قمة النخبة في لندن
الأحد / 09 / ربيع الثاني / 1430 هـ الاحد 05 أبريل 2009 20:09
بدر بن سعود
زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخيرة إلى لندن وحضوره قمة العشرين الاقتصادية أو «جي.تونتي» كما يسمونها بالانجليـــزية، كانت استثنائية ومهمــــة، لأن السعودية لم تأت إلى القمة من باب تمثيل العرب والمسلمين، وهو امتياز أرى أنها تستحقه وتتشرف به إن حدث، وإنما باعتبارها «منفردة»، الدولة الثامنة عشرة في قائمة أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وفيه أيضاً تأكيد على دورها المؤثر والمطلوب عالمياً، خصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الناس في كل مكان، والمؤشر الآخر أن السعودية حضرت وهي بكامل عافيتها الاقتصادية وربما السياسية كذلك، والثانية عززتها سلامة سمو ولي العهـــد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وأثبت توازنها ورؤيتها الموضوعية والواقعية للأمور، صدور الأمر السامي الكريم بتعيين الأمير نايف بن عبدالعزيز، نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
لا أضيف جديداً إذا قلت بأن بعض النخب تستثمر في أخبار الإعلام، وتوجد أدبيات كثيرة في العالم الغربي تعرضت لهذا الموضوع، لعل أشهرها كتاب نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان: صناعة الإجماع (2002) واحتكار النخبة للإعلام يشمل كل شيء تقريباً، وتدخل فيه أخبار الجريمة والسياسة والبيئة والخدمات الاجتماعية والحرب وهكذا، والمصادر النخبوية تعتبر أضخم مانح إعلامي لما أسماه أوسكار غاندي (1982) بـ«الإعانة المعلوماتية» ولا بد من التذكير بأن النشاط الدعائي أو التسويقي ومجهودات العلاقات العامة لفئات معينة من النخب، وضغطها باتجاه مسارات دون غيرها في بعض القضايا، لايتم دائماً لكسب ود الرأي العام أو خدمة مصالح الناس العاديين، بل لمجاراة المنــافسين في الداخل والخارج، أو فرض خيارات محددة عليهم، وكتب آرون ديفس (2007) بأن النخب تصنف من بين المصادر المفضلة للأخبار، وأنهم أول المطلعين عليهـــا وأقوى المؤثرين في محتواها، أي أن الحركة تتم في دائرة مغلقة وعلى طريقة منهم وإليهم والسلام عليهم، ولايستفيد منها في أغلب الأحوال من هم خارج هذه الدائرة.
المعروف أن المقاربات التقليدية أو الكلاسيكية للمسألة، ركزت باستمرار على التأثيرات الإعلامية للنخب في مجتمعاتها المحلية، والغرض تحقيق قبول اجتماعي لأولوياتها وقناعاتها بين الناس، والنظرية التي تحكم تعريف النخبة عرض لها تشارلز رايت مايلز في إصداره: النخبة القوية (1956) وقال، في وصف مبسط: إن من يمثلها في مجتمع الولايات المتحدة هم رجال السياسة والإدارة في الحكومة الأمريكية، وملاك الشركات أو مديروها التنفيذيون والقادة العسكريون، والفكرة نفسها لا تختلف في دراسات لاحقة، وعلى سبيل المثال، فالسلطة السياسية والاقتصادية في الديمــــوقراطيات الرأسمـــــالية في العالم الغربي، لا زالت في يد نخب صغيرة تتشارك في قيمها ومبادئها وروابطها الاجتماعية والاقتصادية، وفي النموذج البريطاني يــــدرج في خانة النخب المستأثرة بالإعلام، الشخصيات السياسية وكبار الإداريين في المؤسسات الحكومية، ومراكز التفكير أو بنوك الأفكار أو بالانجليزية «ثنك تانكس»، ومعها جماعات الضغط والصحافيون العاملون في مجلس العموم البريطاني.
