يصار إلى التقاطها واستمرار مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى، إضافة للمشكلة الفلسطينية واستمرار الصلف والتعنت الإسرائيلي والحرب التي تشنها على البلدان العربية، كما شنت حربها في العام 2006 على لبنان وفي نهاية الـ 2008 على غزة. كذلك استمرار التوسع والزيادة في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية وعمليات التهجير الواسعة لأهالي القدس.
كل هذه الأمور، يضاف إليها التحديات الأخرى التي تواجهها البلدان العربية على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وعلمي، كل هذه الأمور لا يمكن أن يصار إلى مواجهتها إلا من خلال موقف عربي متضامن. وبالتالي تأتي هذه القمة لتضع لبنة أساسية في محاولة فض النزاعات العربية، والعمل من أجل التلاقي بشكل موضوعي وبعيداً عما يسمى الحلول السريعة الجاهزة التي لا ينتهي مؤتمر إلا وقد زال مفعولها.
هناك من يذهب إلى القول إن كل مساعي المصالحة العربية إنما حصلت لتمرير قمة الدوحة، وبالتالي هذه المصالحة تشهد نهايتها بختام القمة والعودة إلى المربع الأول في الخلاف. فما هو تعليقك؟
** لا أريد أن أنعى المؤتمر وليس في ذلك مصلحة، كما لا أعتقد بذلك وليس بإمكاني أيضاً أن أقرأ المستقبل، لكن بإمكاني أن أعمل للمستقبل وهذا واجب كل مسؤول عربي أن يعمل للمستقبل لا أن يتعامل معه من زاوية سلبية متفاعلة وغير مؤثرة. نحن أمام عدة مسائل تقتضي منّا مبادرات وعملا حقيقيا من أجل المعالجة وليس عملا يؤدي بنا إلى مزيد من التوتير.
فالكلام بأن هذا المؤتمر ما ان ينفض حتى تعود الخلافات ليس عملاً مفيداً ولا أعتقد ذلك، وأعتقد أن ما تراكم من وجهات نظر متباينة لا يمكن أن يصار إلى إزالتها بلقاء . هذا ليس بعمل مفيد وليس هذا ما يتعين أن نعمل من أجله. علينا أن نعمل لنصل إلى معالجات في العمق لمواقع التباين في وجهات النظر والعمل على المعالجة.
وأعتقد أيضاً أن هذه التحديات التي سنشهدها ونواجهها لا تواجه فريقاً واحداً من العرب أو دولة أو مجموعة. وأميل للاعتقاد بأن الدول العربية كافة مبحرة على متن سفينة واحدة، ومع اختلاف مواقعهم على متن هذه السفينة، إلا أن أي شيء قد يسيء للسفينة سوف يتأثر الجميع منه. ولكن الإدراك لطبيعة هذه المرحلة وتحدياتها لا بد وأن يجمع كل المسؤولين في الدول العربية على التحول نحو بذل مجهود من أجل جمع الصف.
هناك من يرى أن لبنان يدفع ثمن الخلاف العربي إن لم يكن ثمناً للمصالحة العربية. باعتقادكم ما هو أثر هذه المصالحات على لبنان ؟
** أولاً وعلى مدى سنوات الاستقلال في لبنان، حدث بما لا يقبل الشك أن لبنان هو أكثر بلد مستفيد من التوافق العربي ومن التعاون العربي ومن عدم وجود خلافات معه. وثبت أيضاً انه عندما يكون هناك خلاف بين الدول العربية، فإنه أكثر بلد يتضرر من ذلك بسبب طبيعته وتكوينه، لذلك فإنني من أشد القائلين بأن للبنان مصلحة حقيقية بأن يكون هناك وفاق عربي وتعاون عربي حقيقي، لأن هذا ما سيأخذ المنطقة العربية أولاً نحو التلاؤم مع حجم التحديات ومشاكلها، ويمكن للبنان أن يدرج ميزاته التفاضلية في هذا الشأن.
