التفاؤل والعزم

مجلة بريطانية تبرز مقالا لخادم الحرمين الشريفين

تنعقد قمة مجموعة العشرين في وقت تفاقمت فيه الأزمة المالية العالمية، وتحولت إلى ركود اقتصادي عالمي وتراجع في حجم التجارة الدولية وتوقف شبه تام في حركة تدفق الأموال عبر الحدود، ويتطلع العالم إلى هذه القمة؛ منتظرا ما ستسفر عنه من التزام بالعمل والتنسيق من خلال اتخاذ خطوات عملية لمعالجة آثار هذه الأزمة ومسبباتها. لقد قررنا في اجتماعنا في واشنطن خطة عمل مفصلة لما ينبغي عمله لمواجهة الأزمة المالية، ونعبر عن تقديرنا لما تم من خطوات لتطبيق هذه الخطة، ونؤكد على تنفيذها بقيام دول المجموعة باتخاذ إجراءات قوية ومنسقة لاستعادة النمو وتعزيز الرقابة على المؤسسات المالية كافة، خاصة تلك التي تمثل أنشطتها خطرا على النظام المالي وتقوية التعاون والتنسيق بين الجهات الرقابية. لكن تفاقم الأزمة يؤكد أن ما تم اتخاذه من إجراءات ليس كافيا، وأن الحاجة ماسة لإصلاح مقنع للقطاع المالي بالدول المتضررة، فذلك متطلب أساسي لنجاح أية سياسات تحفيز في استعادة النمو الاقتصادي، وكذلك العمل لوضع أسس متينة للنظام المالي العالمي بما يمنع حدوث مثلها مستقبلا ومقاومة نزعات الحماية التي بدأت تطفو على السطح.
لذلك؛ فإن من المهم أن نؤكد في اجتماعنا المقبل التزام الدول كافة، خاصة تلك الأكثر تأثرا بالأزمة بالعمل على اتخاذ إجراءات إضافية عند الحاجة لتعزيز الطلب وإيجاد فرص العمل ومعالجة المشاكل التي تواجه القطاع المالي، إذ إن النجاح يتوقف على مدى التنسيق بين ما يتخذ من إجراءات تحفيز مالية ونقدية وإصلاح للقطاع المالي وتنظيم للأسواق، ومن المتعين كذلك أن نؤكد التزامنا بحرية حركة التجارة والاستثمار ومقاومتنا لأي نزعات حمائية.
كما علينا تأكيد التزامنا بمساعدة الدول النامية على مواجهة الآثار السلبية للأزمة، حيث تزايدت معاناة الدول الفقيرة وحاجتها للمساعدة جراء الأزمة، ومن جانبها تواصل المملكة جهودها على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف لمساعدة الدول النامية وتفوق المساعدات المقدمة منها وهي دولة نامية نسبة الـ 0.7 في المائة التي حددتها الأمم المتحدة كنسبة للمساعدات من الناتج المحلي الإجمالي للدول المتقدمة.
إن المملكة العربية السعودية مستمرة باتخاذ السياسات الاقتصادية الضرورية لاستمرار نمو اقتصادها وتوفير فرص العمل وللقيام بدورها البناء في الاقتصاد العالمي، وفي إطار السياسة النقدية تم اتخاذ تدابير لتعزيز الثقة وللحد من تأثيرات الأزمة على القطاع المالي السعودي فتم توفير السيولة وضمان الودائع وسنواصل اتخاذ السياسات والتدابير اللازمة لضمان توفر التمويل الكافي في الاقتصاد، ومن ذلك تعزيز مساهمة مؤسسات التمويل الحكومية في التمويل، ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي تعد حزمة الحوافز التي تنفذها المملكة الأكبر بين دول مجموعة العشرين.
ونحن مستمرون كذلك في القيام بدورنا في العمل على استقرار السوق البترولية، إذ على الرغم من تأثيرات الأزمة السلبية على الطلب العالمي على البترول وعلى توقعاته المستقبلية وما يمثله ذلك من تضحيات، فقد واصلنا برنامجنا الاستثماري الضخم لزيادة طاقتنا الإنتاجية، حرصا منا على استقرار سوق الطاقة العالمي ولقناعتنا بأن ذلك يخدم مصلحتنا ومصلحة الاقتصاد العالمي، وندعو الدول المستهلكة للتعاون معنا في هذا المجال وتفعيل الحوار بين المنتجين والمستهلكين لما فيه من المصلحة المشتركة وعدم استهداف البترول بسياسات تؤثر سلبا عليه، وحرصا منا على تفعيل الحوار؛ فقد بادرنا بالتعاون مع الدول الصديقة لإنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض.
إن منطقتنا العربية ليست بمنأى عن هذه الأزمة العالمية وتداعياتها ونحن نعمل بالتنسيق مع أشقائنا في الدول العربية للعمل على تخفيف الآثار السلبية للأزمة على منطقتنا، ومن ذلك تعزيز دور مؤسسات التمويل العربية في مساعدة الدول المتضررة. إلا أنه ومن دون السلام الشامل والعادل في المنطقة لن يكون للحديث عن الاستقرار والنمو الاقتصادي أي معنى ولن تحدث عملية التنمية ولهذا الهدف السامي فقد عرضت الدول العربية مبادرتها الشاملة والمتوازنة للسلام «المبادرة العربية للسلام» منذ عام 2002م، إلا أن رفض إسرائيل فوت فرصة كبيرة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وندعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته للوصول إلى هذا السلام العادل والشامل الذي طال انتظاره والاستفادة من المبادرة المطروحة التي لن تبقى على الطاولة للأبد.

«فيرست» المتخصصة البريطانية
في العدد الخاص بمناسبة قمة الـ 20 في بريطانيا