حتى تتضح الصــــورة أذكر ما كتبه أوليفر هودمان (2007) وهــــو متــــابع يعمل في اتحاد المراقبين الأوربيين، والاتحاد المذكور مؤسسة مستقلة في أمستــردام الهولندية تعتمد على التمويل الخاص، وقال هودمان، بأن خمسة وعشرين ألف نخبوي في العاصمة البلجيكيـــــة بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي وتفريعاته، يكملهم أحد عشر ألفاً وستمائة وستون نخبوياً في العاصمة الأمريكية واشنطن، متفرغون تماماً ويجوز أن أقول بأنهم يعملون بنظام الـدوام الكامل، للتأثير في السياسات الأوروبية والمؤسسات التابعة للمفوضية الأوروبية، وهؤلاء حسب أوليفر، يمكن اختصارهم في ألف جماعة ضغط من بينها شركات علاقات عامة ومكاتب قانونية وأكثر من اثنتي عشرة جماعة تفكير تمولها مؤسسات وشخصيات سياسية واقتصادية، وهم ينفقون سنوياً لتغذية هذه الأنشطــة مابين سبعمــــــائة وخمسين ألفاً ومليار يورو، والاتحاد الأوروبي مهم لأهل المال والأعمال، لأن رأس ماله الاقتصادي يصل إلى ثلاثة عشر تريليــــون يـــورو، طبقاً لآخر الإحصاءات المتوفرة، وأي إنفــاق دعائي أو تسويقي في الإعلام لن يتعلق، مهما حصل، بأطراف هذا الرقم المرعب والمغري في ذات الوقت، والرقم السابق لا يقترب منه حتى الاقتصاد الأمريكي رغم أنه من أقوى الاقتصاديات في العالم، وإعلامياً لا بد من التفريق بين الرأي العام والرأي النخبوي في أوروبا وفي غيرها، فقد وجد روبرت انتمان في مؤلفه: مؤشرات القوة (2004) أن الرأي العام والرأي النخبوي في أمريكا لا يتفقان أبداً في المواقف ووجهات النظر بالذات في الشؤون الدولية والخارجية.
ثم يكفي كدليل أخير أن أشير إلى أن جريدة «فايننشال تايمز» في طبعتها الأوروبية توزع يومياً في أوروبا وحدها مائتين وخمسة وستين ألف نسخة، مقابل مائة وواحد وأربعين ألف نسخة أوروبية لجريدة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» وواحد وثمانين ألفاً لجريدة «وول ستريت جورنال»، وقراء «فايننشال تايمز»، إما صناع قرار أو خبراء أو أكاديميون أو عسكريون كبار أو رجال أعمال، والتسريبات والمعارك الأوروبية النخبوية تدور في صفحاتها باستمرار، وليس في محطة «يورو نيوز» التعيسة، وفي المتوسط قارئ «فايننشال تايمز» المتوقع رجل ميسور الحال وليس امرأة، وغالباً في منتصف العمر ومتابع لحركة المال والأعمال في العالم، وهذا الوصف طبعاً لا ينطبق على معظم الناس في أوروبا وفي غير أوروبا...
binsaudb@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة
لا أضيف جديداً إذا قلت بأن بعض النخب تستثمر في أخبار الإعلام، وتوجد أدبيات كثيرة في العالم الغربي تعرضت لهذا الموضوع، لعل أشهرها كتاب نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان: صناعة الإجماع (2002) واحتكار النخبة للإعلام يشمل كل شيء تقريباً، وتدخل فيه أخبار الجريمة والسياسة والبيئة والخدمات الاجتماعية والحرب وهكذا، والمصادر النخبوية تعتبر أضخم مانح إعلامي لما أسماه أوسكار غاندي (1982) بـ«الإعانة المعلوماتية» ولا بد من التذكير بأن النشاط الدعائي أو التسويقي ومجهودات العلاقات العامة لفئات معينة من النخب، وضغطها باتجاه مسارات دون غيرها في بعض القضايا، لايتم دائماً لكسب ود الرأي العام أو خدمة مصالح الناس العاديين، بل لمجاراة المنــافسين في الداخل والخارج، أو فرض خيارات محددة عليهم، وكتب آرون ديفس (2007) بأن النخب تصنف من بين المصادر المفضلة للأخبار، وأنهم أول المطلعين عليهـــا وأقوى المؤثرين في محتواها، أي أن الحركة تتم في دائرة مغلقة وعلى طريقة منهم وإليهم والسلام عليهم، ولايستفيد منها في أغلب الأحوال من هم خارج هذه الدائرة.