لبنان يستطيع أن يخدم نفسه وان يكون عوناً ومساعداً للقضايا العربية وللدول العربية عندما يكون العرب متفقين نحن أكثر ما نكون قدرة عندها لكي نعطي أفضل ما لدينا وما عندنا في هذا الشأن، لذلك لا أعتقد بمقولة أن لبنان يدفع ثمناً للخلافات العربية، كما لا أعتقد بأن أي حل سيكون على حساب مصلحة لبنان، لأنه عندما مورست في الماضي نظريات أدت إلى تهميش لبنان او عدم احترام سيادته واستقلاله وحريته وفرادة نظامه، ،شهدنا ما تحملته بلادنا من جهة، وما عاناه وما يزال وما عانت منه أيضاً الدول العربية من تداعيات ما نتج عن المشاكل بأن هناك من أخضع لبنان لكي يكون ساحة للتجاذب وساحة للخلافات العربية.
الرئيس السوري بشار الأسد، وفي تصريح له مؤخراً ، قال إنه ينتظر أن يرى من سيتولى رئاسة الحكومة في لبنان وشكل هذه الحكومة ليتم على إثره صياغة شكل العلاقة بين البلدين. كيف ترون ذلك؟
** يتعين أن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة مبنية على الاحترام المتبادل، ولا أريد أن أعلق على هذا الكلام حتى نتأكد من حقيقة النص الذي ذكر. ولكنني سأضع ما أراه من حقيقة العلاقات بين لبنان وسوريا، فهذان البلدان عربيان وشقيقان تربطهما هذه الروابط العربية التاريخية وأيضاً الروابط الجغرافية وروابط المصالح، وبالتالي هناك مصلحة حقيقية للبنان كما لسوريا بأن تكون العلاقات على أعلى المستويات وفي احسن حال، مبنية على الاحترام المتبادل وعلى الصراحة وعلى التكافؤ في التعامل بين بعضهما بعضا وعلى الندية، كذلك روابط مبنية على الإيمان الكامل بأن لكل منهما مصلحة في أن تحل جميع المسائل بدرجة عالية من المسؤولية انطلاقاً من مصالحنا العربية الواحدة، ومن كوننا نتعرض لتحديات واحدة على كل الصعد، القومية، الوطنية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً نتعرض لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لبلدينا. أي ما يجمعنا الكثير لكن هذا الأمر يتطلب هذه المقاربة للعلاقة المبنية حقيقة على احترام استقلالية كل بلد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ما يعني ان تكون العلاقات مبنية على كوننا دولتين جارتين شقيقتين مستقلتين وهذه العلاقة التي نحن نتوخاها ومؤمنون بها وننطلق في ذلك من إيماننا القومي والوطني وأيضاً إدراكنا بمصالح بلدينا. هذا ما نؤمن به في لبنان وهذا ما يجب ان تؤمن به سوريا والشعب السوري. وطبيعي ان تكون هناك وجهات نظر من زوايا معينة وكل شيء يعالج بالصراحة والصدق والإصرار على إزالة أي تباين في وجهات النظر.
ما هو تقييمك للتطور الإصلاحي في العلاقات بين البلدين بخاصة بعد فتح السفارتين وتسمية السفيرين، ومتى يمكننا أن نقول بأن العلاقة اللبنانية السورية قد انتظمت إلى علاقة بين شقيقين؟
** أرى أن هذا مسار جيد، وبالتالي الخطوة التي جرت من اجل إنشاء سفارتين وتبادل العلاقات الدبلومسية هذا أمر في غاية الأهمية وقد انتظره اللبنانيون منذ 66 عاماً، منذ الاستقلال، واعتقد أن مجرد حصوله إنجاز. ومع مرور الأيام سيزيد إيمان البلدين بأهمية توثيق هذه العلاقات الدبلوماسية وأن تكون كل الأمور المعلقة تتجه إلى حلها عبر هذه الطريقة المثلى للمعالجات.
هذا المسار سيأخذنا للنظر في بقية الملفات التي مازالت بحاجة إلى المعالجة وفي ذلك مصلحة كبيرة إن كان في مسألة الحدود ومنع التهريب ومنع أي امر قد يؤدي إلى الإخلال بهذه العلاقات. نحن نعتقد أن كل أمر يمس بسوريا نحن لا نريده لأننا شديدو الحرص على أن لا نكون مصدر قلق لسوريا أو ما يسمى شوكة في خاصرتها.
لا أعتقد أن ذلك موجود لدى لبنان او في تفكير اللبنانيين، كما أننا نعتقد أن سوريا لن تكون إلا عوناً للبنان وهذا يحتاج إلى ممارسة على مدى فترة زمنية وعلى الحرص بإظهار هذا الأمر.
متى ستزور سوريا؟
** لقد قمت بزيارة إلى سوريا، ولم أقل يوماً على الإطلاق بأنني لا أريد زيارة سوريا. وهذا الأمر يحتاج إلى إجراءات وتحضير وحصول أي زيارة مفيد لنا كما هو مفيد زيارة المسؤولين السوريين إلى لبنان.
هناك جدل حول طبيعة الانتخابات النيابية المقبلة ما ان كانت مصيرية او عادية كيف تقرؤها؟
** كلمة مصيرية لا أوافق عليها وأفضل استعمال عبارة انتخابات هامة، وهي التزام للحكومة اللبنانية، التي تعهدت بأن تتم هذه الانتخابات بدرجة عالية من الشفافية ومن القدرة على التعبير عن رأي اللبنانيين بمن يريدون أن يمثلهم. وبالتالي نحن حريصون في الحكومة أن تجري الانتخابات في أجواء ملائمة وبعيدة عن ما يعكرها أو يؤدي إلى خلق أجواء غير ملائمة. نحن في هذه الآونة أيضاً حريصون على أن لا ترتفع أصوات النشاز أو أن يمارس نوع من العنف الكلامي غير المفيد، كما أننا حريصون على وجود المؤسسات العربية والدولية التي يمكن أن تسهم في مواكبة العملية الانتخابية بما يعزز من صدقيتها وحسن تمثيلها.
هذا يعني أنكم مع وجود مراقبة دولية للانتخابات؟
** أرى فيها مواكبة للانتخابات، ونعم نحن حريصون على ان تتمثل الجامعة العربية في مواكبة هذه العملية أيضاً.
كيف تقيمون تجربة الحكومة الحالية وبالتالي هل أنت مع تشكيل حكومة فيها ثلث معطل للمعارضة أياً كانت هذه المعارضة؟
** لبنان وبحكم تركيبته وتنوعه من المفيد أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية لكنني لست من القائلين بوجود ثلث معطل ولا أعتقد أن هذه التجربة مفيدة كما أنها لم تنجح.
إن الحكومة هي المكان لاتخاذ القرار وليست من أجل السجالات الكلامية والحوارات، هناك الندوة النيابية للحوار وهي المكان الذي تحاسب فيه الحكومة حيث تمثل أمام المجلس وتحصل من خلاله على الثقة ويتم مراقبتها من قبل المجلس النيابي حيث تمنح الثقة او تحجب عنها، وهذا هو المكان الصحيح لممارسة الديمقراطية.
إن طلب منكم بعد الانتخابات تشكيل حكومة على نسق الحالية وبهذه الصيغة، ما هو موقفكم؟
** لن أستعجل هذا الموضوع وهو سابق لأوانه، يجب أن ننظر أولاً إلى المجلس النيابي وتركيبته لأنه سيد نفسه وهو الذي يختار. وكل همي الآن أن تجري الانتخابات ويصار إلى انتخابات ناجحة وأن أسلم هذه الأمانة، أنا أريد أن أسلم هذه الأمانة إلى المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة.
ما حقيقة ما يثار حول ترشحكم للانتخابات؟
الموضوع سابق لأوانه لنبحث فيه.
هل هو وارد؟
** لن أقول واردا كذلك، لا أريد أن يستنتج من كلامي أي نية أو أي رغبة في الترشح، سأترك الموضوع للتطورات التي يمكن أن تطرأ وأنا طيلة 17 عاماً من الممارسة السياسية المباشرة لم يكن موضوع ترشحي للانتخابات واردا في ذهني.
ما سبب التباين الدائم بينكم وبين الرئيس بري؟ هل هناك كيمياء مفقودة فيما بينكم ولماذا؟
** على العكس، أنا شديد الحرص على أن تكون العلاقات مع الرئيس بري مبنية على الصراحة والاحترام المتبادل وعلى السير في اتجاه تحقيق المصلحة الوطنية. وقد مررنا بالمراحل التي عملنا فيها سوية خلال حرب تموز وكان ذلك على درجة عالية من التعاون والتنسيق، وبالتالي الكلام بأن الكيمياء مفقودة غير صحيح.
ما أثير حول المساعدات السعودية، هل يمكننا القول عبر "عكاظ" إن هذا الملف قد أقفل؟
** المملكة، وعلى مدى هذه السنوات التي مرت منذ حرب تموز وحتى الآن كانت أول من بادر وأول من وقف وأكثر من وقف إلى جانب اللبنانيين، وقدمت معونات عديدة من أجل تمكين لبنان من تخطي أزمته التي مر بها وكان ذلك من أجل تمكين لبنان من مواجهته الإغاثة السريعة او كان ذلك لإعادة بناء عدد من الوحدات السكنية التي دمرت.
لقد كان إسهام المملكة يقارب الـ 50% من الوحدات السكنية التي تضررت. وساعدت المملكة أيضاً من أجل القيام بعدد من المشاريع الإنمائية وساعدت في مجال التعليم بدفع رسوم الطلاب في كل المراحل الابتدائية والثانوية إضافة لرسوم الكتب هذا فضلا عن مساعداتها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على إعادة تجهيز معداتهم.
مساعدات المملكة لا تصب في تلك المجالات فقط ففي الظروف التي مر بها لبنان بعدم قدرته على تأمين التمويل اللازم لما تبقى من الحاجات التي لم تتوفر بعد تبني جميع الدول العربية وعلى رأسها المملكة، الكويت، العراق الإمارات، عمان، والبحرين في مجال الاغاثة عبر الهيئة العليا للإغاثة وأيضاً من خلال إعادة بناء الوحدات السكنية إلا أنه تبقى ما يزيد عن 37 ألف وحدة سكنية لم يكن هناك من متبن لها وهذه مبالغ كبيرة جداً توجبت على الدولة اللبنانية وآنذاك لم يكن في إمكان الدولة توفير المال اللازم لها أولاً بسبب إغلاق مجلس النواب وتالياً الظروف المالية التي مررنا بها. وبالتالي ساعدت المملكة بشكل غير مباشر على توفير السيولة المرحلة التي مكنت من أن يباشر تقديم المساعدات لأولئك الذين تضرروا إلى أن يتسنى لنا تدبير المال اللازم لإنهاء هذه المسألة، وكانت هذه المكرمة على مسارين، ما تبنته المملكة وما مكنت لبنان من خلال توفير السيولة المرحلية حتى نستطيع القيام بما يتوجب من عمليات إغاثة.
ما سر انتقاد البعض للمملكة بأنها كانت تقف مع طرف ضد طرف آخر في لبنان؟
** المملكة دائماً كانت حريصة بممارستها على أن تكون إلى جانب جميع اللبنانيين وهي مع لبنان ووحدته. وهذا ليس أمراً جديداً على المملكة.
الحقيقة هذه هي سياسة المملكة منذ قيام الدولة اللبنانية، إنها مع وحدته واستقلاله وسيادته ووقوفها إلى جانب جميع اللبنانيين، وبالتالي عندما تقوم المملكة بتقديم المساعدة لأهلنا في الجنوب وأهلنا في الضاحية الجنوبية لبيروت هل يعقل أن تكون ضدهم؟ وهل عندما تقدم المساعدة لجميع التلاميذ في لبنان في أي مدرسة رسمية كانوا أليس هذا إثباتاً أنها مع جميع اللبنانيين؟
وفي السياسة كانت دائماً المملكة مع استقلال لبنان ومع سيادته ومع بناء علاقات قويمة وصحيحة بينه وبين الدول العربية.
وفي كل الظروف التي تعرض لها لبنان من إشكالات، وقفت المملكة إلى جانب وحدته وإلى جانب استمرار انتمائه العربي وإلى جانب استمرار علاقاته العربية. كذلك عندما تعرض لبنان إلى تحد كبير في الثمانينات وجدنا أن المملكة وقفت إلى جانبه بشكل حاسم واستضافت نوابه في الطائف وكان أن ولد الاتفاق الذي نعمل به وملتزمون به والذي أنهى الحرب المستعرة آنذاك، وأخذ بلبنان إلى المسار المؤدي لإعادة ترتيب أوضاعه وإعادة اللحمة بين أبنائه.
لم تكن المملكة يوماً مع فريق ونحن لا نريدها إلا أن تكون مع جميع اللبنانيين وهي كذلك ونحن نريدها كذلك.