المعروف أن المقاربات التقليدية أو الكلاسيكية للمسألة، ركزت باستمرار على التأثيرات الإعلامية للنخب في مجتمعاتها المحلية، والغرض تحقيق قبول اجتماعي لأولوياتها وقناعاتها بين الناس، والنظرية التي تحكم تعريف النخبة عرض لها تشارلز رايت مايلز في إصداره: النخبة القوية (1956) وقال، في وصف مبسط: إن من يمثلها في مجتمع الولايات المتحدة هم رجال السياسة والإدارة في الحكومة الأمريكية، وملاك الشركات أو مديروها التنفيذيون والقادة العسكريون، والفكرة نفسها لا تختلف في دراسات لاحقة، وعلى سبيل المثال، فالسلطة السياسية والاقتصادية في الديمــــوقراطيات الرأسمـــــالية في العالم الغربي، لا زالت في يد نخب صغيرة تتشارك في قيمها ومبادئها وروابطها الاجتماعية والاقتصادية، وفي النموذج البريطاني يــــدرج في خانة النخب المستأثرة بالإعلام، الشخصيات السياسية وكبار الإداريين في المؤسسات الحكومية، ومراكز التفكير أو بنوك الأفكار أو بالانجليزية «ثنك تانكس»، ومعها جماعات الضغط والصحافيون العاملون في مجلس العموم البريطاني.
حتى تتضح الصــــورة أذكر ما كتبه أوليفر هودمان (2007) وهــــو متــــابع يعمل في اتحاد المراقبين الأوربيين، والاتحاد المذكور مؤسسة مستقلة في أمستــردام الهولندية تعتمد على التمويل الخاص، وقال هودمان، بأن خمسة وعشرين ألف نخبوي في العاصمة البلجيكيـــــة بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي وتفريعاته، يكملهم أحد عشر ألفاً وستمائة وستون نخبوياً في العاصمة الأمريكية واشنطن، متفرغون تماماً ويجوز أن أقول بأنهم يعملون بنظام الـدوام الكامل، للتأثير في السياسات الأوروبية والمؤسسات التابعة للمفوضية الأوروبية، وهؤلاء حسب أوليفر، يمكن اختصارهم في ألف جماعة ضغط من بينها شركات علاقات عامة ومكاتب قانونية وأكثر من اثنتي عشرة جماعة تفكير تمولها مؤسسات وشخصيات سياسية واقتصادية، وهم ينفقون سنوياً لتغذية هذه الأنشطــة مابين سبعمــــــائة وخمسين ألفاً ومليار يورو، والاتحاد الأوروبي مهم لأهل المال والأعمال، لأن رأس ماله الاقتصادي يصل إلى ثلاثة عشر تريليــــون يـــورو، طبقاً لآخر الإحصاءات المتوفرة، وأي إنفــاق دعائي أو تسويقي في الإعلام لن يتعلق، مهما حصل، بأطراف هذا الرقم المرعب والمغري في ذات الوقت، والرقم السابق لا يقترب منه حتى الاقتصاد الأمريكي رغم أنه من أقوى الاقتصاديات في العالم، وإعلامياً لا بد من التفريق بين الرأي العام والرأي النخبوي في أوروبا وفي غيرها، فقد وجد روبرت انتمان في مؤلفه: مؤشرات القوة (2004) أن الرأي العام والرأي النخبوي في أمريكا لا يتفقان أبداً في المواقف ووجهات النظر بالذات في الشؤون الدولية والخارجية.
ثم يكفي كدليل أخير أن أشير إلى أن جريدة «فايننشال تايمز» في طبعتها الأوروبية توزع يومياً في أوروبا وحدها مائتين وخمسة وستين ألف نسخة، مقابل مائة وواحد وأربعين ألف نسخة أوروبية لجريدة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» وواحد وثمانين ألفاً لجريدة «وول ستريت جورنال»، وقراء «فايننشال تايمز»، إما صناع قرار أو خبراء أو أكاديميون أو عسكريون كبار أو رجال أعمال، والتسريبات والمعارك الأوروبية النخبوية تدور في صفحاتها باستمرار، وليس في محطة «يورو نيوز» التعيسة، وفي المتوسط قارئ «فايننشال تايمز» المتوقع رجل ميسور الحال وليس امرأة، وغالباً في منتصف العمر ومتابع لحركة المال والأعمال في العالم، وهذا الوصف طبعاً لا ينطبق على معظم الناس في أوروبا وفي غير أوروبا...
binsaudb@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة